ينتصر الدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي في هذا كتابه « الشعر العربي بين الجمود والتطور» للرأي الذي يقول بأن الشعر العربي لم يعرف تطورا في العهدين الإسلامي (صدر الإسلام) والأموي، لأنه ظل على صورة من الشعر الجاهلي إلى أن جاء العصر العباسي الذي اتخذ فيه الشعر منحى آخر مغايرا مع بشار ابن برد وأبي نواس.. وقد وجد هذا الرأي من يعارضه من نقاد ومؤرخي الأدب أمثال شوقي ضيف في كتابه "التطور والتجديد في الشعر الأموي". وذهب الكفراوي إلى أن هذه المعارضة سببها أن من تبنوا الرأي الأول لم يفصّلوا القول... على هذا فهو يذهب مذهب أن الشعر العربي أصابه تغير حقا في العصر الإسلامي والأموي، بل وأصابه عدة تغيرات أثناء العصر الجاهلي أيضا، باعتباره يخضع لعوامل النشوء والارتقاء... لكن تلك التغيرات تعدّ يسيرة جدا وسطحية لا تمس العناصر الأولية، والسمات الأصلية التي اتسم بها الشعر الجاهلي... فعالج الباحث هذا الموضوع معالجة تفصيلية مقسما كتابه هذا إلى ثلاثة أبواب.
تناول الباب الأول تحديد العناصر الأساسية للشعر العربي مع طرح تلك الظروف الاجتماعية التي كونتها. والآثار التي ترتبت عليها في الشعر الجاهلي (الطبع، الصدق، الميل إلى التصوير، الموسيقى، بناء القصيدة وتقسيمها إلى مقدمة وغرض)...
وجاء الباب الثاني مقسما إلى فصول. الأول: بين الأسباب التي حاولت دون تأثير الشعر العربي بالدين الجديد في صدر الإسلام، وأيضا الأسباب التي جعلت شعراء العصر الأموي يتوجهون نحو الشعر الجاهلي... والفصل الثاني يتناول مظاهر تشابه الشعر في العصرين الأموي والجاهلي. إذ يعطي نماذج من الشعر الأموي للتأكيد على جموده في الحدود التي رسمها شعراء الجاهلية. وفي الفصل الثالث يرد على القائلين بتطور الشعر العربي في العصر الأموي، حيث تعرض لما أشاروا إليه من فنون ونماذج وأغراض (النقائض والغزل بنوعيه) التي يبدو عليها سمات التطور، ليؤكد على أنها ليست إلا امتدادا طبيعيا للشعر الجاهلي.
الباب الثالث تناول العصر العباسي، وجاء في أربعة فصول: حيث تناول الفصل الأول بناء القصيدة العربية وما لحقها من تطور. وفي الفصل الثاني، خصصه لأغراض الشعر التي عرفت تطورا يعود بالأساس إلى الحالة الاجتماعية في العصر العباسي، حيث ظهر "الغزل بالمذكر" والخمر والمجون كما عند أبي نواس... وشعر الزهد والتزهد كما عند أبي العتاهية... وشعر الخصومات الذي لم يعد يتمثل في خصام بين القبيلة وجارتها بل خصومات بين العرب والموالي، والخصومات السياسية كتلك التي تمثلها علاقة الفضل بن الربيع بالبرامكة في خلافة الرشيد، وتجلت في شعر أبي العتاهية و"أبان بن عبد الحميد"... إضافة إلى الأغراض الأخرى المعروفة والتي لحقها التطور كالغزل والفخر والهجاء والمدح.. أما الفصل الثالث، فهو عن عناصر الشعر وما أصابها من تطور وجمود وهذه العناصر هي : الطبع ( حيث قسم الباحث الشعراء إلى طائفتين، أهل الطبع وأنصار الصنعة وقدم نماذجها). العنصر الثاني التزام الحقائق، وما لحق الشعر العربي في العهد العباسي من المبالغات مقارنة مع ما كان عليه الشعر في الجاهلية من التزام الحقائق في المدح أو في الهجاء.. ثم العنصر الثالث وهو التصوير، الذي كان في العصر الجاهلي قريبا من الواقع، ولما تفشى الغلو والمبالغة في العصر العباسي ترك ذلك الذوق الجديد أثره في التصوير، فعظم الفارق بين الحقيقة التي يتحدث عنها الشاعر والصورة التي يعرضها...أما العنصر الرابع، فهو الموسيقى. وقد قام الباحث بالموازنة ما بين بعض شعر شعراء العصر العباسي والعصر الجاهلي وبين أهل الطبع والصنعة من الشعراء العباسيين أيضا.
كما يعد الباحث أن استفحال روح الثورة وتشعبها ورفض التقليد هو ما ساهم في هذا التطور..
وفي الفصل الرابع، ذهب الكاتب إلى أن الشعر العربي استرد حريته على يد أبي الطيب المتنبي. * كتاب "الشعر العربي بين الجمود والتطور" للدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي. 206 صفحة. طبعة ثانية.
0 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:
إرسال تعليق
كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)