الوصف
‏إظهار الرسائل ذات التسميات لمحة تاريخية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات لمحة تاريخية. إظهار كافة الرسائل

ثورة الريسوني


بحث وإعداد: رشيد أمديون

في ظل الأحداث التي عرفها المغرب والتي عُرفت بفترة "السيبة" وفي الوقت الذي ثار فيه الثائر "الجيلالي بوحمارة"(الذي سبق الحديث عنه في لمحة سابقة) وقام ضد السلطة المركزية المخزنية في حكم السلطان عبد العزيز، كان هناك ثائر آخر ابن مدشر "الزينات" جنوب شرق طنجة (47 كلم)، يسمى أحمد بن محمد بن عبد الله الريسوني، الذي يعرف عند مؤيديه وأتباعه بالشريف الريسوني.
تلقى علومه الأولى وحفظ القرآن بمسقط رأسه... ويصفه بعض المؤرخين، أنه كان يهجم على القبائل وأوكار اللصوص، وأن أعماله لم تكن إلا نهبا واعتداء، وآخرون، يصفونه بكون أعماله خيرة، وكان "الغرض منها تطهير المنطقة من اللصوص، وحماية المظلومين وانصاف المستجيرين"... واعتبره آخرون أحد الابطال والزعماء الثوريين الذين ثاروا ضد سياسة الحكم....
سجن خمس سنوات (1895 إلى 1900) مكنه هذا السجن من الاتصال بالمعارضين من علماء فاس ومراكش. أُخلِي سبيله سنة 1900 بعد وساطة من أبناء عمومته، ثم بعد فترة انقطع فيها إلى الدراسة والتحصيل عاد بعدها إلى حمل السلاح، بسبب المعاملة التي عاملته بها السلطة المحلية بعد عودته من السجن. كما أن "بوحمارة" كان على اتصال به، وقد عينه عاملا على قبائل الشمال الغربي...
كان الريسوني - مع عصابته - "يخطف الرجال ذوي الوجاهة واليسر ويحفظهم رهائن إلى أن يدفع أهلهم الفدية المعينة من المال". واختطف الأجانب حيث اختطف سنة 1903 مراسل جريدة التايمز اللندنية هاريس وكان من المستشارين المقربين للسلطان عبد العزيز.
وسنة 1904 اختطف القنصل الأمريكي بطنجة أيون بردكاس.
ثم اختطف سنة 1907 "ماكلين" وهو ضابط بريطاني كان مستشارا للسلطان وقائد حرسه... ولم يكن يطلق سراح من اختطفهم إلا بعد أن يحصل على فدية مالية كبيرة.
استفادت ثورة الريسوني من ضعف قوة السلطة المخزنية بسبب أنها كانت تواجه ثورة بوحمارة القوية. لهذا فقد عينه السلطان عبد العزيز بعد عجز عن القضاء عليه، عينه حاكما سنة 1904 على أحواز طنجة بعد أن اشترط عليه ذلك مقابل الافراج عن القنصل الأمريكي. وفي 1908 سارع إلى فاس لبيعة السلطان عبد الحفيظ فولاه عاملا على قبائل جبالة والهبط وغمارة، وباشا على مدينة أصيلا، ولم يتوقف توسعه في القبائل إلا بعد أن اسره محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1925.
--------
المراجع:
- ثورة بوحمارة – كريدة ابراهيم - صفحة 63
- الموسوعة الحرة

مَلَكة الحفظ لدى المغاربة


بحث وإعداد: رشيد أمديون

قد نتساءل كيف للكتب التي أُعدمت حرقاً، سواء في عصر دولة المرابطين ككتاب احياء علوم الدين للغزَّالي الذي أمر علي بن يوسف بن تاشفين بإحراقه، أو كتب الفقة المالكي التي أحرقت أيضا في العهد الموحدي... كيف عادت هذه الكتب وانتشرت في الساحة الثقافية والعلمية في زمن بعدي ليس بالطويل من تلك المرحلة، وكيف تم احياؤها من جديد وترويجها، خاصة لو علمنا أن كتاب الغزَّالي كان لبعض الفقهاء فيه رأي حين عاد ترويجه مع قيام دولة الموحدين، على اعتبار أن ابن تومرت أحد خريجي مدرسة الغزالي وناشر تعاليمها في المغرب. ونفس الأمر بالنسبة لكتب الفقه المالكي (مدوَّنة سُحْنون، وكتاب ابن يونس، ونوادر أبن أبي زيد القيرواني ومختصره، وكتاب التهذيب للبراذعي، وواضحة ابن حبيب، وغيرها...) التي أحرقها يعقوب المنصور الموحدي، حين قام بفرض المذهب الظاهري (2) بالقوة على العلماء وعامة الناس كي يجمعهم عليه(1) (كما سبق أن أشرت في لمحة سابقة)، وقد ورد أنه كان يحفظ كتاب المُحلى لابن حزم.
ويجيب العلامة عبد الله كنون عن هذا التساؤل: "أنه في ذلك العصر كان جل الاعتماد على الحفظ والاستظهار. فبعد حرق هذه الكتب لم يصعب على الناس أن يجدوا من يستظهرها بلفظها وتكتب عنه. وهذا الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن عيسى التادلي الفاسي الفقيه الحافظ المحصل المتوفي (3) سنة (623 هـ) يذكر المؤرخون في ترجمته أن المدونة كتبت من حفظه بعد أن أحرقها الموحدون أي نفس الوقت تقريبا. وما لاشك فيه أن غيره كثيرون ممن كُتبت الكتب الأخرى المحروقة من لفظهم وحفظهم"(4).
----------------
الهامش:
1- المعجب في تلخيص أخبار المغرب – عبد الواحد المراكشي – ص: 354
2- المذهب الظاهري إمامه في الأندلس والمغرب هو ابن حزم الأندلسي الذي أحيا المذهب بعد زواله في الشرق.
3- نيل الابتهاج بتطريز الديباج – أحمد بابا التنبكتي – عناية وتقديم: عبد الحميد عبد الله الهدامة، منشورات دار الكتاب - ص: 214
4- النبوغ المغربي في الأدب العربي – عبد الله كنون الجزء الأول - ص: 122

ما كان بين المجاهد العياشي والدلائيين


بحث وإعداد: رشيد أمديون
عندما رجع المجاهد العياشي* إلى سلا (1023/1614) فارا من أزمور ومن جنود السلطان زيدان الذين كانوا يريدون رأس العياشي بطلب من السلطان السعدي بمراكش، قلت لما عاد إلى سلا، بُويع كأمير جهاد، ليحارب الاسبان والبرتغال، (كما سبق أن تحدثنا في لمحة سابقة)، وصار ينتقل في حركاته الجهادية بين المعمورة (المهدية حاليا)، والعرائش، وطنجة، وسبتة ومليلية، والجديدة، إضافة إلى مجابهته لبعض القبائل التي كانت تنزع إلى الاغارة والسلب والنهب، وقطع السبل..(1)

وكانت بينه وبين "أبو بكر الدلائي" شيخ الزاوية الدلائية علاقة طيبة، وبينهما رسائل تؤكد صفاء الصداقة والمحبة، ودعما وتأييدا من شيخ الدلائيين للعياشي على جهاد الإسبان والبرتغاليين(2)، وكان يدعو له بدعاء خاص (3)، كما يقدم له الإعانات المادية، والجنود المقاتلة عند الحاجة. وبدوره العياشي كان يرسل إليه بعض التحف اعترافا بالجميل. 
لكن الأمر اختلف بعد وفاة شيخ الدلائيين أبو بكر سنة (1046/1336) وخلفه ابنه الأكبر محمد الحاج على الزاوية. ومحمد الحاج كانت لديه رغبة للتوسع، فكثر جنده وأنصاره، فقضى على خصومه ومنافسيه، ودان له وسط المغرب وغربة وشماله خاصة وقد بلغ تدهور السعديين غايته. اصطدم المجاهد العياشي بمحمد الحاج الدلائي حين حدث أن ضيَّق العياشي على الأندلسيين المورسكيين المقيمين على ضفة أبي رقراق لأنهم مالوا إلى الإسبان، واتهمهم بالخيانة فحاصرهم، وافتاه العلماء بقتالهم.. فرت طائفة منهم إلى محمد الحاج الدلائي، وشفع لهم عند العياشي لكن العياشي لم يقبل شفاعته فيهم، فغضب الدلائيون وأجمعوا على قتاله، وقامت الحرب بين الطرفين، انتصر في الأولى محمد الحاج، وفي الثانية العياشي. ثم اغتنم خصمه فرصة غيابه في بلاد الفحص لقتال الاسبان في طنجة، فحشد له جيشا شمال نهر سبو، وتأهب لعودته من الجهاد... ولما رأى العياشي أنه لا قبل له به، جنح إلى السلم والمهادنة، لكن المجاهدين الذين كانوا معه رفضوا الاستسلام.. ووقعت المعركة في ضواحي سوق الأربعاء الغرب أواخر 1050/1641، هُزم العياشي وفر لاجئا إلى قبيلة الخلط (بين سوق الأربعاء الغرب وعرباوة)، لكن هذه القبيلة كان أكثرها قد انحرف عن بيعته، فاغتالوه بعد أيام من مكوثه عندهم، وبعثوا برأسه إلى خصومه. (4)

------------------------
الهامش:
* رابط اللمحة السابقة عن المجاهد العياشي:
http://hams-rroh.blogspot.com/2018/03/blog-post.html
1- الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي – محمد حجي - ص: 155
2- الرسائل التي كانت بينهما: أنظر نفس المرجع السابق ص: 158 و159
3- تجد نص الدعاء في الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى- الناصري - الجزء السادس - ص: 91
4- الزاوية الدلائية ص: 170 – الاستقصا ص

أبو حسون السملالي والعلويون


بحث وإعداد: رشيد أمديون
في أواخر انهيار الدولة السعدية، وبدايات تكون الدولة العلوية - التي لازال حكمها إلى يومنا هذا- إبان تلك الفترة عرف المغرب إمارات مستقلة مثل إمارة العياشي في سلا (وقد سبق أن تحدثنا عن المجاهد العياشي في لمحة سابقة) وإمارة محمد الحاج الدلائي صاحب الزاوية الدلائية، وإمارة أبي حسون السملالي على سوس. ويعتبر هذا الأخير "أبو حسون السملالي" أو (كما يعرف أيضا ببو دمعة) حفيد القطب الصوفي المعروف "سيدي أحمد بن موسى" (أو سيدي حماد أو موسى) دفين تزروالت. وهو ثالث أمراء الأسرة الجزولية بتزروالت، أسس إليغ (بإقلم تيزنيت)، فكانت عاصمة لإمارة السملاليين (1021-1031).
وقد ظهر هذا الأمير في الساحة السياسية المغربية عندما آزرته قبائل جزولة التي ينتمي إليها، ونظرا للظروف المزرية التي كان يمر بها المغرب وقتئذ من ثورات كثيرة خاصة ثورة الفقيه ابن أبي محلي بمراكش، إضافة إلى الصراع الذي كان بين السلطان زيدان بن المنصور السعدي، وأخيه محمد المامون الملقب بالشيخ، حيث كانت هناك مملكتان سعديتان واحدة في مراكش وأخرى في فاس، إضافة إلى ما أقدم عليه محمد الشيخ من عمل أغضب كل العناصر الوطنية، حيث قام بتخليه وتنازله عن العرائش للملك الاسباني مقابل إنجاده بالسلاح والرجال لاسترجاع فاس لما حاول زيدان أن يحتلها.. ولهذا وذاك وبحسب ما أورده الناصري في الاستقصا فقد "ضعف أمر السلطان زيدان بالصقيع السوسي وفشل ريحه فيه"(1).. ثم صارت بعد ذلك درعة وسجلماسة تحت نفوذ السملاليين سنة 1630-1631م، فصار أمير الجنوب المغربي كله.. (2)
وبهذا "كان إقليم سوس والصحراء الغربية ومنطقة درعة كلها تابعة له، وكانت حكومته تراقب الممر التجاري المتجه من درعة وتارودانت نحو إفريقيا الغربية، وبهذا يجعل جزءا هاما من موارد التجارة الداخلية تحت رحمة أبي حسون" (3)
ويحكي التاريخ أن أبا حسون بعد استولائه على سجلماسة قام باعتقال "الشريف بن علي" ووضعه في السجن، لأسباب اختلف حولها المؤرخون... وبعث إليه محمد بن أبي بكر الدلائي شيخ الزاوية الدلائية (التي بدورها كان لها نوفذها ودورها السياسي والعلمي)، برسالة يحضه فيها على حسن معاملة الشريف بن علي، مذكرا إياه بنسبه الشريف وقرابته من النبي، وطالبه بأن يخلي سبيله. ورد على رسالته قائلا: «وأما ما قلت من أن نترك سجلماسة للشريف المذكور كغيرها من البلاد التي بأيدي غيره، فلا أتركها، لأنهم رضوا بي وبايعوني ورضوا به وبايعوه فإن بعضهم معي وبعضهم معه، كأهل العراق مع الحسين بن علي الذين خرجوا على يزيد بن معاوية. فانظر ما فعل بهم وبه. وأنا لم أفعل به ولا بهم شيئا من ذلك»(4) 
أطلق أبو حسون سراح الشريف العلوي بعد ذلك. ولما جمع محمد بن الشريف العلوي دعم العرب الرحل عاد لمواجهة أبي حسون، وأخرجه من سجلماسة، ثم بعد ذلك وفي ولاية السلطان الرشيد شن حملة على إمارة السملاليين وهدم إيليغ التي كانت عاصمة السملاليين، واستولى على تارودانت، وبذلك ضم بلاد سوس إلى الدولة العلوية. وقد أشار العلامة المختار السوسي إلى هذا حيث قال: "ثم علمت أيضا أن الملك مولاي الرشيد مر بإلْغ سنة 1081 هـ، بعد تخريبه لاليغ".(5)

                              ________________________________________________

المصادر:


1- الناصري: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، الجزء: 6، ص: 79.
2- محمد حجي: الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، ص: 148
3- إبراهيم حركات: المغرب عبر التاريخ، دار الرشاد الحديثة، ج: 3- ص: 14
4- محمد حجي: الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، ص 151
5- المختار السوسي: المعسول، ج:1 - ص: 27
* مصدر الصورة المرافقة: موقع هسبريس

عنصرية وتعسف ولاة الأمويين بالمغرب


بحث وإعداد: رشيد أمديون

«إنا لم نخلع يدا من طاعة، ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضى به الله ورسوله. فقتلناه وأعدنا عاملك» (1) 
كان هذا ما كتبه المغاربة الأمازيغ إلى الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك، حين ثاروا ضد عامله في المغرب والأندلس يزيد بن أبي مسلم الذي يعتبر أحد مظاهر العنصرية الأموية بالمغرب، حيث كان يسئ إلى الأمازيغ وسار معهم كمار سار الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق مع أهله، ففرض جزية على جميع من أسلم من الأمازيغ، وأمر بإعادتهم إلى قراهم ليعيشوا فيها كما كانوا قبل الإسلام. فثاروا عليه وقتلوه، وولوا مكانه عليهم محمد بن يزيد. فما كان من الخليفة يزيد الأموي إلا أن وافقهم على العامل الجديد.

ومن مظاهر عنصرية ولاه الأمويين أيضا، هو عمر بن عبيد الله عاهل طنجة حيث كان يسوم الأمازيغ سوء العذاب "ويريد أن يخمس من أسلم منهم، فكانت النتيجة أن ثاروا عليه بدافع إبائهم الضيم المشهور فيهم"(2) 
و في خلافة هشام بن عبد الملك، ثاروا على عاملهم العربي عبيد الله بن الحباب (122 هـ) بزعامة قائدهم مسيرة المضغري، لذات السبب، ولا غرابة أن مذهب الخوارج الصفرية الذي تفشى في تلك الفترة في المغرب راجع إلى روح التمرد والمقاومة فيهم ضد العرب، والعمل على الخروج عن طاعتهم إذ أن هذا المذهب لا يشترط في الأمير أن يكون أبيض أو أسود أو عربيا أو أمازيغيا أو قريشيا. 
لكن "ميسرة المضغري" أساء معاملتهم بدوره فقتلوه، وولوا عليهم خالد بن حميد الزناتي(3) قاد معركة سميت في المصارد التاريخية العربية بمعركة "الأشراف" التي غُلب فيها العرب الأمويون. ثم عاود هشام إرسال الجيوش للثأر فوقعت معركة "بقدورة" التي انهزم فيها الأمويون للمرة الثانية، وبهذا دخل المغرب عهد استقلاله عن تبعيته لحكم الدولة الأموية.
------------------------------------------
- المصادر:
1- الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى – الناصري- ج:1- 159 /المفيد في تاريخ المغرب – محمد الأمين محمد/محمد علي الرحماني- ص:55
2- الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى – الناصري- ج:1- ص: 162 والمفيد في تاريخ المغرب، ص: 55
3- المفيد.. ص: 56
- المراجع: 
لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين – محمد شفيق
مصدر الصورة المرافقة: رصيف 22

أحد أعلام العلم والتصوف بإداوكنيضيف


بحث وإعداد: رشيد أمديون

في لمحة تاريخية سابقة، كنتُ تحدث عن شخصية مغربية من أبناء القطر السوسي تلك الشخصية التي ساهمت في تأسيس دولة المرابطين، وهو العلامة "وجاج بن زلو اللمطي" مؤسس أول مدرسة علمية بـ"أكلو" بسوس في القرن الخامس الهجري، وكانت تسمى بالرباط(1)، وهو شيخ عبد الله بن ياسين، فقيه المرابطين.(2) 
ويتصل نسب وجاج بالأدارسة (إدريس الأول) أي أنه من أحفاد الحسن بن علي بن أبي طالب. والأسرة العلمية الوجاجية (نسبة إلى وجاج) يوجد وأبناؤها "متفرقين في قبائل من نواحي سوس مثل إداجنيضيف، وفي غيرها كآسفي، حيث بنو مسعود أفلوس الوجاجي، وآل أسكار وأهل تادارت بهشتوكة."(3)


وفي هذه اللمحة سأذكر بشكل مقتضب أحد أحفاد أسرة وجاج وأحد المنتسبين إلى الأسرة الوجاجية، وهو الشيخ مسعود بن علي بن إبراهيم الوجاجي، المعروف بمولاي مسعود دفين قبيلة إداكنيضيف بإقليم شتوكة أيت باها. يقول عنه المختار السوسي في المعسول:" هذا الشيخ كبير من رجالات (جزولة) في القرن الحادي عشر (الهجري)... دفين سفح جبل (لكست) ببلد هنظيفة –إيداكنيضيف- كان رضي الله عنه رجلا صالحا عابدا ناسكا فاضلا .." وترك لأهله هالة واسعة من الاحترام 

ومازال الناس بإداوكنضيف (أو إداكنيضيف) ونواحيه يقدرون هذه الأسرة العلمية التي صارت مع مر الزمن تلقب بإفولوسن (الديكة).

تولى الشيخ مسعود أفلوس تعليم الطلبة وإرشاد الناس وإمامتهم، وأسس مدرسة لتخريج الفقهاء، ولعله توفي بعد 1052 للهجرة، وهذا ما جاء في المعسول.
وترجم المختار السوسي للعديد من أبناء هذا الشيخ، في أجزاء المعسول. وقال عنهم "مما يدل على أن هذه الشجرة المسعودية الزكية الطيبة كثيرة الثمار وريفة الظلال، فمن يتخلل تراجم أهلها يكون كمن يتخلل روضا أريضا تتدفق أنهاره، وتعبق خمائله، وتتهادى حوره وولدانه.."(4)

------------------
الهامش:
1- مدارس سوس العتيقة نظامهما- أساتذتها – محمد المختار السوسي، هيأه للطبع ونشره: عبد الوافي المختار السوسي - ص: 50 وكتاب سوس العالمة – ص:17
2- أنظر لمحة: وجاج بن زلو اللمطي
3- سوس العالمة – محمد المختار السوسي – ص: 126
4- المعسول ج:13/ ص:132

وجَّاجْ بن زَلُّو اللَّمْطِي


بحث وإعداد: رشيد أمديون

لمَّا عاد زعيم قبيلة جدالة الصنهاجي، الأمير يحيى بن ابراهيم الجدالي (الكدالي) من حجه اتصل في إفريقية (تونس الحالية) بالشيخ المالكي أبي عمران الفاسي الذي كان استقر بالقيروان بعدما هجر من فاس لمضايقات سياسية، لزمه يحيى بن ابراهيم فترة واستفاد من علمه، ثم طلب منه أن يبعث معه طالبا من طلابه إلى جنوب الصحراء ليفقه قومه بجدالة ويصلح دينهم، قال: «إنهم قوم غلب عليهم الجهل وليس لهم كبير علم»(1) لأنهم كانوا منقطعين عن العلم لا يصلهم شيء منه ولا يصل إليهم إلا بعض التجار الجهال...، ثم لما نظر أبو عمران الفاسي أن لا أحد يصلح من بين طلبته لتلك المهمة - لقسوة البيئة والظروف الطبيعية هناك- أرشده إلى أحد الفقهاء من طلابه بأقصى سوس بالمغرب اسمه "وجَّاجْ بن زَلُّو اللَّمْطِي" ، وكتب إليه كتابا يخبره بالأمر ويحثه على أن يبعث أحدا من طلبته ممن يثق في علمه مع حامل الرسالة. انتدب وجاج بن زلُّو له طالبا من طلبته الذين كان يدرسهم بمدرسته برباط "أكلو"، كان اسمه عبد الله بن ياسين التامانارتي، واضع الأسس الأولى لدولة المرابطين بمعية يحيى بن إبراهيم الجدالي. هذه الدولة التي استطاعت أن توحد المغرب بل والأندلس بعد ذلك بقيادة أميرها يوسف بن تاشفين.
كان وجاج بن زلُّو قد رحل إلى فاس والقيروان فأخذ عن أبي عمران الفاسي وعن أبي زيد القيرواني، ثم علماء قرطبة، ثم عاد إلى السوس فبنى دارا سماها دار المرابطين، لطلبة العلم وقراءة القرآن و"الذي عرف به وجاج في التاريخ أنه أكبر عالم نحرير وفقيه ورع كما وصفه شيخه أبو عمران.. وإن مدرسته في تلك البادية أول مدرسة، تم تتابعت المدارس هناك حتى وصلت زهاء مائتين على ممر القرون"(2) 
ويعتبر وجاج بن زلو من أئمة العلم والصلاح ومن رجالات التصوف بالمغرب، رغم أنه لم يصلنا شيء من تآليفه إن كان له تآليف، والغالب أن أهل العلم بالمغرب كانوا مقلون في التأليف والكتابة ومنهم من لم يؤلف أبدا لكنهم اشتغلوا بالتدريس وتعليم العلم وتربية الطلبة والذي يشهد بذلك هو مدرسته وزاويته التي مازالت إلى يومنا هذا تؤدي دورها العلمي والتربوي كما أنها تعتبر أم المدارس العتيقة بسوس، كما أشار إلى ذلك المختار السوسي. وقد ترجم له التادلي في كتابه التشوف، ودفن وجاج بأكلو بساحل سوس الأقصى (إقليم تيزنيت)(3)

--------------------------------------------
الهامش:

- وجَّاج وتنطق في المغرب وكاك (wagag)، وفي هامش، شرح الدكتور أحمد التوفيق معناها في تحقيقه لكتاب التشوف، وقال: أكاك... معناها في لسان صنهاجة والتوارك: الشخص الملم بالقرآن ومبادئ الدين، فيكون وجاج هو ابن الطالب.

* مراجع: 
- التشوف إلى رجال التصوف – التادلي – ص:89
- الأنيس المطرب بروض القرطاس – إبن أبي زرع – ص: 77
* المصادر:
1- الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى – الناصري – ج:2 – ص:6
2- المعسول – المختار السوس – ج:11 ص: 39
3- نفس المصدر – ص: 3
* الصورة المرافقة من موقع هسبريس

المجاهد العياشي



في أواخر عقد الدولة السعدية ظهر شخص يسمى مَحَمّد بن أحمد المالكي الزياني العياشي المشهور في الثقافة الشعبية وفي كتب التاريخ بالمجاهد العياشي (القرن 17 م) ويعود أصله بحسب الأستاذ محمد حجي إلى قبيلة بني مالك بن زغبة من العرب الهلالية المستوطنة ببلاد الغرب، وفصيلته القربى هم "بنو زيان" القاطنون اليوم بأحد ولاد جلول بجماعة بنمنصور اقليم القنيطرة. وقد أخذ العلم والتصوف عن شيخه عبد الله بن حسون المتوفي بسلا.

هذا المجاهد كان يرابط ببلاد دكالة لقتال البرتغاليين بالجديدة وكان المغرب وقتها يعرف اضطرابات سياسية متتالية بسبب ضعف الدولة السعدية وذلك راجع إلى صراع أبناء المنصور الذهبي على السلطة حيث أن المغرب وقتها انقسم إلى إمارتين: فاس التي تدين بالطاعة لمحمد الشيخ المأمون، ومراكش التي حكمها زيدان السعدي، فاستغل الإسبان والبرتغاليون ذلك الضعف ووتلك الفوضى التي عمت ليستولوا على شواطئ المغرب.
تضايق البرتغاليون من حركات العياشي ومرابطته الدائمة حول المنطقة التي يحتلونها، فلجأوا إلى الخديعة بشراء ضمائر حاشية السلطان زيدان السعدي بهدايا ثمينة.
بعث السلطان زيدان سرية قوية للقبض على العياشي وقتله وكان حينها بأزمور التي كان قد عينه عاملا عليها، لكن قائد السرية محمد السنوسي بعث إلى العياشي خفية أن ينجو بنفسه، فأفسح له المجال للخروج، فعاد إلى سلا ليجد أن الإسبان احتلوا ثغر المعمورة (المهدية بالقنيطرة حاليا) وعاثوا في ضواحيها فسادا، فقدَّم السلاويون عليهم المجاهد العياشي أميرا للجهاد وبايعوه بوثيقة من تمسنا إلى تازا ووافق عليها الفقهاء والقضاة وهذا بعدما علموا أن السلطان زيدان قدَّم سلا للنصارى مقابل هدية عظيمة كما فعل أخوه محمد الشيخ من قبل حين سلم العرائش للملك الإسباني فيليب الثالث مقابل أن يمده بيد العون لمحاربة أخوه السلطان زيدان عندما أوشك على القبض عليه.


المراجع:
الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى. للناصري. الجزء السادس. ص84
الزاوية الدلائية ودروها الديني والعلمي والسياسي. لمحمد حجي أستاذ بكلية الآداب بالرباط. ص: 154

(لمتباعة كل اللمحات التاريخية السابقة اضغط هنا #لمحة_تاريخية_رشيد )

صلاح الدين الأيوبي ويعقوب المنصور الموحدي


سنتحدث في هذه اللمحة عن ما كان بين صلاح الدين الأيوبي سلطان الدولة الأيوبية وملك الموحدين يعقوب المنصور.

ذكر المؤرخون أن أول من تَسمَّى بلقب "أمير المؤمنين" بالمغرب هم حكام الدولة الموحدية، ذلك أن أول خلفائهم عبد المومن الكومي كان أول من أطلق هذا اللقب على نفسه رغم أن يوسف بن تاشفين المرابطي من قبله رفض هذا اللقب حين عرض عليه واختار أن يلقب بأمير المسلمين، وتحجج بأن أمير المؤمنين هناك في المشرق، أي خليفة الدولة العباسية. وسنعود للحديث عن هذا اللقب لاحقا.
في حكم يعقوب بن يوسف الموحدي المعروف بالمنصور الموحدي وهو ثالث خلفاء الموحدين وهو من لم يمهله الموت ليكمل بناء مسجد حسان بالرباط وظلت صومعة حسان على شكلها الحالي إلى يومنا هذا. هزم ألفونسو الثامن ملك قشتالة في أحد أكبر المعارك التي عرفها تاريخ المغرب بعد معركة الزلاقة (يوسف بن تاشفين)، وهي معركة الأرك (1195) وبها اتخذ لنفسه لقب "المنصور بالله".
عاصر يعقوب المنصور السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي فتح بيت المقدس سنة 583 هجرية، فتتابعت أساطيل النصارى من كل جهة لمحاربته باسم الحرب المقدسة أو ما سمي عند المسلمين بالحروب الصليبية، ولضعف أساطيل الدولة الأيوبية وقتها لم تقاومهم أساطيل الإسكندرية فاضطر صلاح الدين الايوبي أن يرسل إلى يعقوب المنصور طلب العون وهو الذي كان يملك أسطولا بحريا قويا فبعث إليه مبعوثا هو عبد الرحمان بن منقذ مع هدايا كثيرة (ذكرها الناصري في الاستقصا، ) ومصحفان.
وكانت الرسالة التي بعث بها صلاح الدين الأيوبي من إنشاء الأديب عبد الرحيم البنسني المعروف بالقاضي الفاضل، وعنوانها: "من صلاح الدين إلى أمير المسلمين"، وهي رسالة طويلة افتتحها بقوله: "الفقير إلى الله تعالى يوسف بن أيوب.."
أكرم المنصور وفادة المبعوث الذي حمل إليه الرسالة لكنه لم يستجب لطلب صلاح الدين، لسبب قد يكون بعض المؤرخين اتفقوا عليه وهو أن صلاح الدين لم يخاطب المنصور بأمير المؤمنين، غير أن البعض الآخر يرى أنه ليس بالسبب المقنع، بل هناك ما أشغل المنصور عن إرسال أسطوله لنجدة صلاح الدين، فإبن غانية وقتها ظهر بإفريقية (تونس حاليا)، فنهض إليه المنصور، لكنه فر إلى الصحراء بحسب ما ذكره الناصري. وحيث –أيضا- أن المنصور كان مشغولا بحرب النصارى الذين استولوا على قسم كبير من مملكة البرتغال الحالية، أي أنه كان بدوره يحارب المد الصليبي وأن أسطوله كان موزعا على عدة ثغور دفاعا لكل هجوم منتظر. 

المراجع:
- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى – الناصري- دار الكتاب. الجزء 2. صفحة 181 و183
- المغرب عبر التاريخ – إبراهيم حركات- دار الرشاد الحديثة. الجزء الأول. ص:275 و276
- الموسوعة الإلكترونية (المعرفة).

(لمتباعة كل اللمحات التاريخية السابقة اضغط هنا #لمحة_تاريخية_رشيد

يعقوب المنصور والمالكية


(من سلسلة لمحات تاريخية التي نشرتها على صفحتي بالفيسبوك في شهر رمضان)

لما جاء يعقوب المنصور إلى خلافة دولة الموحدين، حملَ الفقهاءَ والعلماءَ على المذهب الظاهري ومنع العمل بالمذهب المالكي الذي كانت تعتمده دولة المرابطين قبلهم - بل وبنيت عليه - لأن الفقيه المالكي عبد الله بن ياسين هو أول من أرسى دعائم دولة المرابطين بقيادة يحيى بن ابراهيم الجدالي وقد سبق أن تحدثت عن ذلك في لمحة سابقة... 

أمر المنصور الموحدي ولاته في كل من المغرب والأندلس بجمع أمهات كتب فقه المالكية وإحراقها بعد تجريدها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وكما ذكر عبد الواحد المراكشي الذي عاصر هذه الفترة حيث "كان قصده في الجملة محو مذهب مالك وإزالته من المغرب مرة واحدة، وحمل الناس على الظاهر من القرآن والحديث، وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده (يقصد أبو يعقوب يوسف وعبد المومن الكومي) وإلا أنهما لم يظهراه وأظهره يعقوب هذا"(1) وأمر كل الفقهاء بالعمل بظاهر الكتاب والحديث وأن لا يدرّسوا شيئا من فقه المالكية.
لكن على ما يبدو أن فقه المالكية لم يمت ولم يفارق وجدان فقهاء المغرب، فقد عاد العمل به بعد ذلك، رغم أن المنع كان بسلطة السيف.
عاصر هذه الحقبة الشيخ الفقيه الصوفي أبو مدين شعيب بن الحسن المشهور بسيدي بومدين، المدفون بتلمسان، وقد توفي وهو في طريقه إلى الخليفة المنصور الذي أرسل إليه ليَنظر في أمره بسبب وشاية بعض الفقهاء... وأيضا القاضي والطبيب والفيلسوف أبو الوليد ابن رشد الذي أحرقت كتبه في هذه الفترة، والصوفي محيي الدين بن عربي...

__________________________________
(1) المعجب في تلخيص أخبار المغرب تأليف عبد الواحد المراكشي. تحقيق محمد سعيد العريان. ص:354/356

عقبة بن نافع وكسيلة

(من سلسلة لمحات تاريخية التي نشرتها على صفحتي بالفيسبوك في شهر رمضان)

أبو مهاجر دينار، كان قد ولاه مسلمة بن مخلد الأنصاري في خلافة معاوية بن أبي سفيان على إفريقية(تونس)، فأساء (أبو مهاجر) بعزل عقبة واستخفَّ به لشيء كان بينهما - كما يذكر ذلك الناصري في الاستقصا- ثم توغل أبو مهاجر في ديار المغرب حتى وصل إلى تلمسان بعد أن هزم جيش الزعيم الأمازيغي كسيلة الأوربي من المغرب الأقصى وأظهر كسيلة الإسلام هو وكثير من قومه، واستبقاه أبو مهاجر واستخلصه. 
لما وصل عقبة بن نافع إلى المشرق شكا إلى معاوية معاملة أبي مهاجر له، فوعده بإعادته... 
ثم ولاه بعد ذلك يزيد بن معاوية على المغرب سنة 62 هـ، وبهذا وجدها عقبةُ فرصة للنَّيل من أبي مهاجر، فاعتقله وحمله معه موثقا بالحديد، وخرب مدينته وعمَّر القيروان، وتوغل في المغرب الأقصى، إلى أن وصل إلى البحر المحيط. 
كره عقبة كسيلة لصحبته أبا مهاجر، فكان يحتقره أمام قومه، وقد نهاه أبو مهاجر (المقيد) عن ذلك ولكن لم يحفل به. ولما بعث عقبة معظم جيشه إلى القيروان واحتفظ بالقليل معه، وجدها كسيلة فرصة فصار هو وقومه يتعقبونه، حتى بلغوا منطقة تسمى الزاب (بالجزائر حاليا) فقضى على جيش عقبة الصغير وقتله. ولتبدأ بذلك مرحلة أخرى صعبة في مواجهة ثورة كسيلة التي كان مرجعها إلى سوء معاملة عقبة بن نافع الفهري رحمه الله.


المراجع:
المغرب عبر التاريخ – ابراهيم حركات- دار الرشاد الحديثة- ج:1 صفحة 77/78
الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى – الناصري – دار الكتاب - ج:1 صفحة:136/137

ديهيا

(من سلسلة لمحات تاريخية التي نشرتها على صفحتي بالفيسبوك في شهر رمضان)
.
كان للملكة الأمازيغية "ديهيا" (585 م - 712 م) أو كما أطلق عليها العرب "الكاهنة" أولاد بالتبني من بينهم ولد عربي اسمه خالد بن يزيد القيسي والذي أسرته لما هزمت جيوش القائد حسان بن النعمان بواد مسكيانة (بالجزائر حاليا) وأبعدتهم عن معظم أراضيها إلى أن أخرجتهم من منطقة تونس (الحالية).وورد في كتاب الروض المعطار (ص 66) أن ديهيا قالت لأبنائها حين تيقنت أنها مهزومة: "إني مقتولة وإن رأسي موضوعا بين يدي ملك العرب الذي بعث إلينا بهذا الرجل (تقصد حسان بن النعمان)، فقال لها خالد بن يزيد وولداها: فإذا كان الأمر هكذا عندك فارحلي وخلي البلاد، قالت: وكيف أفر وأنا ملكة والملوك لا تفر من الموت فأقلِّد قومي عارا إلى آخر الدهر، قالوا لها: أفلا تخافين على قومك؟ قالت: إذا مت فلا أبقى الله منهم أحدا في الدنيا، قال لها خالد بن يزيد وولداها: فما نحن صانعون؟ فقالت: أما أنت يا خالد بن يزيد فستنال ملكا عظيما عند الملك الأعظم وأما أولادي فسيدركون بإفريقية ملكا عظيما مع الملك الذي يقتلني، ثم قالت لهم: اركبوا فاستأمنوا إليه فركب خالد بن يزيد وولداها بالليل إلى حسان بن النعمان..." 

ويذكر ابن خلدون أنه كان للكاهنة ابنان لحقا بحسان وحسن إسلامهما واستقامت طاعتهما، وعقد لهما على قومهما "جراوة" بجبال الأوراس (بالجزائر). 

وكانت الكاهنة "ملكة جميع من بإقريقية من الروم منها خائفون وجميع البربر لها مطيعون" كما أنها حكمت شمال إفريقيا لمدة 35 سنة وكانت عاصمة مملكتها "خنشلة" بالأوراس.



المراجع:
- الروض المعطار في خبر الأقطار- محمد بن عبد المنعم الحميري- مكتبة لبنان- تحقيق إحسان عباس.
- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب - ابن عذاري المراكشي.
- ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر - عبد الرحمان بن خلدون - دار الفكر للطباعة والنشر.

محنة القاضي عياض السبتي


(من سلسلة لمحات تاريخية التي نشرتها على صفحتي بالفيسبوك في شهر رمضان)

القاضي أبو الفضل عياض السبتي (1083م – 1149م)، أحد فقهاء المغرب وأحد رجالات مراكش السبعة المعروفين. وقف هذا الرجل في وجه الموحدين حين رأى أنهم أكثروا القتل في المسلمين من أجل توحيد المغرب تحت رايتهم بعدما قضوا على المرابطين وسقطت في يديهم عاصمة الدولة المرابطية مراكش. وكان قد أمر عبد المومن الكومي (أول حكام الموحدين) القاضي عياضَ بأن يؤلف كتابا يقرُّ فيه ويعترف بدعوة ابن تومرت الذي ادعى أنه المهدي المنتظر وأنه الإمام المعصوم، وسمى أتباعه الموحدين، كما ادعى أن عقيدة المرابطين فاسدة وأنه يحق قتالهم، فأرغم الموحدون الناسَ على بيعتهم، حتى قضوا على دولة المرابطين. 

رفض القاضي عياض الاعتراف بمهدوية محمد بن تومرت وبعصمته ، وأعلن أنه لا عصمة له وأنه مدع دجال، فقتل بالرماح وقطع جسده إربا، وجمعت أشلاؤه ودفن بمكان غير معروف بمراكش دون أن يغسل ولا أن يصلى عليه، وجعلوا تلك المنطقة التي دفن فيها للنصارى حتى عثر على قبره في عهد الدولة المرينية التي جاءت بعد ذلك وقامت على سقوط الموحدين.

رشيد أمديون

بوحمارة أقوى ثائر في القرن العشرين



مابين 1902 و1909 عرف تاريخ المغرب المعاصر أكبر ثورة وأشدها مراسا، حيث أن الجيلاني الزرهوني الذي كان يدعى "بوحمارة" ادعى أنه محمد بن السلطان الحسن الأول ووثق به كثير من الناس فصدقوه لإظهاره الصلاح والتدين وما كان يزعمه من الرغبة في تحرير البلاد من الأطماع الإستعمارية ومن يد السلطان ومن معه من الذين يخدمون مصالح النصارى... وكان المغرب وقتها يمر بظروف سياسية واقتصادية عصيبة خاصة بعد وفاة الصدر الأعظم با أحمد الذي كانت السلطة في يده بعد وفاة السلطان الحسن الأول لكون السلطان عبد العزيز وقتئذ لم يتجاوز عمره الثالثة عشر.. 

وكان الجيلاني الزرهوني يجوب القرى والقبائل على أثان (حمارة) فيدعو الناس، وكان ذكيا طليق اللسان وأفاده ما حصَّله من الفقه والعلم وبعض ما أتقنه من السحر في استمالة الناس، وأيضا ما كان يتوفر لديه من آلات حديثة كالفونوغراف والأسطونات التي غالبا لم يكن للعامة علم بها، مما أوهمهم أنها أشياء خارقة للعادة... (كما كان ملما بالسياسة بحكم أنه كان كاتبا في قصر السلطان قبل أن يدخل السجن بسبب تزويره..). وبعدها عقد اتفاقيات مع فرنسا واسبانيا (1907) حتى تستغل المناجم التي كانت توجد في المناطق التي بسط عليها نفوذه مقابل المال.
استطاع بوحمارة أن يكَوِّن قوة مجابهة لقوة السلطان المخزني في ظرف سنة واحدة إذ أن في 1902 أَلحق بجيش المخزن هزيمة فخرج بوحمارة من المعركة منتصرا بمساعدة قبائل الحياينة. ورغم ما حققه بوحمارة من انتصارات لم يسر نحو العاصمة فاس حيث السلطة المركزية وقتها، بل توجه نحو شمال شرق المغرب، ودام القتال بين الجانبين سبع سنوات، إلى سنة 1909 بعد تولي السلطان عبد الحفيظ الحكم سنة 1908، وبعد طلب مساعدة من فرنسا للقضاء على الثورات هزم بوحمارة وفرّ هاربا إلى مسجد بالزاوية الدرقاوية ولم يتمكنوا من القبض عليه إلا بعد احراق المسجد، ووضع في قفص ربط على ظهر جمل وحملوه إلى فاس. وبعدها بنيت دكانة مرتفعة ووضع عليها القفص، ثم يدخل إليها بوحمارة ليتفرج عليه الناس...
وأعدم رميا بالرصاص وأحرقت جثته، كما أورد ذلك الأستاذ إبراهيم كريدة في كتابه "ثورة بوحمارة" نقلا عن محمد المختار السوسي، كما قيل أيضا أن جثثه رميت للسباع فافترستها.

أطماع الأمويين، ونبي البرغواطيين



رشيد أمديون

بلغت أطماع الأمويين أن ضيقوا على القبائل الأمازيغية بالمغرب عن طريق وُلاتهم، وكان هذا تحديدا في عهد هشام بن عبد الملك والذي كتب يوما إلى عامله على إفريقيا فقال: "أما بعد، فإن أمير المؤمنين لما رأى ما كان يبعث به موسى بن نصير إلى عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى، أراد مثله منك وعندك من الجواري البربريات الماليات للأعين الآخذات للقلوب، ما هو معوز لنا بالشام وما ولاه. فتلطف في الانتقاء، وتوخ أنيق الجمال، وعظم الاكفال، وسعة الصدور، ولين الأجساد، ورقة الأنامل، وسبوطة العصب، وجدالة الاسوق، وجثول الفروع، ونجالة الأعين، وسهولة الخدود، وصغر الأفواه، وحسن الثغور، وشطاط الأجسام، واعتدال القوام، ورخام الكلام.."(1)
ثم ذهب وفد من الأمازيغ بالشكوى إلى مقر الخلافة الأموية لمقابلة الخليفة هشام بن عبد الملك فانتظروا هناك بدون أن يأبه لهم الخليفة، وعادوا حانقين..، فكانت مثل هذه الأسباب وغيرها -كما يقول المؤرخون- هي التي دفعت إلى ظهور الخوارج الصفريين بزعامة ميسرة المطغري وخالد بن حميد الزناتي الذي ألحق الهزيمة بالأمويين في "معركة الأشراف" و"معركة بوكدورة"(2).. وكذا طريف المطغري الذي أسس الدولة البرغواطية في المنطقة التي كانت تسمى تامسنا والتي تقع بين سلا أزمور وآسفي، ثم بعد ذلك خلفه ولده صالح بن طريف (744م) الذي ادعى النبوة (وكان منجما) وابتدع دينا جديدا للبرغوطيين كشكل من أشكال الإستقلال السياسي والديني..، فزعم أن قرءانا أنزل عليه باللسان الأمازيغي يقرأونه في صلواتهم التي بلغت العشر مبتدئين بقولهم: "مقر ياكوش" أي الله أكبر، وصلاة الجمعة عندهم يوم الخميس، وكانت لهم تعاليم أخرى كثيرة... وسمى هذا المدعي نفسه "صالح المؤمنين" وزعم أن القرآن الكريم بشر به وذكر اسمه في سورة التحريم:( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِير)(3). لكن دينهم بدأ انتشاره والاجهار به تحديدا مع حفيده يونس بن إلياس بن صالح الذي فرضه بالقوة والعنف والقتل... فدامت دولة البرغواطيين أكثر من ثلاثة قرون حيث ظهرت قبل بيعة إدريس الأول بنصف قرن، ولم تستطع الدول التي قامت في المغرب القضاء عليها كدولة الأدارسة والفاطميين والزناتيين..، إلى أن ظهر المرابطون الذين حاولوا توحيد المغرب سياسيا ودينيا، وقد استشهد الفقيه عبد الله بن ياسين في جهاده ضدهم في مسيرة الإصلاح ونشر الإسلام في المغرب تحت راية الدعوة المرابطية. لكن رغم ما أبلاه المرابطون في قتالهم للبرغواطيين فقد بقيت منهم باقية قضى عليها الموحدون بعد ذلك.

الهامش:

1- رسالة هشام بن عبد الملك أنظر كتاب: الدولة الأغلبية التاريخ السياسي 909 -800م – محمد الطالبي ص:40– دار الغرب الإسلامي
2- أنظر كتاب لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين - ذ.محمد شفيق
3- أنظر كتاب البرغواطيون في المغرب - د محمد الطالبي/ د إبراهيم العبدي


الرجراجيون السبعة




رشيد أمديون


قيلَ أنَّ سبعةَ رجال من المغاربة من قبيلة الشياظمة، وفدوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، ودخلوا مكة وهم ينشدون "فاستجابت لهم شعاب الوادي بالأصداء، فقال أهل مكة ما هذه الرَّجْرجة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: هؤلاء الرجراجيون جاءوا مسلمين، ومن هناك اتصل بهم هذا الإسم"، فسموا رجراجة أو ركراكة (Ragraga). وخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمازيغية (وتلك من معجزاته)، فأعلنوا الإسلام بين يديه، ثم حملوا دعوته إلى المغرب فكان لهم فضيلة السبق إلى الإسلام والدعوة إليه في بلاد المغرب قبل دخول عقبة بن نافع فاتحا. وهؤلاء السبعة هم: سيدي واسمين- سيدي عيسى بو خابية وشقيقه سيدي اسعيد الملقب بالسابق أو(يبقى) - سيدي عبد الله أدناس - سيدي بوبكر أشماس وإبنه سيدي صالح - سيدي يعلى بن واطل بن مصلين والد سيدي شاكر أو شيكر، الذي قيل أنه صَحب عقبة ابن نافع الفهري كما جاء في كتاب رباط شاكر للمؤرخ محمد السعيدي.
ونظم الفقيه ابن عبد الكبير الشاوي (ابن حريرة) أبياتا فقال:
زيارة اهل الله من أعظم الدخر= وكنز الفلاح في القيامة والحشر
وقوم بأقصى المغرب سبع أجلة = لهم رتب عليا على أهل ذا القطر
بصحبة خير الخلف خصوا وقدموا = بمغربنا طرا على كل ذي قدر
وقد ذكر هذه القصة كثيرٌ من المؤرخين منهم: عبد الله الرجراجي السعيدي في كتابه "السيف المسلول فيمن أنكر على الرجراجيين صحبة الرسول". ومحمد السعيدي الرجراجي في كتابه "رباط شاكر (سيدي شيكر)". والأستاذ كريدية إبراهيم Kredya Ibrahim في كتابه شرفاء رجراجة ودورهم المشهور. وذكرها المختار السوسي في "المعسول" الجزء الثالث، ص: 7 ثم أنكر صحتها في الجزء 14 ص: 138 من نفس الكتاب، كما قال عبد العزيز الدباغ في كتابه الإبريز أن هؤلاء ليسوا صحابة وليس في المغرب من الصحابة أحد.

أبو محمد بن حرزهم في بيت المقدس





جاءَ في كتابِ التّشوُّف إلى رجالِ التّصوُّف (94)، الذي ألّفه أبو يعقوب يوسف التّادلي رحمه الله، أن أبا محمد صالح بن حرزهم "لما زار بيت المقدس انقطع بقرية قريبة منه. فقدّمَه أهلُ تلك القرية للصلاة يؤم بهم في مسجد تلك القرية. فأقام هناك إلى أن أقبل الإمام أبو حامد (الغزَّالي) رحمه الله، في جماعة من تلامذته. فنزلوا في ذلك المسجد وكان فيه عريش عنب قد ظهر فيه الحِصْرِم*. فقالَ لأبي حامد تلامذتُهُ: اشتهينا حصرمة. فقال لهم: سلوا إمام المسجد على من حَبسَ عنب هذه الشجرة، أعلى الإمام، أم على المؤذن أمْ على المسجد أم على منْ هو حَبسٌ حتَّى يُعلمكم. فسألوا أبا محمد (بن حرزهم). فقال لهم: لا أدري على من حُبِسَ ولا تعرّضتُ له ولا أكلت شيئا منه قط. فأخبروا أبا حامدٍ بذلك. فقال لهم: هذا مغربي، له أعوام في المسجد، ولم يتعرض لهذا العريش ولا عرف خبره وأنتم من ساعة واحدة لم تملكوا أنفسكم".

* صالح بن محمد بن حرزهم هو عم أبي الحسن علي بن حرزهم، والد محمد بن علي بن حرزهم، المعروف عند الناس بـ سيدي حرازم.
* الحِصْرِم: أخضر العنب الذي في بداية النضج

بين الغزّالي ويوسف بن تاشفين

1-



...وكانت هناك مراسلات بين حجة الإسلام أبي حامد الغزّالي وأمير المسلمين في عصره الملك المجاهد يوسف بن تاشفين اللمتوني أمير دولة المرابطين التي ساهم في تأسيسها الفقيه المالكي عبد الله بن ياسين الجزولي تلميذ الفقيه وجاج بن زلو اللمطي تلميذ العلامة أبي عمران الفاسي المالكي، والأمير يحيى بن ابراهيم الجدالي، ومن بين هذه المراسلات أن ابنَ تاشفين أرسل رسوله إلى المشرق ليطلب من الغزَّالي فتوى غزو الأندلس بعدما أفتاه فقهاء الأندلس بجواز ذلك لتوحيدها والقضاء على ملوك الطوائف الذين قسموا البلاد وتجبروا وحارب بعضهم بعضا... فأجاز الغزالي له ذلك. 
كما أن ابن تاشفين بعد ذلك بعث إليه يطلبُ منه أن ينتقل إلى المغرب، فلبى دعوته وخرج مسافرا، ولكن ابن تاشفين توفي فبلغ الخبرُ الغزالي فعاد من الطريق إلى بلده. وهكذا حرم المغرب من دخول فقيه وصوفي وفيلسوف إلى أرضه، بيد أن علمه بلغه...

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة