يولدُ الإنسانُ بلا وعيّ ولا إدراك، غير عاقل بحالهِ ومآلهِ. ينتقلُ من مرحلةِ الأجنّة إلى مرحلة أخرى أوسع وأرحب، مرحلة الحياة والتطور وظائفيا وجسديا... هذا الإنسان يتأقلم مع المحيط والعالم وينصهر فيه جسدا ووجدانا، يولد جاهلا بطبيعة الحياة، لكنّ إحساسه لا يجهل شخصا يجاوره ويلازمه في الحركات والسكنات وفي يقظته ومنامه.
من أحشائها انطلق؛ يتغذى حليبا، يتغذى حنانا، يطيب له طوقُ الذراعان، بين حضنٍ دافئ أطعمه من جوع وآمنه من خوف. يَسكن هلعُه وتَخمدُ آلامُه إنْ توسّد ثدي صدرٍ وسعه حبا، وسعه رأفة ورحمة...
يولد هذا الإنسان وفي حياته امرأة، فليس ثمة أحد ولد دون أن يحملَ حبّ امرأة، بل عشقها الأبديّ (أبدية الحياة الدنيا)، وحتى الذين ولودوا يتامى يتعلقون بالتي أحسنت رضاعتهم، وأجملتْ تربيتهم، وأسندت لهم العطف والرحمة، وتقدمت بهم لتخرجهم من طريق الضعف إلى طريق القوة... قلبُ الإنسان ما خلا من حبّ امرأة قط، ولن يخلو أبدًا. ثم يكبر هذا الكائنُ إلى أن يشبّ عن الطوق، وفي قلبه التعظيم والإجلال لهذه السيدة وبفطرة إلهيّة سامقة أوْدِعَـت فيه إعجازًا.
قد نشاطرُ إنسانا آخر باحة قلوبنا حين يشتدّ عودنا، وتنمو آثار الرشد فينا، وتلك سنّة الله في الذين خلقهم، كي يستمر الجنس البشريّ، حكمةً، لإعمار الأرض (ولا يحيط بحكَمه الجليلة إلا هو). لكن المرأة الأولى التي تلقتنا حين استخلصتنا من بطنها، ووهبتنا من جسمها، من وقتها، من روحها كل شيء... تبقى الملاذ الوحيد، تظل السهل الممتع إن استحالت تضاريس أرض الحياة جبالا، تبقى الشمس إن كسفت أو خسفت كل أجرام سماء الحياة وأظلمت. تبقى الماء السلسبيل إن جفّت كل منابع الحياة وتلبّسها الشح. هي الأم، تصير السفينة إن عمّ أرضَ الإنسان طوفانا نوحيًا؛ فمن أوى إلى جبل يعصمُه من الماء فلا ريبَ سيكون من المغرقين، وسيحيل الموج بينه وبينها، وبئس فعل الخاسرين.
قلت:
تحن لها القلوبُ إن غابت شوقاً
وفي الحضور تمنحُ العطاء
قمرية الوجهِ
بَسمتها تغاريد الصباح
أفصحَ الكمال عنها
فبات حسنها حنانا متاحا.
في بحر حنانك ولدتُ سابحًا
ونور عينيك قادني حارسًا
أنا بضعة منك، غذيت حليبا خالصًا
فيا مهجتي، هبيني رضا
وقولا صالحًا.
إذا تحدثَ الحنانُ
أمِلْ مسمعـــــــك.
ما أقصر الحيـاةَ
وما أضيعـــــك.
إذا ودّ الأمومــةِ
لم يكن مرتعـك.
____________________________________
استجابة للمبادرة التي أطلقتها الأخت ليلى الصباحي، (بمناسبة يوم تكريم الأم) على صفحة مدونتها، حاولت هنا أن أخضب الحروفَ بجمال الأم، وأنير معانيها بنور عطفها وحنانها...
ولأن المبادرة تقتضي أن نختار من ننقل إليهم شعلتها، حتى يكتب الجميع عن الأم في يومها -مع اقتناعنا التام أن الاحتفاء بالأم هو عمل كل يوم في المنهاج القرآني وفي السنة نبوية-. وإني أمرر هذا لكل من:
- الأخ والصديق خالد أبجيك (الفكر الحر)
- السيدة والأم الطيبة: زينب صادق رجب (أتمشى بين ضلوعي)
- الصديق العزيز بندر الأسمري (راحة النفس)
- والأخت العزيزة حنان ادريسي (زهرة الثلج)
وطبعا في بالي أسماء كثيرة للأصدقاء الأعزاء، ولكني سأكتفي بهؤلاء حتى يتمكن الآخرون من اختيار من سيرسلون إليهم الدعوة.
وطبعا في بالي أسماء كثيرة للأصدقاء الأعزاء، ولكني سأكتفي بهؤلاء حتى يتمكن الآخرون من اختيار من سيرسلون إليهم الدعوة.
محبتي. رشيد أمديون