الوصف

رواية «المصري» والهوية الثقافية والاجتماعية

اعداد: رشيد أمديون

رواية «المصري» للدكتور محمد أنقار. منشورات باب الحكمة. اصدرا 2014.
كتبت يوما، منذ بضع سنوات، عن الإيهام في المجموعة القصصية "البحث عن فريد الأطرش" للروائي والقاص الراحل محمد أنقار. وعنونت المقال بـ"إيهام القارئ في البحث عن فريد الأطرش". وذهبت إلى أن المبدع محمد أنقار استطاع أن يوهم المتلقي من خلال عنوان المجموعة القصصية، أنه أمام بحث مستمر عن قامة فنية تمثلت في فريد الأطرش. فيظل أثناء قراته مسكونا بهم البحث ودواعيه رغم أن اسم فريد الأطرش لم يرد ذكره إلا مرة واحدة في النص الأخير... هذا الإيهام الذي استخدمه الكاتب في منجزه القصصي "البحث عن فريد الأطرش" هو نفسه الذي نجده في روايته المصري. فالمتلقي يتوهم بمجرد قراءة العنوان أنه إزاء عمل روائي بطله شخصية مصرية، إلا أن قراءة النص إلى النهاية تزيح عنه حيلة الإيهام، وخاصة حين يتضح أن بطل الرواية مغربي تطواني، أي نعم، هو مولع بمصر وأدبها وبأعمال نجيب محفوظ بالخصوص، إلا أنه مرتبط ارتباطا قويا بمدينته تطوان، فيأخذنا في دروبها وأزقتها وحاراتها وحركة الناس بها وما استجد فيها من مظاهر معمارية وأخلاقية واجتماعية... وهذا الهوس هو ما دفع السارد أحمد الساحلي إلى التفكير -بعد التقاعد- في كتابة رواية عن مدينته محتذيا نهج نجيب محفوظ الذي عرّف بالحارة المصرية من خلال رواياته.. فتدور فصول الرواية حول هذا المبتغى (كتابة رواية) وإصرار السارد على هذا المشروع معتقدا أن الكتابة عن مدينته بمثابة استمرار لحياتها ووجودها وحفظا لها من مظاهر التشويه المعماري والأخلاقي والاجتماعي..
ويتوهم السارد أن الدور الذي بقي له في الحياة يتمثل في تحقيق هذا المشروع الأدبي. فبعد التقاعد صار يشعر أنه مقبل على الموت. من أجل ذلك يواجه الظروف التي تحول بينه وبين تحقيق مشروعه، ورغم تحديه وإصراره إلا أنه يفشل في النهاية.
يؤسس الكاتب هذا النص "المصري" على تفكير نسقي في دواعي الكتابة ومستلزماتها ومعيقاتها ومحبطاتها.. فهي في مجملها تمثل هما شاغلا لفكر السارد الذي يطمح في كتابة روايته، وبهذا فتقنية "الميتا رواية" (ما وراء الرواية) أعطت للنص بعدا جماليا وفتحت أمام القارئ عوالم أدبية وفنية أشرك فيها الكاتب القارئ وسار به نحو فضاء من التخييل والتصوير وتشكيل المتخيل السردي وطرح المفارقات والصيغ الملائمة لدعم فكرة ضرورة صيانة ذاكرة المدن وحفظ الهوية الثقافية والاجتماعية من التلاشي والموت.

0 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:

إرسال تعليق

كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة