من الكتب التي اشتريتها مؤخرا بإحدى المكتبات بالقنيطرة، كتاب «الأوبئة والمجاعات بسوس وواد نون (ما بين 1900م و1945م) التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للجنوب المغربي» للدكتور محمد أيتجمال، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر/2020م. بعد قراءة صفحاته التي بلغت 531 صفحة، رأيت كما العادة أن أتشارك معكم في هذه التدوينة بعض مواد ومضامين هذا الكتاب الذي هو في الأصل أطروحة جامعية لنيل الدكتوراه، نوقشت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية/جامعة محمد الخامس/الرباط، 14 يوليوز 2017م.
يتكون الكتاب من ثلاثة أبواب لدراسة الموضوع، الباب الأول تناول ما يمكن تسميته "بالتاريخ البئيس" الذي توالت أحداثه المدمرة في شكل توالي لسنوات الجفاف والأوبئة والمجاعات.. ما ارتبط بها من الأزمات والقضايا، كالقضايا الطبية والجدل الفقهي حول موضوع الفرار من الوباء.. وبين الباحث محدودية التأريخ ومشكل الإحصائيات، وعزوف الكتابات التاريخية عن الحديث عن تلك الأزمات بالمنطقة وآثارها السلبي على المعيش، وما رافقها من اضطرابات سياسية بعد توقيع الحماية وضيق اقتصادي ومواسم فلاحية كارثية، وما نتج عن هذا الوضع وهذه الأزمات من ارتفاع في الأسعار وغلاء في المعيشة، وأزمة غذائية، وهجرة سكان المنطقة للبحث عن أماكن أرحب.
ثم انتقل الباحث في الباب الثاني إلى فهم الترابط بين المعطيات الطبيعية والمناخية والمجاعات والأوبئة. حيث إن الباب الأول خصصه الباحث للسرد والتوثيق، والباب الثاني خصصه للربط والتفسير. أما الباب الثالث فتناولت فصوله وقع المجاعات والأوبئة على السكان ومحاولات التجاوز، فعرض نتائج أزمات ما قبل الاحتلال: فاجتماعيا تسببت في خلخلة النسيج الاجتماعي، وأحدثت ثغرات ديموغرافية صعبة التجاوز بسبب كثرة الموتان، كما أثرت على الاقتصاد الهش للمنطقة، فانعدم الأمن وتأثرت بذلك أحلاف المنطقة. كما تنال هذا الباب فصلا في ردود فعل السكان ومحاولات تجاوز الأزمات عن طريق الادخار بما تقوم به بنايات "إيكودار" الجماعية (جمع أكاير: تعني مخازن جماعية) من دور اقتصادي لحماية قبائل الجنوب من الأزمات المتتالية، فبين الباحث كيفية تدبير شؤون مؤسسة إيكودار، وتقنيات التحكم في استغلال المياه في سوس وواد نون وطريقة تدبير الموارد الطبيعية المحدودة، ونظام توزيع وتركيز الحقوق المائية، بناء على أعراف متوارثة تضمن الحقوق المائية، وتقوم عليها مؤسسة "الجماعة" التي تؤدي دورا في تدبير مياه السواقي والتحكم في النزاعات. كما بين الباحث ما يعرفه المجتمع الجنوبي من التكافل الاجتماعي زمن الأزمات. وتطرق أيضا إلى الغذاء البديل زمن المجاعات والأزمات، ما يشكله من بديل يبقي على حياة الناس. ثم بين دور الدين والمعتقدات خلال تلك الفترات (صلاة الاستسقاء/ولائم المعروف/طقس تاغنجا..). ثم تعرض لدور الزاوية -الديني والاجتماعي- وما تستمده من غنى مادي يدعم ويمتن دورها الروحي...
وهذا الباب جعله الباحث للقراءة والتأويل، حيث يمكن اعتباره مزيجا من المقاربة التاريخية والأنثربولوجية التي حاولت أن تقرأ من خلال اللفوف القبلية والنصوص الفقهية والفتاوى وكذا الآثار المادية (إيكودار) والسواقي وغيرها.. حيث إن هذه الآثار المادية هي مجالات نصية ورمزية تتداخل فيها أقوال الفاعلين.
إن تناول المؤلف لتاريخ المجاعات والأوبئة بسوس وواد نون يعد مدخلا لكتابة تاريخ اجتماعي واقتصادي وسياسي (حسب د.الجيلالي العدناني) فالباحث كتب تاريخ ذلك المجتمع انطلاقا من أزماته وردود فعله. وتناول منطقتين تمتدان على أحد أهم المحاور التي تربط شمال المغرب بجنوبه وكذا بامتداده الصحراوي والإفريقي. وهذا البحث يقدم موضوعا مهما عن تفاعل التاريخ والمجال والثقافة وألوان هذا التفاعل بين أدوار كل عامل في تشكيل مجموع وقائع الفترة الممتدة ما بين 1900 و1945م، وإن كانت تمتد إلى ما هو أبعد وأقدم من هذا التاريخ، بل لها تبعات قوية في واقعنا المعاصر.
رشيد أمديون
بسيدي علال التازي
24 أبريل 2021
0 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:
إرسال تعليق
كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)