بقلم: رشيد أمديون
وكنتُ تعمدتُ في معرض الكتاب بالدار البيضاء -هذه السنة- أن أشتري مجموعته القصصية الموسومة بـ "البحث عن فريد الأطرش"... طبعا، لن أخبركم عن الدافع لاختيار هذه المجموعة من بين مجموعات أخرى لنفس الكاتب، والتي كانت معروضة ومن بينها مثلا: "الأخرس"، لن أخبركم لأن العنوان مُخبرٌ عن الدافع الأساس، فهو في حد ذاته مُغرٍ كالثمرة الأولى، ويحتالُ على قارئه، بما يشبه تأجيج قلق السؤال عن ماهية البحث وجدواه.. ولماذا البحث عن فريد بالذات من دون غيره؟
لكننا حين نقرأ المجموعة ندرك أن الدلالة تنكشف، وما العنوانُ إلا أصبع الإشارة إلى مفهوم مختلف، وكذلك تكون طبيعة الأدب كما قال الأمريكي ميشيل ريفاتير: "عندما يقول لنا الأدب شيئاً فإنه يقول لنا شيئاً آخر" وبهذا يكون المفهوم منحصرا في البحث عن قيمة ضائعة أو عن مفتقد كان بالأمْسِ مُزهرا.
ثم، لعل شخصيات هذه القصص التي تضمها المجموعة تجمعها وشيجة مشتركة هي البحث، بداية بالقصة الأولى "بلغ سلامي لعايدة"، وعايدة (داخل النص) هي رمز الثقافة والفكر، وهي "المطلق الأصيل الذي لا حدود له" كما قال بطل القصة..
أما عملية الإيهام التي اعتمدها الكاتب فهي جد بارعة، إذ في الوقت الذي يُوهم المتلقي أن البحث مازال مستمرًا عن قامة فنية مثل فريد الأطرش، (مع اتفاق ضمني أنه لن يعثر عليه)، يتفاجأ نفس القارئ كلما تدرج في القراءة أنه يشعر بمطاردة اسم فريد الأطرش، أو أنه داخل لعبة البحث كما نُبئ بذلك من أول قراءة للعنوان، فيظل أثناء قراته مسكونا بهم البحث ودواعيه، حتى يصل إلى النص الأخير "بالمناسبة.. أين اختفى فريد الأطرش"، ولكن حتى هذا النص بدوره، جاء فيه اسم فريد الأطرش مرة واحدة، قبيل خاتمته، فأومض سريعا كأنه قفز من فكر شخصية النص، مثل سهم مفاجئ اخترق ستار النسيان والغفلة، أو كأنه استيقاظ متأخر جدا، فقال: بالمناسبة... أين اختفى فريد الأطرش؟
وهذا السؤال القائم على الاستغراب، والافتقاد، والشعور بنقص ذاتي واجتماعي وثقافي، هو نفسه سؤال غريب في زمن صارت القيم الفنية أمرا لا تبالي به الأذواق الجديدة...
فالمجموعة يجد القارئ فيها نفسه شخصية ممتلئة بهمِّ البحث... شخصية في محور نصٍ مفترض... نص لم يُكتب...
23/03/2016
0 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:
إرسال تعليق
كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)