إضاءة في كتاب "تدريس الفلسفة من أجل مقاربة ديداكتيكية للاشتغال على النص في درس الفلسفة"
«أرخبيل الذاكرة» نصوص رحلية
«أرخبيل الذاكرة» لعبد الرحيم مؤدن، كتاب أفتتح به عام 2023.
يعد هذا الكتاب من جنس الرحلة، التي عرف بها الأديب المغربي الراحل عبد الرحيم مؤدن، يتضمن الكتاب ثلاثة نصوص وهي كالتالي: «ستة أيام هزت العالم»، «الرحلة الهولندية»، «الرحلة الباريسية»، «الرحلة الصينية».
وهي كما يشير الكاتب رحلات ومشاهدات متباعدة، في الزمن والمكان، ومتقاربة في الرؤية والسرد والتوصيف.
عوالم هذه الرحلات تشترك في تجسيد الرغبة في المعرفة، معرفة الآخر، ومعرفة الذات، وكشف الاختلافات وتنوع الأصول بتعدد الأمكنة والثقافات.
في رحلته إلى مصر «ستة أيام هزت العالم» يستجيب المكان لتغير الزمن حيث أن الفترة كانت قبيل ثورة 25 يناير، وقد تحول فضاء المكان إلى عالم صامت وناطق، وخاصة القاهرة التي يقول عنها أنها لم تعرف إلا الكلام والصخب وتبادل التحية والسلام.
ثم يكشف المكان عن أسراره في الرحلة الهولندية، من خلال أساليب مختلفة في نسق الحياة ونمط العيش، وما يمارسه المكان على الزائر من سلطة الثنائيات، النور والعتمة، وإغواء الخفاء والتجلي، وما على الزائر إلا أن يقوم باستقصاء الزوايا المعتمة لتنكشف له الأعاجيب.
وفي رحلته إلى باريس أغدق علينا النص بمشاهدات مارس فيها المكان سحره المزدوج جامعا بين الترهيب والترغيب، من سلطة حضارة –يقول عنها- إنها قاهرة متماسكة، وتمارس ترغيبا يتجسد في طبيعة المكان الذي لم يدر ظهره لمرجعية التنوير.
وتتعدد الأمكنة في الرحلة الصينية عبر مشاهد مثيرة للدهشة ومطلعة على عوالم غريبة وثقافة مختلفة تخفي في طياتها أسرارا ورمزيات يتقاطع فيها الواقعي بالأسطوري...
-أرخبيل الذاكرة: عبد الرحيم مؤدن، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط.1، 2013.
رشيد أمديون
الثلاثاء 03 يناير 2023
#قراءة_2023_رشيد
الشعر العربي بين الجمود والتطور (مراجعة)
ينتصر الدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي في هذا كتابه « الشعر العربي بين الجمود والتطور» للرأي الذي يقول بأن الشعر العربي لم يعرف تطورا في العهدين الإسلامي (صدر الإسلام) والأموي، لأنه ظل على صورة من الشعر الجاهلي إلى أن جاء العصر العباسي الذي اتخذ فيه الشعر منحى آخر مغايرا مع بشار ابن برد وأبي نواس.. وقد وجد هذا الرأي من يعارضه من نقاد ومؤرخي الأدب أمثال شوقي ضيف في كتابه "التطور والتجديد في الشعر الأموي". وذهب الكفراوي إلى أن هذه المعارضة سببها أن من تبنوا الرأي الأول لم يفصّلوا القول... على هذا فهو يذهب مذهب أن الشعر العربي أصابه تغير حقا في العصر الإسلامي والأموي، بل وأصابه عدة تغيرات أثناء العصر الجاهلي أيضا، باعتباره يخضع لعوامل النشوء والارتقاء... لكن تلك التغيرات تعدّ يسيرة جدا وسطحية لا تمس العناصر الأولية، والسمات الأصلية التي اتسم بها الشعر الجاهلي... فعالج الباحث هذا الموضوع معالجة تفصيلية مقسما كتابه هذا إلى ثلاثة أبواب.
تناول الباب الأول تحديد العناصر الأساسية للشعر العربي مع طرح تلك الظروف الاجتماعية التي كونتها. والآثار التي ترتبت عليها في الشعر الجاهلي (الطبع، الصدق، الميل إلى التصوير، الموسيقى، بناء القصيدة وتقسيمها إلى مقدمة وغرض)...
وجاء الباب الثاني مقسما إلى فصول. الأول: بين الأسباب التي حاولت دون تأثير الشعر العربي بالدين الجديد في صدر الإسلام، وأيضا الأسباب التي جعلت شعراء العصر الأموي يتوجهون نحو الشعر الجاهلي... والفصل الثاني يتناول مظاهر تشابه الشعر في العصرين الأموي والجاهلي. إذ يعطي نماذج من الشعر الأموي للتأكيد على جموده في الحدود التي رسمها شعراء الجاهلية. وفي الفصل الثالث يرد على القائلين بتطور الشعر العربي في العصر الأموي، حيث تعرض لما أشاروا إليه من فنون ونماذج وأغراض (النقائض والغزل بنوعيه) التي يبدو عليها سمات التطور، ليؤكد على أنها ليست إلا امتدادا طبيعيا للشعر الجاهلي.
الباب الثالث تناول العصر العباسي، وجاء في أربعة فصول: حيث تناول الفصل الأول بناء القصيدة العربية وما لحقها من تطور. وفي الفصل الثاني، خصصه لأغراض الشعر التي عرفت تطورا يعود بالأساس إلى الحالة الاجتماعية في العصر العباسي، حيث ظهر "الغزل بالمذكر" والخمر والمجون كما عند أبي نواس... وشعر الزهد والتزهد كما عند أبي العتاهية... وشعر الخصومات الذي لم يعد يتمثل في خصام بين القبيلة وجارتها بل خصومات بين العرب والموالي، والخصومات السياسية كتلك التي تمثلها علاقة الفضل بن الربيع بالبرامكة في خلافة الرشيد، وتجلت في شعر أبي العتاهية و"أبان بن عبد الحميد"... إضافة إلى الأغراض الأخرى المعروفة والتي لحقها التطور كالغزل والفخر والهجاء والمدح.. أما الفصل الثالث، فهو عن عناصر الشعر وما أصابها من تطور وجمود وهذه العناصر هي : الطبع ( حيث قسم الباحث الشعراء إلى طائفتين، أهل الطبع وأنصار الصنعة وقدم نماذجها). العنصر الثاني التزام الحقائق، وما لحق الشعر العربي في العهد العباسي من المبالغات مقارنة مع ما كان عليه الشعر في الجاهلية من التزام الحقائق في المدح أو في الهجاء.. ثم العنصر الثالث وهو التصوير، الذي كان في العصر الجاهلي قريبا من الواقع، ولما تفشى الغلو والمبالغة في العصر العباسي ترك ذلك الذوق الجديد أثره في التصوير، فعظم الفارق بين الحقيقة التي يتحدث عنها الشاعر والصورة التي يعرضها...أما العنصر الرابع، فهو الموسيقى. وقد قام الباحث بالموازنة ما بين بعض شعر شعراء العصر العباسي والعصر الجاهلي وبين أهل الطبع والصنعة من الشعراء العباسيين أيضا.
كما يعد الباحث أن استفحال روح الثورة وتشعبها ورفض التقليد هو ما ساهم في هذا التطور..
وفي الفصل الرابع، ذهب الكاتب إلى أن الشعر العربي استرد حريته على يد أبي الطيب المتنبي. * كتاب "الشعر العربي بين الجمود والتطور" للدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي. 206 صفحة. طبعة ثانية.
البطل التراجيدي في المسرح العالمي
قريبا: العدد "العشرون" من مجلة الصقيلة في النقد والإبداع
1- مقال "القارئ المتعاون" لدومنيك مانغينو، ترجمة: ميلود عرنيبة.
2- قصيدة "آية سفر التكوين" لخوسيه مانويل كاباييرو بونالد، ترجمة: عبد اللطيف شهيد.
الغرابة المقلقة في "كافكا على الشاطئ"
ثقافة يهود المغرب من خلال كتابات حاييم الزعفراني
في الفصل الثاني، تناول الباحث حياة اليهود بالمغرب، مخصصا المبحث الأول للحياة الاجتماعية والاقتصادية ليهود المغرب، حيث تتكون هذه الطائفة من مجموعتين؛ اليهود البلديين (توشفيم) وهي مجموعة ارتبط مجيئها إلى المغرب تاريخيا بمجيء الفينيقيين، والطائفة الثانية تسمى مهجرين (ميكورشيم) وهم الذين وفدوا على المغرب خلال تهجير اليهود من الأندلس عام 1492م. ورغم اختلاف المجموعتين في الأصل واللغة والثقافة فقد عاشتا جنبا إلى جنب، وسهر على شؤونهما مسؤولون في إطار مجلس عني بخدمة مصالح اليهود وهو مجلس الطائفة (الأحبار، الأعيان، شيوخ الطائفة، أخيار المدينة، نخبة البيعة أو رعاتها، أشراف الطوائف، نخبة أو منتخبو المجتمع، الطبعة المهيمنة). وتمتلك الطائف اليهودية مؤسسات عدة تتميز كل واحدة منها بوظيفة تؤديها تتمثل في: البِيعة، الحبوس والأعمال الخيرية، إصلاح الأخلاق، التعليم اليهودية. وتتميز الحياة الاجتماعية اليهودية بمظاهر اجتماعية مختلفة يتداخل فيها الديني بالسحر من خلال طقوس وشعائر تعبر عن لحظات الوجود المتميزة التي سادت الحياة اليومية لليهود: الولادة، الختان، واختيار التسمية، وظروف الطفل في الوسط العائلي، ثم طقوس الزواج من خطبة، وعقد القران، والصداق... وبيَّن الباحث أن للزوجين وعائلتيهما الحق في اختيار واحدا من النظامين في الزواج: النظام التقليدي؛ وهو يستقي أسسه من التشريع التلمودي القديم ومن الأعراف والتقاليد.. والنظام القشتالي؛ وهو نظام يهتم بالأحوال الشخصية والعائلية ويعرف بالإصلاح والتعديل، وكان يعمل به يهود الأندلس المهجَّرون إبان الاضطهاد الإسباني المسيحي (1492م). ثم تناول هذا البحث في إطار ما هو اجتماعي تعدد الزوجات في النظامين التقليدي والقشتالي، وما يتعلق بـقضية "العاكونة" وهي المرأة التي غاب عنها زوجها وتركها معلقة.
كما تناول هذا المبحث ما تعلق بأحوال الطائفة اليهودية وما يخص متابعة شؤونها اليومية... ثم تطرق للمشترك اليهودي الإسلامي، إذ أن يهود المغرب عاشوا حالة تساكن وتعايش مع المسلمين لقرون طويلة لهذا اشترك اليهود والمسلمون في المغرب في مظاهر ثقافية ونسجت بين الطرفين علاقات متينة تجلت في سلوكهما اليومي، وفي عاداتهما وتفكيرهما رغم اختلاف المعتقد، فشارك اليهودي المغربي جاره المسلم في الإيمان ببعض الاعتقادات كالخوف من العين، والجن، فيعمدان إلى استعمال ما يعتقدان فيه حصنا لهما كالتمائم واتخاذ الخميسة، والتشبير، واللجوء إلى الأولياء، بل وصل ذلك إلى حد توافقهما أحيانا على زيارة نفس الولي.
أما فيما يخص الحياة الاقتصادية فقد لعبت عائلات يهودية دورا كبيرا في المجالين الاقتصادي والسياسي وهي في الغالب عائلات قدمت من الأندلس كعائلة "روتي" وعائلة "بلاشا" و"ميمران" و"طوليدانو" وأبناء عطار" و"أبنسور" و"سرفاتي" و"كوريات" و"المليح" وغيرهم كثير... بينما كانت تزاول أغلب العائلات الأخرى من اليهود التجارة والصناعات الحرفية كصناعة الحلي وسك النقود، أما الفلاحة فإن أقلية منهم من زاولها لأنها في نظر اليهود من المهن الدونية اجتماعيا.
واشتغل الباحث في المبحث الثاني على رصد الحياة الشرعية والأدبية لليهود، والحياة الشرعية التي تخص أشكال المعرفة اليهودية، بما فيها الفكر التشريعي المتعلق بالشريعة اليهودية "هلخة" من صلوات والشعائر التعبدية، ما ارتبط منها بالقبالة وحياة التصوف وما تأثرت به من المعتقدات الفلسفية.. أما ما يخص الأدب اليهودي فيشمل كل من الأدب القضائي من مجموعة من التقانوت (أي الفتاوى)، ومنتخبات من القرارات القضائية، وأدب النوازل الذي سطر اليهود خلاله إطارا لحياتهم وفق المحيط الاجتماعي الذي يفرض طابعه المحلي، وعليه لعبت الفتاوى دور الرابط العضوي بين الطوائف اليهودية المشتتة، وساهمت الأعراف "المنهاك" في إثراء أدب الفتاوى. كما يشمل الأدب اليهودي مؤلفات هلاخية أي تشريعية، ثم الشعر الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بالصلاة والطقوس والفلكلور، وتظهر عليه سمات العروض وتقنيات النظم الشعري العربي الأندلسي أكثر من أية سمة أخرى. كما أن الأوزان العبرية متشابهة في تفعيلاتها مع أوزان الشعر العربي، وقد تطرق حاييم الزعفراني في دراسته الشعر في الغرب الإسلامي إلى نماذج شعرية تتوزع بين التوسلات والأدعية والابتهالات ألفها شعراء مغاربة هم «يعقوب ومسى وشلوم أبنسور». ومن ألوان الشعر اليهودي: أناشيد ومرثيات "باقشوت" (وهو شعر وجداني)، وشعر الابتهال "التحنوت" (وهو شعر التضرع)، وأناشيد الحب "أهابوت"، ويرتبط الحب في هذه الأناشيد بحب الله لإسرائيل، والحب المرتبط بفكرة الاصطفاء والخلاص. ويشمل الأدب اليهودي كذلك الكلام المسجوع «ميليصاه» وهو نثر موزون ذو جمل قصيرة ويعتمد التواتر الصوتي (التطريز). ثم هناك أدب القبالة والأدب الشعبي الذي يلتصق بوجدان العامة ويسهم في نقل المعارف والعادات والأعراف، وهو سجل عني احتفظت به الذاكرة اليهودية. والإبداع الأدبي، المكتوب والشفوي، لا قيمة لدراسته بمعزل عن أشكال الفكر الأخرى، لذلك فهو جزء لا يتجزأ عن التاريخ.
وفي الفصل الثالث عقد الباحث مقارنة بين ما كتبه الزعفراني وما كتبه وألفه آخرون باللغة الفرنسية عن يهود المغرب وسعى في ذلك إلى تقسيم هذه الدراسة المقارنة إلى ثلاثة مباحث تناولت وناقشت مواضيع تاريخية وجغرافية وفكرية، تعطي فكرة مفصلة عن الدراسات التي تناولت موضوع يهود المغرب وكيف استعرضت الكتابات الفرنسية، خلال القرن العشرين، جميع جوانب حياتهم التاريخية والاجتماعية والدينية والاقتصادية وما تباناه ملوك المغرب (منذ الأدارسة إلى العلويين) من موقف طيب إزاء اليهود وخاصة في فترة (1822-1912). وتعد تلك الدراسات متعددة ومتنوعة بل ومتداخلة ومتشابهة في طرح القضايا، بخلاف ما ميز كتابات الزعفراني، إذ يعتبر ما قدمه الرجل تضمن موروثا فكريا يهوديا كان القصد منه إعادة إحيائه وبعثه والحفاظ عليه ونفض الغبار عنه ورفض ما يسمى بالتاريخ المليء بالدموع.
إن ما قدمه الزعفراني عن اليهودية المغربية من أبحاث، يعد مخزونا علميا يحظى بالاهتمام والدرس. حيث انكب على البحث منذ خمسة عقود من الزمن بهدف بعث فكر يهودي ظل حبيس سنوات طوال، وضمنه سعى إلى إثبات الهوية اليهودية، انطلاقا من كتابات خلفها يهود مغاربة، سواء تعلق الأمر بالتربية أو القانون أو الإبداع الشعري أو التفسير التلمودي أو النثر الفني أو الكتابات الصوفية والسحرية. فقد شكلت كل هذه الكتابات مادة قيمة يجتمع فيها ما هو تاريخي بما هو اجتماعي وديني وفكري. واكتفاء الزعفراني بمهمة البحث في الموروث اليهودي جعل الباحث عبد السلام شرماط في ختام الكتاب يتساءل كيف سيتحقق المستقبل الذي تمتد جذوره بعمق في ماضي يهود المغاربة؟ وكيف ليهود الشرق والمغرب أن يعيشوا حياتهم كما في الماضي، وهم بعيدون عن أوطانهم؟ وهل دراسة أشكال المعرفة اليهودية والتعرف بها كافية لإعادة اليهود إلى أوطانهم وإقناعهم بالرجوع إليها؟