الوصف

الحوار (2)


وجه من أوجه الحوار عند الصحابة
 

تذكر كتب السيرة أن المسلمون الأوائل هاجروا إلى الحبشة هروبا من أذى قريش واحتموا بملك الحبشة الذي كان يدين بدين النصرانية. وعندما علمت قريش بأمرهم أرسلت رجلين هما عبد الله ابن أبي ربيعة، وداهية العرب عمرو ابن العاص، وذهبوا إلى الحبشة محملين بالهدايا للنجاشي وبطارقته.

الذي يهمنا هنا هو الحوار الذي دار مابين فئة المسلمين المهاجرة وبين النجاشي ملك الحبشة. فبعد أن قال عمر ابن العاص للنجاشي :
«أيها الملك، انه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشيرتهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.»
سأل النجاشي المسلمين قائلا :«ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الملل؟.»
وبعد تشاور اختار المسلمون جعفر ابن أبي طالب أن يكون المتحدث عنهم فقال: «أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار... فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان، فخرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك».
فقال النجاشي: «هل معك مما جاء به الله من شيء »... فقال له جعفر: نعم... وقرأ عليه من صدر سورة مريم، فبكى النجاشي وبكت أساقفته، ثم قال النجاشي : « إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة! انطلقا. فلا والله لا أسلمهم إليكما».
ولما رأى عمر ابن العاص ورفيقه أن الملك لم يستجب لطلبهم حاول أن يدبر مكيدة أخرى فقال: «أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما،(...) فسلهم عما يقولون».
فلما أذن الملك لجعفر أن يتكلم قال :« نقول فيه الذي جاءنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم- فهو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول».
فما إن سمع النجاشي قول جعفر حتى ضرب بيده الأرض وقال: « والله ما خرج ابن مريم عما جاء به نبيكم مقدار شعرة».
في رواية أخرى أنه تناول عوداً من الأرض فقال: « يا معشر القسيسين والرهبان: ما يزيد ما يقـول هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه!! مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده. فأنا أشهد أن رسول الله والذي بشر به عيسى بن مريم ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه!! امكثوا في أرضي ما شئتم. وأمر لنا بطعام وكسوة وقال: ردوا على هذين هديتهما».
في هذا الحوار الجميل الذي دونه المؤرخون، نلمس عبرا كثيرة من بينها: وعي المسلمين الأوائل بأدبيات الحوار، بحيث إنهم اختاروا وبعد تشاور بينهم رجلا فصيح اللسان ذو عقل رزين، وهو جعفر ابن أبي طالب - ابن عم الرسول (ص) والذي قال له يوما:
«أشبهت خلقي وخلقي.»
وقد أبان جعفر عن ذكاء عقله في هذه المحاورة بحيث عرض الإسلام عرضا جميلا في بضع دقائق..! وبراعته في اختيار آيات من القران تبين للنجاشي أن ما جاء به محمد هو الحق ولأن عقيدة النجاشي عقيدة نصرانية فجعفر قرأ له من سورة مريم آيات تحكي عن السيدة مريم وولادة المسيح، ولأنها أمور لا يدرك حقيقتها إلا من كان يدين بدين النصرانية فقد تأكد لدى الملك صدقهم وبراءتهم مما قيل عنهم.
وأبان جعفر عن خلقه الحسن، بحيث يتضح من كلامه حسن الأدب في الكلام وجمالية الرد.
وكذلك نستنتج مما سبق أن المسلمين قالوا الحق ولم يخشوا لومة لائم، فحين سألهم عن المسيح ابن مريم اتفقوا أن يقولوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في روايات أخرى من السيرة أن عمرو ابن العاص قال للملك أنهم لا يسجدون لك – سجود تكبير واحترام للملوك- وحين سألهم النجاشي قالوا له نحن لا نسجد إلا لله، ذلك ما علمنا رسول الله. فأعجب النجاشي بهم.

إن الحوار الذي يعتمد على الفصاحة واللباقة وحسن الخلق واللينة في الكلام وقول الحق واختيار الحجة المناسبة لهو الحوار الناجح وإن لم يقتنع من أحاوره بفكرتي المهم أني أترك في نفسه بذرة الاحترام المتبادل بيننا، ومن يدري ربما أسلوبي هذا يجعله يقتنع بعد حين.



الحوار (1)



ما أصعب أن تكون محاورا ماهرا..! تحاور مخالفك ببرودة أعصاب وسِعة الصدر وحسن الخلق، وتحاوره بالدليل والبرهان والحجة لإثبات ما ترى أنه الحق، وبعيدا عن التعصب الذي يشل الفكر ويعمي البصيرة.

الملاحظ أن الكثير يفتقد أدبيات الحوار في مجتمعنا، وسرعان ما يتحول كل نقاش إلى مشادة كلامية فيصبح الحوار ساعتها لا يفي بالغرض المطلوب منه، كالتقريب والتأليف والوحدة (رغم اختلاف الرؤية).

الحوار القرآني

عندما أقرأ القرآن كثير ما أجد آيات تحمل صورا من صور المحاورة العقلية المدعومة بالحجة القاطعة، ومطالبة الأخر بالدليل. جاء في سورة الأنبياء – الآية21/24:

(أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ ، لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ، أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ).

وفي سورة المؤمنين- الآية 91 :

(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون).

في سورة الأعراف- الآية 191/195:

(أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ، وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِي فَلا تُنظِرُونِي)

وفي سورة الفرقان– الآية 3:

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعـًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًـًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً).

وفي سورة الحج – الآية 73:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابـًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئـًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).

وقد أسس القرآن في مساحته الحوارية قاعدة جميلة، وهي: أن الخصم قد يملك الحقيقة إن اهتدى إلى البرهان المقنع. ففي سورة سبأ -الآية 24- يقول :
( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
فجعل للخصم إمكانية الاهتداء للصواب، وكما قال الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
كما أن الذي ينشد الحق لا يبالي إن تبين الحق على لسانه أو على لسان محاوره، المهم أنهما اهتديا إلى الصواب، كما كان يقول الإمام الشافعي: « ما كلمت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، وتكون عليه رعاية الله وحفظه. وما ناظرني احد فباليت أظهرت الحجة على لسانه أو لساني»

لم يرفض القران الحوار ولم يعرض عنه، فهو يحكي في آيات متنوعة حوار الله مع الملائكة وحواره مع إبليس حين آبى أن يسجد لأدم، بل بالعكس القران ينكر على من يعرض عن الحوار:

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ، يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) - الجاثية:7/9-

(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) - فصلت:5-

إن هذا السرد للآيات قد يفي بالغرض في إثبات أن الأسلوب القرآني يعتمد على المحاورة بعيدا عن الجدل العقيم-المِرَاء - المنهي عنه لكونه لا يؤدي إلا إلى طريق مسدود.


يتابع..

لا يستقيم العشق مع العافية أبدا



جاءت رسالة من يحي ابن معاذ شمع الإسلام، إلى الشيخ أبي يزيد البسطامي يقول فيها :
« ماذا يقول شيخ الدين في ذلك الشخص الذي شرب شربة طاهرة ومقدسة، واستولى الخُمارعلى رأسه لمدة ثلاثين عاما ليل نهار.»
فوصله الرد من أبي يزيد: « يوجد هنا رجل شرب كثيرا شرب البحر والأرض والعرش والكرسي دفعة واحدة. فعمّ تسأله؟
وهو الآن يصيح هل من مزيد. وإن كنت لا تعرفه فهو أبو يزيد».

وأنت لماذا لم تتجرع الخمر وأضعته، جئت متيقظا وتذهب ثملا، إنك تبدو مسكينا للغاية فقد ثملت من كأس فارغة والحياة زاخرة، زاخرة بآلاف البحار وكلها مملؤة للخاصة من الأرواح، وحيث يمكن هنا السكر من قطرة واحدة كيف يمكن تجرع البحر بأكمله؟ إن كنت ثملا بعشق مبهج القلب فمُتّـبعا للأمر واحترق، وإلا فسكرك مثل تَمَل المخمورين، وأي شأن للثمْلَى بالسلوك، سر وفق الشريعة إن كنت صاحب مقام فإن ثملت فلن تستطيع الخطو، فكل عاشق لا يسير وفق الشرع وتجتاحه الآلام لا دواء له. ماذا أقول لك؟ يا لك من معاند فأنت في العشق لست رجلا ولا امرأة في هذا المجلس. لا تسعى إلى الموت إلا بقلب محترق له موت الشمع، يسلبك وجودك فلا يستقيم العشق مع العافية أبدا. 



(من كتاب إلهي نامه لفريد الدين العطار)

من هو ؟ 

فريد الدين العطار شاعر صوفي فارسي عاش في القرن الثاني الميلادي، ولد بنسابور في إيران، واختلفوا في تاريخ وفاته ومنهم من قال توفي سنة 589 هـ
من مؤلفاته: ومنطق الطير- بندنامه: كتاب نصيحة- تذكرة الأولياء – الهي نامه – مختارات نامه – خسرو نامه – مصيبت نامه – جواهر نامه
– شرح القلب – اشترنامه – مظهر العجائب. 



شيءٌ ما حدَث في صدري..!


شيءٌ ما تسلّلني! كعفريت يسكنني،
يقيم داخلي عاصمة
لا تعرف النظام، لا الاستقرار
شعبها متمرد...
يَعصي الأوامر، والقرار
لا تـهمه القيود، لا يبالي بالإسار
شيءٌ ما حدث في قلبي!
فإذا بالعمر أنار
حينها، أشرقت شموس،
سَطعت أقمار
وأطللت على الحياة بوجه جديد،
وبإسم جديد
تبسمت ورود،
تفتحت أزهار
شيءٌ ما حدث في قلبي،
من المجهول أتى!
من أين؟
لا أدري!
هو خلف ستار
شيءٌ! يُعرّي الأشواق فترتعش من برده،
ولا يَهديها دِيثار
يحملني الى مساء من أمسيات صيف،
تجود بموسيقى، وأنغام وأشعار
يجعلني أميراً ألبسَه الليل َلوعَة
وعَمّده بمياه الإنتظار
في الأسحار،
يداعب عينيه لتُغري النوم ليأتي،
وكيف يأتي؟
والدموع أمطار
متى يرى أميرته الحسناء،
في قرب وانبهار؟
شيءٌ ما حدث في صدري،
فأدار المدار
زلزلت الارض زلزالها
وقيلَ مالها،
وحُدّثت أخبار
شيء تسلل بصمت!
لكنه فجّر بحار!
أقام العواصف والأنواءَ،
أٌُُُُثارالغبار
يزمجر كالريح، بين الفجاج.
يقسم السماء، كالبرق الخاطف تتبعه الأمطار
شيء ما حدث في صدري!
كأنه نزق الثوار
يدفعني أن أكسر، أن أتمرد،
أن أعلن العصيان كالثوار
حدث في صدري ما يحدث لعاشق،
يشكو فؤاده
وقدَ جمار
يبيت تحت شرفته الوردية، ينتظر موعُودَ الهوى...
إن جادتْ به الأقدار
إن لم تَجُد، فالحياة لَوعةٌ واشتياق،
وحريق ونار
وليلٌ طويلٌ، كأسراب غِربان!
وظلام يخنق الأنفاسَ، كماِرٍد جبّار

شيء ما حدث في صدري، وراح
أبانَ عن َمجدٍ، و صباح
دمي، روحي... استسلموا،
لم يعلنوا الكفاح
شيء ما سقاني الثُمَالةَ،
وكؤوسَ الرّاح
أدخلني جنات،
الحب فيها! كالماء المسّكوب...
و العطر فيها، فوّاح
فيها ما تشتهيهِ الأنفسُ، 

ما تلذّ الأعينُ،
ما إليه أرتاح
شمسُها لا تعرفُ الأفول،
لا تعرف الغياب،
هي في الأفق ساطعة ناصعة الجبين،
ونورها للروابي، لكل العاشقين…
مباحٌ... مباح
شيء ما في صدري!
بالآهاتِ... صاح
بلبلا يجوب مدني،
يحلق في سمائي،
بالغرامِ صدّاح.




 ولدت هذه الكلمات بتاريخ: 10/02/2007

أغنية الماضي





في صدري نار تتأجج

و حمم على الأضلاع تكويها

و خافق ذو رعشة

ان همس النسيم

و الرعشة في كمد يواريها

رسائل حبي بللتها بالدمع حين أرمق فيها

لا شيء يبدو بين السطور سواك

أشكلك بالحروف حين أرميها

تضلين في مكتوبات الهوى و ان ذبلت ،

فأنت تسكنيها

و تنبتين في روضي زهرة أسقيها

أنت لي كالشمعة في ظلام أحرص لا الريح تطفيها

كالجوهرة في يدي ، و في قلبي أخفيها

كالشمس انت في السماء، أحزن حين الغيم يغطيها

و أحزن وقت المغيب و الغروب يطويها

أظل واقفا ارصدها لكن الظلام يمحيها

و تبقى في خاطري أحلام لا طالما قتلتها

و في الليل يأبى الحنين الا أن يحييها.

اذكر أغنية كنتِ على شاطئ الحب تعديها

سألتني يومها يا حبيبي ماذا أسميها

لم نجد لها اسما فكنا مع الطير نغنيها

نُسمع العشاق ألحانا، للحياة كنا نهديها

عصف البحر بنا وفرت الأوقات...

كأننا يوما لم نحب فيها

عودي كما يعود الصباح ،

و تلك حياتي أضيئيها

كنزت لك الاشواق شوقا بعد شوق

فعودي... ولا تتعبيها

اقبلي كيفما تشائين، باسمة أو ان شئت باكية

لكن أشواقي ، فاقبليها .


انتفاضة



اختناق الزمان ولّد الإنفجار

في نفسي، في دمي،

في عقلي حرارة وإعصارْ

تظيق نفسي إن عجّت لحظة الصراعْ

بين الأفكار تزاحمٌ ونزاعْ

في رأسي جلجل صداعْ

في كبدي حسرةٌ

من قساوة الأوضاعْ

في بيتنا دئاب جياعْ

تسللت من ثقوب المصراعْ

أبناء الإنتفاضة،

لايؤمنون بالخداعْ

سلامكم ليس حلا للنزاعْ

بالدم ،بالدم، تحرر كل البقاعْ.




أبو حسام الدين

أيا من له الأشواق-رابعة العدوية.



  أيا من له الأشواق مني كثيـــرة
 ومني دموعي يوم بان غزيـــــرة
 ويا من لقلبي في هواه سريــــرة
 فليتك تحلو والحياة مريــــــرة
 وليتك ترضى والأنام غضــــــاب

 خيالك في قلبي لقلبي مسامــــــر
 وحبك للعشاق ناه وآمــــــــر
 فيا ليت غيث الوصل لي منك غامر
 وليت الذي بيني وبينك عامــــر
 وبيني وبين العلمين خــــــــراب

 لقد ذاب كلي في لقاك لك الهنــا
 وبدل فقري في تجليك بالغنـــــى
 فأنت هو الموجود حقـــا ولا أنا
 إذا صح منك الوصل يا غاية المنى
 فكل الذي فوق التراب تـــــراب 


العارفة بالله  رابعة العدوية 718م - البصرة

الخرافة.. إلى أين؟


  فقط أريد أن أفهم ونحن في القرن الواحد والعشرين كيف مازل بيننا من يلجأ للعراف في حل مشاكله، وأريد أن أفهم كيف مازال بيننا من يعتقد بالخرافة والشعوذة.. ألم يحن لهذا الإنسان أن يتحرر من قيود ماضيه الأسود حين كان يسكن الكهوف والأكواخ ويعبد الصنم والحجر..! أما آن له أن يركب سفينة العلم . ألم يكفيه ما عاشه في حياته البدائية من شعوذة وتخريف ومعتقدات أوهمه عقله بها حين كان لا يزال في طور التطور. لا شيء يبكي غير أن تجد قوما ملكوا الدنيا بسلطان العلم، وتجد أخرين مازالوا يدورون حول بخور المشعوذين وتمائم الدجالين، ويتمسحون بالأضرحة.

  كانت لي جولة بسيطة إلى (منطقة مولاي إبراهيم) قرب مدينة مراكش، كان الغرض من هذه الرحلة القصيرة هو حب استطلاع بحكم ما أسمعه عن (ضريح مولاي ابراهيم) غفر الله لنا وله. وبينما أنا أتجول في تلك البناية القديمة للضريح إذ بأشياء غريبة أثاتر انتباهي. لاحظت أن في كل ركن من الأركان وعلى الأبواب  حزم كثيرة من الأقفال... طبعا استغربت..! سألت رفيقي ما هو الغرض من كل هاته الأقفال، وما معنى هذا؟
أجاب قائلا: أن كل من كانت له مشكلة أو وقع في ضيق يأتي إلى هنا ويشتري قفلا ويعلقه في ركن من أركان الضريح ريثما تنحل مشكلته ويعود ليفتح القفل..!
طبعا لم أصدقه في البداية حسبته يمزح كعادته، لكن الأمر تأكدت لي صحته عندما فاجئني أحد الباعة بقوله: أتشتري قفلا؟ قلت له: وماذا أفعل به؟ قال: تعلقه..! 

في الحقيقة لم يكن عندي مجلا للتفكير حتى أجيبه، لكني بادرت بقولي علقه أنت..
إن هذه الظاهرة ما هي إلا واحدة من مئات، فلكل ضريح خصائصه ومعتقداته.. إن كانوا في (مولاي إبراهيم) يعلقون الأقفال ففي غيره يعلقون الثياب ليفكوا ما يسمونه (بالتابعة). وهكذا حالنا نذهب عند الموتى لكي يحلوا لنا مشاكلنا..!
ليس هذا فحسب بل هناك من الأضرحة من يعالج الجنون، ومن يعطي الأولاد، ومن يزوج البنات، وغير ذلك من مشاكل الناس.. 

ذكرني هذا بقصة الرجل الذي جلس قرب ضريح يتأمل أحوال الناس فجاء أحد الزوار يطلب من الوالي المدفون في الضريح أن يساعد زوجته التي جاءها المخاض وقد تركها وهي تلد، وعندما انصرف جاءت امرأة تطلب من الوالي أن يساعد ابنها في امتحانه.. فقال لها الرجل الذي كان مازال جالسا يرى ويسمع ما يحدث «يا سيدتي الوالي مشغول فقد ذهب ليولد امرأة..».

وإذا انتقلنا من خرافة الأضرحة إلى خرافة الشعوذة والعرافة نجد شيئا أسوء من سابقه. والحقيقة أن اللوم كله لا يقع على العرافين والمشعوذين بل على الناس الذين لا يزالون يعيشون بعقول ضعيفة تؤمن بكل ما تسمع دون وضعه في ميزان العلم والشرع.. فطبيعة البعض في تقبل الخرافة هو ما جعل مساحة الدجل تتسع.
أعرف شخصا يمارس الدجل، والعجيب في الأمر أني كنت أعرفه قبل ذلك – أعني قبل أن يصبح دجالا- لاحظت أنه يتظاهر بحفظ القرآن.. وهو لا يتقن حتى قراءته، وقد قدر لي أن جلست بجانبه وهو يحمل المصحف ويقرأ بصوت مرتفع قلت في نفسي إن الذي يقرأه هذا ليس قرآنا وحشا أن يكون قرآنا...
لكن للأسف تجد من الناس من ينادي هذا بصفة الفقيه أو (الشريف) وهذه هي الطامة الكبرى، وهذا دليل أن العامة لا تزال لديهم قابليةَ الإستغباء..! أنا أتساءل أي فقه لهذا الذي يجهل قراءة القرآن كما ينبغي، ويخدع الناس بإدعائه أنه معالج.. أين عقول الناس وضمائرهم؟ لا والأدهى والأمر أنك إن تكلمت تصير أنت المخرف.


 لكل مشعوذ أساليبه التي يجذب بها الناس حتى يصدقوه، وكلها تعتمد على الخداع مثل ما يهيئه من طقوس، ومن أبخرة تملأ المكان الذي يعمل فيه، ونطقه ببعض الطلاسم الغير مفهومة..! أظن أن كل هاته الأمور تخلق في نفس الوافدين إليه نوعا من الخوف الذي يسفر عنه الإيحاء فيشل العقل عن التفكير، بحيث قد يقع هذا حتى للناس المثقفين لأن البيئة تؤثر فيهم بما فيها من أقوال ومعتقدات اعتادوا سماعها.
هناك أسباب كثيرة وراء تعلق الناس بالشعوذة ومن بينها الاعتقاد الغيبي الخاطئ بالجن والسحر طبعا لا مجال لإنكارهما، فالجن مخلوق وله وجود وقد تلقينا هذا من القرآن، أما السحر فهو قديم منذ لجأ الإنسان إلى استعمال أساليب تخرق العادة، وكل ما نعلمه عن الجن أنه مخلوق لا يُرى. منه الكافر ومنه المؤمن -انظر سورة الجن- لكن الملاحظ أن في ثقافتنا الشعبية تجد أساطيرا كثيرة لعلاقة الجن بالإنس، كاللبس أو ما يسمونه المس، و الزواج –أن يتزوج جني بإنسية أو العكس- وغير ذلك مما نسمعه من الناس...


الحقيقة أن هناك خلاف ما بين علماء الدين في مسألة صرع الجن للإنسان فمنهم من يرى أن الجني قادر على أن يتلبس بالإنسي، ومنهم من ينفي ذلك، ويؤكد أنه ليس هناك دليل قاطع على صحة الأمر واختلفوا في تفسير الآيات التي ذكر فيها المس كقوله تعالى ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) - سورة البقرة الآية 275-
و قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) -سورة الأعراف، الآية201/202-
قالوا أن المس هنا عبارة عن وسوسة كما ذكر في قوله تعالى : من شر الوسواس الخناس وقوله تعالى على لسان أيوب ( مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) - سورة ص 42- وقالوا: الجن ليس له سلطان على البشر حيث أنه جاء في القران أن الشيطان قال (وَمَا كَانَ لِى عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى ) - سورة إبراهيم – جزء من الآية 22-

وهناك كلام كثير قيل في هذه المسالة ولكل حجته ودليله من المعتقدين وغير المعتقدين.
والذي يهمنا هنا ليس في أن نعرض أقوال العلماء والمفسرين بل الأهم هو أن نكون على بينة من أمرنا ونعرف أن الجن ما هو إلا مخلوق من مخلوقات الله، وقد جعل منه البعض بطلا خرافيا يستطيع أن يفعل المعجزات، ونسجت عنه حكايات خيالية تصيب كل من يسمعها بالخوف والرعب، فتجدرت في مجتمعاتنا ثقافة المس ولعنة الجن، وغير ذلك.. وحتى لاحظنا أن من الناس من لا يستطيع أن يذكر كلمة الجن إلا امتلكه الرعب والذعر، وكلما أصيب أحد بمرض نفسي أو عضوي قالوا إنه ممسوس بالجن.
والمثير للغرابة هو أن الاعتقاد بالمس والصرع جعلت منه شرذمة من الناس ركنا من أركان الإيمان بالغيب يعني أصبح جزءا من الإيمان مع أن الاعتقاد به وعدمه لا يفسد من إيمان المسلم شيء. نحن مكلفون في مجال الغيبيات أن نؤمن بالله والملائكة واليوم الأخر والجنة والنار، ويضاف إليهم الإيمان بالجن لورود الدليل القطعي على وجوده، أما شكل الجن وفعله وقدرته وسلطته تلك غيبيات لا يخرجني من دائرة الإسلام نكرانها.


عندليب الأشواق




هناك رسائل كثيرة يبعث بها الخاطر من لحظة إلى أخرى تشع بالأشواق والحنين. رسالة هذه اللحظة هي طير الأشواق وعندليبها، حامل رسالة الشوق لكل القلوب المشرقة بالحب والسلام. 
رسالة العندليب صورة للحب و الشوق لما هو أفضل في عالم فقدنا فيه الحب والسلام بين كل الشعوب.. 


  
عندليب الأشواق يجوب القمم والأفاق

يبحث عن قلب مشرق تواق

يرتدي جلبابا من قشيب العشق

يسدل الأنغام

فتتموج الأوتار

ويسحب الخيال  

آه... لقد جاد الحب بعد ذاك الفراق

فرقّ اللحن على الوتر

ومضى ينساب كالماء من نهر رقراق.

عندليب الأشواق كنز من ذاك الفراق

أنشودة تحكي قصص العشاق.

أول اللقاء كان ومضى

فلا تسأل القلب عن أخر عناق

فذاك أول الفراق وأول الأشواق

بعدها فاح عبير الحب

وحلق عندليب الغرام

حط على طلل يروي قصتي

للزهر..للشذى

 فتسيح الأنغام

فرق الفؤاد رقة النسيم

وتنهد تنهيدة اليثيم

وأوغل في مدح ماض أليم.

رفرف يا طير العشق

فلولاك ما أحببت تلك المقل

ولولا عيونها ما ساح عبيري على الورق

 فاسكب الأشواق

فالحنين عاد الى تلك المقل.

ذكر الله


 يعتمد الصوفية عل ذكر الله لأنه قوت القلوب ونور الصدور، وبالذكر وصل الواصلون وسلك السالكون هو مدار التصوف كله، والذكر نوعان ذكر باللسان وذكر بالقلب، وذكر القلب أسمى وأرفع من الذكر باللسان، لكن الذكر باللسان والقلب معا أكمل وأثم.
يقول ابن عطاء الله السكندري في مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح لذكر الله الكريم الفتاح:

إن القلب مثل عيسى ابن مريم عليه السلام، والذكر لبنه، وإذا كبر وقوي صعد منه حنين إلى الحق وصوت، وصعقات ضرورية شوقا إلى الذكر والمذكور، وذكر القلب يشبه رنة النحل، لا صوت رفيع مشوش، ولا خفيا وشديد الخفاء، وإذا ستمكن المذكور من القلب وانمح الذكر وخفي فلا يلتفت الذاكر إلى الذكر، ولا إلى القلب فإن ظهر له في أتناء ذلك التفات إلى الذكر أو إلى القلب فذلك حجاب شاغل.

 من هو ؟

هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عيسي بن عطاء الله السكندري فقيه مالكي و منتسب إلى الطريقة الشاذلية الصوفية التي أسسها الشيخ أبو الحسن الشاذلي 1248 وخَلِيفتُه أبو العبَاس المرسي 1287م
وتوفي ابن عطاء ودفن بالقَاهرةِ عَام 1309. ولا يزال قَبره مَوجوداً إلى الآن بجبَانة سيدي على أبو الوفاء تحت جبل المُقطمِمن الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث. لابن عطَاء الكثير من المُصَنفات و الكُتب منها ما فقد، لكن أبرز ما بقي له:
- لطَائف المنن، في منَاقبِ الشيخ أبى العباس وشيخه أبى الحسن
- القصد المُجرد في مَعرفةِ الاسم المُفرد
- عنوانُ التوفيقُ
- تَاجُ العروسُ الحاوي لتهذيب النفوس
- الطريق الجادة في نيل السعادة
- أصول مقدمات الوصول
- مفتاحُ الفلاحُ، ومصبَاحُ الأرواح لذكر الله الكريم الفتاح
- الحكم العطَائية، وهي أهم ما كتبه وقد حظيت بقبول وانتشَار كبير ولا يزال بعضها يُدرس في بعض كُليات جامعة الأزهر، كما تَرجم المُستشرق الانجليزي (آرثر اربري) الكثير منها إلى الانجليزية، وترجم الإسباني( ميجيل بلاسيوس) فَقرات كثيرة منها مع شرح الرندى عليها.

 

بدوت لها في كل صب متيم



حاول الصوفية أن يقتبسوا شخصيات تمثل نموذج الحب في أسمى معانيه، كاستعمال شخصية قيس المجنون أو جميل بتينة - وغيرهم من شعراء العشق- في إبداء صورة العشق الإلهي وإعطاء الطابع التلويحي المعتمد على الرمزية لتوضيح وتقريب معنى العرفان الإلهي ذلك لقصور العبارة عن توضيحه وتبيينه.
يقول ابن فارض:


بدوت لها في كل صب متيـــــــم     بأي  بديع  حسنه و بأَيَّــــــــتِ
وليسوا بغيري في الهوى لتقــدمٍ    عليّ  لسبق  في  الليالي  القديمـة
وما القوم غيري في هواها،وإنما   ظهرت لهم  للبس  في كل هيئــة
ففي  مرة  قيسا  وأخرى  كُـثَـيِّرا   وآونة  أبدو  جميل  بُتينــــــــــة
تجليت فيهم ظاهرا  واحتجبت  با   طنا بهم فأعجب لكشف بستـرة
وهن وهم لا وهن وهم مظاهــــر    لنا بتجلينا  بحب  و نضـــــرة
فكل فتى حب أنا وهو  وهـــــي     حب كل فتى والكل أسماء لُبْسة
أسامٍ بـها كنت  المسمى  حقيقـة    وكنت لي البادي بنفسي تـخفـت
وما زلت  إياها وإياي  لم  تزل     ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبـت



مـــتى تــعود ؟!




كل إنسان تمر به لحظات ينتظر فيها غائبا قد يعود.. وربما لا يعود..!
يعيش هذا الإنسان عناء الانتظار بألوان مختلفة من الشعور بين حزن و قلق وخوف من خيبة الأمل.
أما غائبي هنا فهو أملي المفقود، وأملي الموعود وأملي الذي خرج ولم يعد..
غائبي هنا هو غائب كل من يرى سواد الأفق وظلام الحال..
غائبي هنا أمل هزيل أمام قوة يأس عنيد.. يُضْحِظ كل سؤال.. يرميه البال.. لتبقى العودة هي المحال. 

لا يظنّنْ من يقرأ هذه الكلمات إني أدعو للتشاؤم، فإني إن تشاءمت لحظة فلأني مرغم حين يمتلكني هاجس اليأس من كل شيء، وحتى تولد هذه الكلمات:




اكتمل البدر...
ولم يعد
في لجة هذا البحر أبحر أمسْ
تاركاً في تختي ألف سؤالْ...
هل يعود؟
من مخبري عن حبيب
في أفق هذا المحيط غابْ
وأنا على لهب تكويني الجمارْ
ثرى هل يعودْ؟
أسمع الردّ صمتاً...
ورجع الموج يحكي عن غيلان البحارْ
...عن السفن التي سكنت القاع
فكان القرارْ
يروي عن السندباد...وما لقي من أهوالْ
طاف أبعد البحارْ.
أما يعود حبيبي كما يعود السندباد من الأسفارْ
هيهات أن يعود
في الأفق جحيمٌ...
وقصف رعودْ
فكيف يعودْ ؟!






أبو العلاء المعري (رهين المحبسين)



يلقى الإنسان في رحلة الحياة هذه عوارض كثيرة تصيبه بحالات نفسية مختلفة إما حالة من التفاؤل أو حالة من التشاؤم، ذلك لأن عوامل اجتماعية ونفسية وصحية تغير نظرة كل إنسان إلى الحياة.
وقد لحظنا أن كثيرا من المذاهب والفلسفات القديمة كان قد غلب عليها طابع التشاؤم، كالفلسفة الشرقية والبوذية على الأخص والتصوف.
لكن عبر هذا التاريخ كله لم يعرف أن اتجاها ما تطرف في تشاؤمه كما تطرف أبي العلاء المعري، الذي لا يرى من الحياة إلا الناحية السوداء ولو نُشرت له الناحية البيضاء منها لأعرض عنها وتركها، وقد قال في بعض أبياته :

عرفت سجايا الدهر: أما شروره
فنقدٌ، وأما خيره فوعـــــــــــــود.
غلتِ الشرور، ولو عقلنا صُيرت
دِيَة ُ القتيل كرامة ً للقاتــــــــــــل.
ألا إنما الدنيا نحوس لأهلهــــــــا
فما في زمان أنت فيه سعـــــــود.

لا ندري فيما نصنف المعري، أهو شاعر أم إنه حكيم أم إنه فيلسوف، لكن قد نقول انه شاعر له فلسفته الخاصة ونظرته المتطرفة إلى الأشياء المادية وما وراء الطبيعة.
ففي الشك يقول :
أما اليقين فلا يقين، وإنمـــــــــــا
أقصى اجتهادي أن أظن وحدُسا.
سألتموني فأعيتني إجابتكــــــــم.
من ادعى انه دارٍ فقد كـــــــــذبا.
وللإنسان ظاهــــــــر مــــا يراه،
وليس عليه ما تُخـفي الغـيـــوب!

يرى المعري أننا لا نعرف إلا مظاهر الأمور الطبيعية، أما ما خلفها كالنفس والجن والخلود والثواب وغير ذلك، فلا ذليل لنا عليها يثبتها أو ينفيها وللإنسان ما يراه أما ما خفي عنه فغير ملزم به.
أما اعتقاده بالعقل فهو يرى: أن العقل هو الحكم في كل الأشياء وأن من اتبعه لم يضل، وأن التقليد منبوذ لذلك كان يزدري الأخبار المروية والعادات الشائعة ولا يزنها إلا بميزان العقل، يقول:
كذب الظن، لا إمامَ سوى العقل
مُشيراً في صبحه والمســـــــاء.
هل صح قول من الحاكي فنقبَله
أم كل ذاك أباطيل وأسمـــــــار؟
أما العقول فآلت أنه كـــــــــذِبٌ،
والعقل غرس له بالصدق إثمار!

وشاعرنا ليس معتزليا مع أنه يفضل العقل على النقل كما هو معروف عند فرقة المعتزلة، وليس هذا فحسب بل قد بالغ هو في تقديس العقل حتى اعتبره نبيا يقول:
أيها الغرّ، إن خُصِصْتَ بعقـــــل
فاسألنْه فكل عقـــــل نبــــــــــيّ!
فشاور العقل واترك غيره هدراً،
فالعقل خير مشير ضمــه النادي.
فلا تقبلنْ ما يخبرونك ضِــلـــــة ً
إذا لم يؤيدْ ما أتـَـــوك به العقـــل.

للمعري نظرة فلسفية إلى كثير من أشياء أخرى مثل الدين والمرأة والمجتمع وغير ذلك وكلها نظرة متشائمة ومتطرفة.
وقد اعتزل الناس ودعا إلى الزهد في الدنيا وحبس نفسه في بيته حتى سمي برهين المحبسين وحرم على نفسه أكل اللحم وكل طعام أصله من حيوان واكتفى بأكل الخضر والفواكه والعدس، وكان لباسهم الصوف صيفا وشتاءً.
كما اعتقد أن الحل لزوال الفساد من الدنيا هو طوفان يغسل كل ما عليها:

فلا تأكلن ما اخرج البحر ظــــالمـــــــا
ولا تبــع قوتا من عـريض الذبائـــــــح
ولا بيض أمات أرادت صريحــــــــــه
لأطفالها دون الغواني الصرائــــــــــح
وزهدني في الخلق معرفـتي بهـــــــــم
وعلمي بأن العالـمــيـــــــن هـبـــــــــاء
لو ان كل نفـوس الناس رائيـــــــــــــة ٌ
كرأي نفسي تناهت عن خــــــــزاياها،
وطلقوا هذه الدنيا فـمــــا ولـــــــــــدوا
ولا اقتنوا، واستراحـــــوا من رزاياها
هل يغسل الناس عن وجه الثرى مطر؟
فما بقوا لا يبارح وجهه دنـــــــــــــس!

.لأبي العلاء المعري خمسة آثار أدبية وفكرية، وهي :
- سقط الزند: هو ديوان شعر في المدائح والمراثي وأغراض أخرى وجدانية.
- ضوء السقط على سقط الزند : وهو شرح لسقط الزند وضعه المعري بنفسه.
- مجموعة رسائل في أغراض متنوعة.
- رسالة الغفران: هي رسالة كتبها المعري جوابا على رسالة جاءته من صديق له اسمه أبو الحسن علي بن منصور المعروف بابن القارح حلبي الأصل من أئمة الأدب، كان يرى أن بعض الأدباء والشعراء مما فعلوا وقالوا، من تهاونهم في بعض الفروض الدينية أو شربهم للخمر أو قولهم للغزل يستحقون جهنم وأنهم صائرون لها. وهذا الذي جعل المعري يكتب رسالة الغفران وعلى لسان ابن القارح وذلك ليبين للناس سعة عفو الله..وكذا أن كثيرا من شعراء الجاهلية الذين ظن بعضهم أنهم من أصحاب النار يمكن أن يكونوا من أهل الجنة إما بإيمانهم بالله أو بعمل صالح أو بنية حسنة...
- اللزوميات أو لزوم ما لا يلزم، هو ديوان شعر نظمه في عزلته سنة 1009م وجمع فيه جميع آرائه الفلسفية والاجتماعية ورتبه على القوافي. وألزم نفسه بأن يأتي بأكثر من حرف في القافية، لهذا سميت باللزوميات .

شخصية المعري شخصية انطوائية انعزالية يغلب عليها طابع التشاؤم، طبعا ذلك نابع من الظروف القاسية التي عاشها من مرضه بالجدري وفقده لبصره في وقت مبكر من حياته، وموت أمه الذي أثر فيه كثيرا.
 للغة المعري قوية وأسلوبه متين و له قدرة في التلاعب بفنون البلاغة بالإضافة إلى كونه مفكرا وحكيما وله اطلاع واسع وقدرة في الموازنة والنقد، كما كان جريئا في أرائه ..

من بين القصائد التي تعجبني له وهو يفتخر فيها بنفسه:

ألا فـي سـبيل ِالمجـدِ مـا أنـا فاعلُ
عفــافٌ وإقــدامٌ وحــزمٌ ونـائلُ

أعنـدي , وقـد مارسـتُ كـل خفيَّـة ٍ
يُصــدَّقُ واشٍ أو يُخــيَّبُ ســائلُ

أقلُّ صدودي أنني لكَ مُبغضٌ
وأ يسرُ هجري أنني عنكَ راحلُ

إذا هبَّتْ النكباءُ بيني وبينكم



فأهونُ شيءٍ ما تقولُ العواذلُ

تُعــدُّ ذنــوبي عنــد قـوم ٍكثـيرة ً
ولا ذنــبَ لـي إلا العُـلا والفضـائلُ

كأني إذا طـُلتُ الزمانَ وأهله
رجعتُ وعندي للأنام طوائلُ

وقـد سـار ذِكـري في البلاد فمَنْ لهم
بإخفـاءِ شـمس ٍضوءهـا متكـاملُ

يَهُم الليالي بعضُ ما أنا مضمرٌ
ويثقـُلُ رضوى دون ما أنا حاملُ

وإنــي وإن كــنتُ الأخـيرَ زمانـه ُ
لآت ٍبمــا لــم تـّسْــتطعه الأوائـلُ


وأغدو ولو أن الصباحَ صوارمٌ
و أسري ولو أن الظلامَ جحافلُ

وأيُّ جواد ٍلم يـُحَـلُّ لجامُهُ
ونضو زمان أغفلته الصياقــلُ

وإن كان في لـُبْس ِالفتى شرفٌ له
فما السيفُ إلا غمدهُ والحمائلُ

ولي منطقٌ لم يرضَ لي كـُنـْهَ منزلي
على أنني بين السماكـــين نازلُ

لدى موطن ٍ يشتاقه كلُّ سيد ٍ
و يقصر عن إدراكه المتنــاولُ

ولمـا رأيـتُ الجـهلَ فـي الناس فاشيا ً
تجــاهلتُ حـتى ظـُـنَّ أنـيَّ جـاهلُ

فواعجبـا ً, كـم يـَـدَّعي الفضلَ ناقصٌ
وواأسـفا , كـم يـُظهـرُ النقصَ فاضلُ

وكيف تنامُ الطيرُ في وُكـُناتها
و قد نـُصبتْ للفرقدين الحبائلُ

ينافسُ يومي فيَّ أمسي تـَشرُّفا ً
وتحسد ُ أسحاري عليَّ الأصائلُ

وطال اعترافي بالزمان وصرفه
فلستُ أبالي من تغولُ الغوائلُ

فلو بانَ عَضـُدي ما تأسفَ مـَنكبي
ولو مات زَندي ما بكتهُ الأناملُ

إذا وصَــفَ الطـائيَّ بـالبخل ِ مـادِرٌ
وعـَـيَّرَ قــُسَّـا ًبالفهاهـة ِ بـاقلُ

وقـال السُّـهي للشـمس ِأنـت ِخفيـَّـة ٌ
وقـال الدُّجي للصبح ِلونـُكَ حائلٌ

وطاولت الأرضُ السماءَ سفاهة ً
وفاخرتْ الشُهـْبَ الحصى والجنادلُ

فيــا مـوتُ زُرْ , إنَّ الحيـاة َذميمـة ٌ
ويـا نفسُ , جـِـدِّي , إن دهـرَك ِهازلُ







موطن في البال



قد يجبر الإنسان أن ينتقل من مكان إلى أخر، فيولد في موطن - تنسمت أنفاسه هواه - ثم يشاء القدر أن ينتقل إلى غيره، حيث يكبر فيكبر معه شعور بالحنين إلى الماضي بما يضمه من ذكرى طفولة تترك الأثر الأعمق في نفس هذا الإنسان..



تحت إزاره الأزرق

المنشور فوقنا كالغطاء،

كانت أحلامنا

وكانت أمانينا تزهر

كنّا نرسل أصواتنا


مع نسمات الصّباح،


أنغاماً تنثرُ تقاسيماً

للسّامعين تبهِر

نروحُ و نغدو بين حقولِه

عابثين بسويعات الحياة

للبراءة ...

للحبّ ننشر

في البراري،

بين عرصات الجمال

وفي فضائه الرّحيب نلهو ونُبحر

كنّا أشبال غابه

أطيار عشّه

تغار يداً من وحي صمته

قناديلاً كنّا في ظلمته

للقريب...

للبعيد تقمِر

* * * * * * * * * *

في أحضانه الدّافئة

كما حضن أمّنا الوالدة

عشّ أحلام تتفتّق

براعم خيال تحكي فردوسها

عنوان قصيد لأيّام خالدة

في أحضانه الدّافئة

بسمات صغار

تملّكها الحُسن،

ناعمة الحسّ كشمسٍ غاربة

في أحضانه الدّافئة

أقمار في فلكه تدور

دوران المجنون

حول عيون ليلى العاشقة

في أحضانه الدّافئة

أخذتنا نشوة الصّبا

سَكرةً لذيذة الذّوق

فعدونا خلف الفراشات الحائرة

نلثم بقايا الصّبا

نعانق نور الذّكرى

بقلوب عامرة.

رشيد أمديون


Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة