بقلم: رشيد أمديون
ثمة أمر لا بد للقارئ أن ينطلق منه عندما ينهي قراءة رواية «كافكا على الشاطئ» للروائي الياباني هاروكي موراكامي، وهو أن هذه الرواية التي يقدمها هاروكي نص بمعطى غير جاهز، لهذا لا يكتمل إلا عند القارئ. فالأحداث تسير في سياق غرائبي وخيالي وأسرار ومضمرات ودلالات رمزية... وميثولوجيا وثقافة من الأدب والفن الإنساني، وعالم الأرواح والحلول، والاحلام، والإيروتيكية... لهذا يحتاج القارئ أمام هذا المزج أن يكون طرفا واعيا ومكملا للعمل بصفته المتلقي للرواية. وحيث أن النص محرض على البحث عن أسراره وتفسير عوالمه الغامضة انطلاقا من حوارات الشخصيات وكلامها وما تشير إليه مضمراته، ومن خلال سير الأحداث وعلاقة السابق باللاحق وعلاقات الشخصيات ببعضها. وقد تصدم نهاية الرواية القارئ حيث لا يجد إجابات عن كل الأسئلة التي حملها معه منذ بدأت الأحداث تتعقد أمامه خاصة وأنها لا تستند لمنطق عقلي أو تقع تحت قوانين فيزيائية، وهذا ما تشير إليه الرواية، يقول السارد: «كلما حاول هوشينو أن يفك خيوط المسألة، ازدادت حيرته من الأفضل ألا أحاول أن أعثر على المنطق». فالرواية غارقة في الخيال وأبعاده والفانتاستيك، والرمزية، لكنها مع ذلك تشد القارئ وتضعه في عالم الغرابة المقلقة، وفي حيرة (لتعدد عوالمها) وهو يقاوم أسرارها قصد الوصول إلى منطقة الألفة ليضع للرواية تفسيرا يشفي غليل فضوله المعرفي، لكن هل يصل؟ ذلك يتوقف على خيال القارئ وقدرته على التأويل والربط وخلق التمثلات المناسبة... فهذا ما يعرف بإعادة انتاج النص، ولكل قارئ قراءته الخاصة التي تستند إلى ما جاء في الرواية.
والنزعة الوجودية في الرواية تتبدا لكل من قرأها، حيث أن الأسئلة التي تغلي في مرجلها تتبنى قضايا إنسانية يرمز إليها النص ولا يصرح بها: الإنسان بين السلم والحرب، بين الصدق والكذب بين الحياة والموت بين الوجود والعدم بين الحلم والواقع، الروح والجسد... ثنائيات كثيرة تدعو إلى تأمل هذا المنجز الأدبي الياباني الذي يضع القارئ أمام ذاته وتصوراته وقدرته على تقبل الغرائبي لتشكيل رؤية عن الإنسان في مجاهل الحياة بحياد تام، هذه الحياة التي طرأت عليها تطورات كثيرة أثرت على إنسانية الإنسان.
رواية «كافكا على الشاطئ» للروائي الياباني هاروكي موراكامي. تقع في 620 صفحة. الطبعة الثانية، اصدار 2010.
1 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:
شكرا جزيلا سي رشيد بأسلوبك الرائع حببتني في القراءة وجعلتني أستمتع بها
إرسال تعليق
كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)