يعد كتاب «تدريس الفلسفة من أجل مقاربة ديداكتيكية للاشتغال على النص في درس الفلسفة» أول إصدار للكاتب والباحث ابراهيم السهلي، وقد صدر عن الراصد الوطني للنشر والقراءة في يونيو 2022. ويقع هذا العمل في 162 صفحة من الحجم المتوسط. وهو مساهمة فكرية يتبنى صاحبها رؤية تعليمية لتدريس الفلسفة، سعيا إلى المساهمة في تجويد تدريس الفلسفة لكونها مادة مدرسية يعتمد إنجاز درسها بشكل شبه كلي على النص، أي أن الدرس الفلسفي هو درس تفكيري تتبلور ضرورة إنجازه بطرق مختلفة، وهو بذلك يشبه الورشة كما شبهه بذلك كانغيلام، «ليست الفلسفة معبدا، إنها ورشة». ويعرب الباحث ضمن هذا الكتاب عن الهاجس الذي دفعه إلى إنجاز هذا العمل وهو هاجس ديداكتيكي من جهة وبيداغوجي من جهة أخرى.
ينطلق الكاتب في هذا البحث من قناعة راسخة تعتبر النص منجزا لغويا حاملا للمعنى وفضاء لغويا متحركا تبعث له الدلالات والرموز حياة متجددة، وهذا التوجه يبرز أهمية النص كواسطة ودعامة أساسية في بناء المعرفة، خاصة منها المدرسية وإعطائها بعدا منهجيا منظما، تنعكس نتائجها على المستوى الذهني، والوجداني، والسلوك للمشتغل على النص، وذلك من خلال العمليات الإجرائية التي يقوم بها داخل النص على ضوء أنشطة الفهم والتحليل، والمساءلة، والنقد، والتفكيك، والتركيب والبناء.. وهذا الاشتغال يقود إلى تكوين وعي وإنتاج خطاب حامل للمعنى.
وعلى هذا يؤكد الكاتب على أن النص ورشة منهجية لصقل مهارات المشتغل عليه، عبر اتباع مجموعة من العمليات الذهنية تؤدي به إلى فهم النص وإنتاج خطاب قابل للتأويل، وهذا يفرض على المشتغل على النص الإلمام بمفهوم النص في مختلف الحقول الدلالية، وهو إدراك شمولي للسياق النظري لمفهوم النص باعتبار النص نقطة بداية وتكوين المعرفة.
وإن تعليم الفلسفة وتعلمها يتم عبر وساطة النص الفلسفي، داخل خطاب فلسفي موجه للقارئ، ويصبح من خلال ذلك النص آلية لممارسة التفكير الفلسفي. ويعد النص للمتعلم فضاء للتفكير يقتضي من المدرس مقاربة ديكاكتيكية محكمة، تستدعي منه ضرورة التسلح بالآليات المنهجية والنظرية للاشتغال على النص الفلسفي، والنجاح في عملية النقل الديداكتيكي من أجل جعل النص فضاء حيا يشبع رغبة المتعلم في التعلم، ومن خلاله يرتبط المتعلم بالخطاب الفلسفي وتاريخ الفلسفة، وهو ما يتيح له إمكانية القيام بمجموعة من الأنشطة الذهنية المرتبطة بخصوصية الخطاب الفلسفي (مفهمة، أشكلة، محاجة).
كما أن فعل القراءة يعد نشاطا تعليميا حيث يجعل المتعلم يلتقي بشكل مباشر مع الخطاب الفلسفي، أي أن القراءة في هذا السياق هي تمرين ذهني يتيح للمتعلم التعرف على خصوصية الخطاب الفلسفي، والقدرة على تمييز هذا الخطاب عن غيره من الخطابات الأخرى، كما أن القراءة طريقة لبناء الأفكار واستلهام القدرة على المحاجة، إذ أن أنشطة القراءة الفلسفية تساعد المتعلم على تنمية قدراته، كما تتيح له إمكانية استلهام تجربة الكتابة الذاتية انطلاقا من تجربة النص، وذلك من خلال نشاط ذهني يقوده لحل المعنى المضمر في النص، فيكون المتعلم بذلك قارئا إيجابيا للنص ومحاورا جيدا للفيلسوف.
0 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:
إرسال تعليق
كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)