الوصف

ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة


لا غرابة في أن المرء يميل أحيانا إلى العزلة والاختلاء بذاته، والدخول في عالم لا مرئي غير أنه محسوس، لكن عزلة عن عزلة تختلف!
أعني أن هناك من يستغلها في ممارسة ما يخشى أن يمارسه في العلن وأمام الملاء. وهنا لن أتحدث عن الوجه السلبي لهذا المفهوم بل عن الوجه الإيجابي، وعن العزلة التي تترك أثرها في نفس الإنسان فيقر بحقيقته التي قد يخفيها عن الغير...
فمثلا الذي يرائي الناس ويخدعهم لا يستطيع أن يخدع نفسه عندما ينفرد وحده، ولا مجال عنده للمكابرة أمام حقيقته الواضحة.. 
وهناك من يُمدح ويُثنى عليه (بضم الياء) فهل يا ترى يذم نفسه لما يعلمه من نقص فيه؟
قال ابن عطاء الله السكندري: «الناس يمدحونك لما يظنوه فيك، فكن أنت ذاما لما تعلمه منها».
شكر الناس وثنائهم ومدحهم قد يوجه لنا، لكن كل واحد أدرى بحقيقة نفسه « فأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس».
فلنحذر غرور النفس الذي يأتي من مدح الآخرين لنا.


أمراض كثيرة تتراكم في نفوس البشر لا يعالجها طبيب بدواء، ولا عطار بأعشاب، لكنها تتجدر إن لم تكن هناك محاولة للتغيير والإصلاح والتصويب وتكملة النقائص. هناك من تفسد نفسه فسادا لا يمكن أن تستبين الحق فيها من الباطل، وربما تعودت العيش في ضلالتها وغيها كما يتعود جامع القمامات العيش بين الفضلات والأقذر دون أن يزكُم أنفه من روائحها أو تؤديه مقابحها..
تنظيف البدن من الأوساخ، والبيوت من النفايات أمر جميل تقتضيه النظافة للحفاظ على حسن المنظر، لكن هل من محاولة لتنظيف القلوب وتنقية النفوس، أو بالأصح تزكيتها ، لما الهروب من نقض الذات ولما الهروب من الاعتراف بالذنب.

أعود فأقول: أن العزلة مفتاح لباب التزكية وتطهير النفس من شوائب كثيرة، كما أنها يقظة يراجع الإنسان حينها أفعاله التي كثيرا وكثيرا جدا ما يخطئ فيها، وقليل ما يعترف بخطئه - (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) قرآن - وكأنه يملك ناصية الصواب دائما.
إن القلوب والخواطر لا يعلمها  إلا عالم السر وما يخفى، لكن الأفعال تترجم النوايا والخفايا و تترك الأثر في كل تصرف، وبتطهير الباطن يسلم الظاهر وتنحل عقدة التناقض التي كانت بينهما.

والعزلة والخلوة لمدة قصيرة قصد المراجعة وتهذيب سلوكيات النفس، تعطي المرء الطمأنينة والثقة بذاته.. فتغيير كل المشاعر الخبيثة (الرياء والحسد والحقد والبغض..) أمر مطلوب لأنها تُظلم القلب وتعمي البصيرة، فيا سعد من غير ما بنفسه ونظر إلى حاله وأمعن وتدبر..
أكد ابن عطاء الله السكندري هذا المعنى حين قال حكمته الجميلة:
« ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة»
لأن المرء قد لا تفيده كثرة مخالطة الناس في تغيير سلوك أو فكرة أو تحديد هدف .. لكن قد تفيده خلوة أو عزلة يدخلها- طبعا لمن كان له قلب وبصيرة - فتفتح له بابا من التفكير والتدبر والتأمل مما يكوِّن له حركة عقلية يهتدي على إثرها إلى إدراك الخطاء و الصواب.

 
أبو حسام الدين

خواطر حول نبي الإسلام

كانت ولادة محمد بن عبد الله (صلى الله عيله وسلم) رحمة للعرب خاصة - ورحمة للعالمين عامة - فهو جاء في فترة كانوا فعلا أحوج الناس لرجل مثله كي ينقذهم من طاغوت الكفر، والجهل، والظلم؛ لا أظن أن العالم شهد من قبل رجلا مثله؛ حقا فهو الإنسان الذي وصل درجة الكمال البشري، ولن نبالغ في هذه الكلمة لأن الدارس لسيرته يدرك جيدا مدى صحة هذا القول، ويدرك أنه الرجل الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، لكنه علّم جيلا، وأي جيل! شعب كان يعيش في مزبلة العالم، لا يدرك شيئا عن الحضارة، ولم يكن له نظام يحكمه... يقتتل بينه لأتفه الأسباب، ويأكل القوي منه الضعيف، ويحتقر الرجل منهم المرأة.. لكن الأقدار شاءت أن يأتيهم المنقذ، ليس بمَلك ولا برجل خارق! فقط هو رجل منهم يعرفونه ويعرفون أمانته وصدقه، يكلمهم بلسانهم، ويعيش معاناتهم وآلامهم.  لكن هذا الرجل الذي تحمل الأذى وصبر، أحيا أمة من العدم ..لم يستطع أحد أن يصنع ما صنع؛ إنها الحقيقة، ولقد أحياها فبلغت حضارتها بلاد أسيا.. وبلاد إفريقيا.. أماكن ما كان يحلم عربي في صحراء أن يبلغها أبدا.. هذه أمور تبدو لنا بديهية لأول وهلة، لكننا إذا أمعنا النظر وتدبرنا، وجدنا أن هذا الصنيع لا يصنعه إلا العظماء.
إن محمد غيّر مجرى التاريخ
؛ إن كان كل فيلسوف وكل مفكر يترك بصمات فكره عبر التاريخ، فإن نبي الإسلام قد ترك أمة وحضارة وأخلاقا.. ترك إرثا من القيم... إننا نحن المسلمون قد يعني لنا شخصه الشيء الكثير، ذلك لأنه رسول الله الذي أوحي إليه... لكن هل يعني لنا أنه شخص لم يسبق له مثيل في تاريخ كفاح البشر؟ هل يعني لنا أنه المنقذ من الضلال..؟ حتما إنه كذلك فقد حمل وصفا جميلا وصفه به القران أنه (يخرج الناس من الظلمات إلى النور)..
إن من يكره محمد قد يكون حقده منبعث من عقيدته الفاسدة، أو عدائه للإسلام.. لكنه لا يستطيع أبدا أن ينكر أنه من الرجال الذين أبهروا العالم، ولا يستطيع أن ينكر عبقريته الفذة وأخلاقه السامية..
الذي يزيد إعجابي أن هذا النبي هو الوحيد الذي عرفنا عنه كل شيء، صغيرا كان أو كبيرا، ذلك أن أتباعه وصحابته قد دونوا عنه كل حياته: أقواله وأفعاله، وحتى انفعالاته.. وبكثير من الدقة والتحري، والتفاني والأمانة وصل إلينا كل شيء عنه.
كان كتابا مفتوحا أمام كل العالم! ليس في حياته لبس ولا غموض، إن رجلا مثله لحري أن تتعلق قلوب الكثيرين به، وحتى من غير المسلمين؛
يقول المؤرخ الفرنسي (لاما رنتين) وهو أكبر شعراء المدرسة الروما نتيكية الفرنسية في كتابه (تاريخ تركيا): (إن عظم الغاية وصغر الوسائل وقلة الموارد ... والنتائج المدهشة هي ثلاث معاير لعبقرية الإنسان، فمن يجرؤ علي مقارنة أي رجل في التاريخ بمحمد).
إن كل ما أُلف من كتب عنه وعن شخصيته، وكل ما قيل عنه لم يوفيه حقه، لأنه حقا كما وصفته زوجته السيدة عائشة: أنه كان قرآنا يمشي بين الناس، فهو النبي والمربي والمعلم والرئيس والقائد.. فأي رجل يستطيع أن يجمع بين هذا كله؟. 

   في مثل هذا اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وبالتحديد يوم الاثنين ولد سيد الخلق فأشرقت أنوار الحياة.

ولد الهدى فالكائنات ضياء   وفم الزمان تبسم وسنــاء


إني أكتب هذه السطور في الوقت الذي يحتفل المسلمون بذكرى نبيهم العظيم وشمس هداهم، لكن شيئا يحز في نفسي وأنا أتكلم عن شخص محمد (صلى الله عيه وسلم)، وأسئلة تعكر صفو خاطري الذي انشغل بمحبة هذا النبي الذي أخذت أكتب عنه كل ما يسري في وجداني، وأنظر بعيني متأملا... ذلك أن أوضاع المسلمين في كل أرجاء العالم لا تسر، والأمة التي كونها محمد -صلع- منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا كثيرة العدد، ولكن للأسف ليست لها قوة؛ كانت خير أمة أخرجت للناس.. فهل هي اليوم كذلك؟ لا أظن!.
المسلمون اليوم في مؤخرة الركب، يلزمهم أن يلحقوا بالأمم الأخرى مائة سنة، وهيهات أن يكون ذلك! لأن مائة سنة للالتحاق بالركب تعني أن الأمم الأخرى يجب أن تنتظر، أن تقف بدورها حتى نستوي معها، وهذا لن يحدث فهم في تقدم مستمر وفي عمل دائم..
الذي أريد أن أقوله بهذه المناسبة، أني تخيلت لو أن محمدا -صلع- بعث إلى عصرنا هل سيعجبه حالنا؟ كل ما تخيلت أن يقوله: هل هذه أمتي التي كافحت من أجلها؟
وأنا على يقين تام، أنه لو بعث من جديد، لحل كل مشاكل العالم..! وليس مشاكل المسلمين فقط، ذلك لأنه رحمة للعالمين.
لكن هل يجدر بنا أن ننتظر محمدا، كمنقد من جديد؟ أم نشمر عن ساعد الجد، وننقد أمته بسلاح العقل والعلم والمعرفة.. إن المسلمين مطالبون بذلك عقلا وشرعا، فلم يعد هذا العصر عصر التعاويذ والتمائم، والخلاف حول جزئيات ننفخها بالجدال والنقاش.
يكفي ما شاهدته الأمة الإسلامية من سبات عميق، وما جنته من ركودها قرونا بعد أن أنهكت قوتها، وضيعت وقتها في صراعات فكرية مختلفة – معتزلة، مرجئة،خوارج، وغيرهم..- حتى استيقظت فأدركت أنها بين أنياب الجهل والتخلف.
فالعزاء كل العزاء على أمة لا تسمع وإذا سمعت لا تفهم وإذا فهمت لا تعمل.

(البيت الشعري لأحمد شوقي)
أبو حسام الدين

مدح خير الأنام




قال الشيخ الصوفي عبد الرحيم البرعي اليمني في مدح خير الأنام:

أتى عربي الأصـــل من عـــرب فصــــح
وأن المـثاني أنزلت بلـــســـانــــه
بـما خصـصته في الـخطاب من الــمــدح
حوى الشرف الأعلى بمجد مؤثــــــــــر
منيف و أحساب مهـذبة وضـــــــــــح
ورفعـة قـدر زانـها طيب عـنصــــــر
وطول يد أندى من العارض الســـــــح
وعـز جناب أخضـر السـوح دائمــــــا
إذا اغبرت الأفاق منهمر الـــــسّـــوح
تلــــوح عــليه شـيمة هـاشـمـيـــة
جلال أبيه البر أو عـــمه اللـــــــح
خلاصة سر السر من عز غالب أولو الفضل
لا شهم ولا جـــمـــــح الــجمــــــح
تسلل في الأصـــــلاب من عهــــــد أدم
فسار مسير الشمس في طالح النطــــــــح
وأشرق في شرق البلاد وغربـهـــــــــا
سناه وما أبقى إلى الشرك من جنـــــح

هو الشيخ عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليمني، نسبته إلى( بُرع) جبل بتهامة. وأختلف في تاريخ وفاته بين من يقول أنه توفي سنة 803 هجرية، ومن يقول أنه توفي في منتصف القرن الخامس الهجري، وقول أخر أنه كان من الأحياء في القرن العاشر الهجري ..
للبرعي ديوان مشهور (للتحميل) فيه قصائد في تمجيد الله عز وجل، وفي المدح النبوي وفي الاستغفار، وفي مدح آل البيت، وفي التشوق لمكة والمدينة، وغير ذلك.. .
مميزات شعره أنه يمتاز بالسلاسة، والإشراق والسهولة. 


محمدٌ سيد السادات مَنْ وطئــــت
حجْبُ العُلا ليلة المعراج نعــلاهُ
ومثله ما رأت عيــنٌ ولا سـمعت
أذنٌ ولا نطقت في الكون أفــواهُ
كلُ الملائكِ والرسْلِ الكرام علـى
فَصّ الجلالةِ شكلٌ وهْوَ معنـــــاهُ
راحي وراحة روحي أنت أنت فما
ألذ ذكـــــــرك في قلبي وأحلاهُ
يا سيدي يا رسولَ الله خذ بيـدي
في كلّ هولٍ من الأهــوال ألـقاهُ
فاسمع جواهر مدح فيك حبـــرها
حبر إذا ما هاج بحر الشعر أملاه
مهاجرية افتـرّت كمـائمهــــا
عــن نعـت مدح ثناه لا ثناياه


الصبر

  
أذكر وأنا لازلت يافعا أني قرأت حديثا للرسول الله (ص)، والذي يقول فيه : (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم).
كانت كلمات هذا الحديث واضحة المعاني أو كما يقول أهل الاختصاص (واضحة
الدلالة) خاصة أنها لا تحتاج إلا إدراكا بسيطا للغة العربية، فاستنتجت حينها أن مخالطة الناس أمر يُرغب فيه الإسلام... لكن أمورا بقيت في سري، تُكَون أَشكالا من علامات الاستفهام...
ربما يقول أحد مثل ما قلت حين قرئت هذا الحديث للأول مرة: ما الأذى المقصود في الحديث؟ ولماذا هناك ارتباط بين مخالطة الناس والأذى؟ و هل مخالطة الناس تأتي بالأذى؟

لم أكن أفتقد لفهم مغزى هذا الحديث، إلا شيئا واحد هو التجربة...
التجربة التي أدركت من خلالها أن مخالطة الناس شيء ليس بالسهل، وأن الأذى لا بد أن يلحق كل من نزل إلى المجتمع واختلط ببني جنسه، سواءا الأذى المعنوي أو المادي، فلا فرق فكل تحت اسم واحد، لأن المجتمع مليء بأنواع متناقضة من السلوكيات ومقابل كل عمل خير تجد نقيضا له في الشر، طبائع البشر تختلف هناك من غلب عليه الخير وهناك من غلب عليه الشر...
أمام كل هذا لا يجد الإنسان السوي سلاحا يدفع به الأذى عن نفسه، فهو قد يظلم قد يهان بلا ذنب، وربما فكر أن يهرب من المجتمع، أن يعتزل، ولكن الاعتزال شيء غير مجدي...فالحديث يجعل الخيرية في المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على ما يلقاه من الأذى.
أدركت أن السلاح الوحيد الذي قد يلجأ إليه الإنسان فعلا حين يصيبه الأذى هو الصبر والذي ذكر في الحديث السابق، وهو الذي- أي الصبر- أوصى به لقمان ابنه حين كان يعضه (
يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ) لقمان:17 .
وهو الذي أمر به الله تعالى نبيه محمد (ص) حين اشتد عليه الأمر في تبليغ الدعوة الإسلامية: (
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الأحقاف:35
(
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) [القلم:48
لاحظت أن كل أمر صعب وعزيز إلا وقَرن معه الإسلام خاصية الصبر، لكونه علاجا يمكنه أن يفي بالغرض، ولكنه دواء مر يقتضي مجهودا ومعانات طويلة حتى يؤتي أكله. عندما كنا صغارا كنا نحفظ حكمة جميلة تقول الصبر مفتاح الفرج – مع أن بعض الناس حسبها حديثا- وكنا نرددها كلما ضاق الأمر .

أبو حسام الدين

المحبة


لقد أعطانا الله من المحبة الحظ الأوفر، إلا أنه قونا عليها، والله إني لا أجد من الحب ما لو وضع في ظني على السماء لانفطرت، وعلى النجوم لانكدرت، وعلى الجبال لسيرت، هذا ذوقي للمحبة، لكن قواني الحق فيها قوة من ورثته وهو رأس المحبين صلى الله عليه وآله وسلم، إني رأيت في نفسي من العجائب ما لا يبلغه وصف واصف، والحب على قدر التجلي، والتجلي على قدر المعرفة، وكل من ذاب فيها، وظهرت عليه أحكامها، فتلك المحبة الطبيعية، ومحبة العارفين لا أثر لها في الشاهد، فإن المعرفة تمحو أثارها لسر لا يعرفه إلا العارفون، مؤيد باسمه القدوس عن تأثير الكلام المحسوس.

الشيخ محي الدين ابن عربي

 

الشباب بين الإستقامة ومطرقة الشهوة


الشباب كلمة لا يعرف قمتها إلا شيخ أو كاهل، هو ربيع العمر الزاهر وفترة منيرة من حياة الإنسان تبرز فيها القوة سواءا الفيزيولوجية أو الفكرية والذهنية. وهو أطول فترة يقضيها الانسان من عمره مفعما بالحيوية والنشاط... ولهذا قال الشاعر أبو العتاهية وهو يرثي صباه:
ألا ليت الشباب يعود يوما ** فأخبره بما فعل المشيب
في هذه الفترة تشتد طمحات الشاب في تغيير نفسه وبيئته، ويعمل جاهدا لفرض وجوده في ميادين مختلفة، على حسب التكوين الشخصي والنفسي... لكن الإشكال الذي يبقى مطروحا هو معانات هذا الشاب التي تبقى النقطة المظلمة في حياته، والعائق الذي يجعله يرجع أشواطا كان قد قطعها.
فقضية الاستقامة، فكرة تنبت في ضمير كل شاب عنده الرغبة في تغيير ذاته ونفسه، ولكن يبقى المبتغى صعبا، يتطلب القوة وطول الصبر كي يكون فعلا شابا مستقيما، وذلك لعدة عوامل يتداخل بعضها ببعض.
مع أن الإسلام جعل حل مشكلة الشاب الجنسية في الزوج، إلا أنه ربطها بالجانب الاقتصادي، بحيث أن الإستطاعة عنصر مهم في الزواج، سواءا كانت استطاعة اقتصادية، أو معنوية، لكن أغلب الشباب يعاني من الجانب الاقتصادي أكثر من أي شيء أخر، وذلك ناتج عن غلاء المهور وتكاليف الزواج التي تساير العصر الحالي... زيادة على هذا فإن فرص العمل قد لا تتوفر، أو حتى لو توفرت قد لا تفي بمستوى معيشي يرتقي إلى لا بأس به.
مثل هذه التحديات تجعل جانب الزواج في حياة الشاب الصاعد جانب ميئوس منه، وشيء بعيد المرام.

فكيف يتعامل إذا مع تحديات الرغبة الجنسية، ريثما تنحل مشكلة العقدة الاقتصادية ؟
إن طلب الاستقامة في ظروف المجتمع الفاسدة، والمؤثرات الجنسية لشيء عسير، وقد يبلغ نسبيا مبلغ المستحيل! خاصة وأن تهييج الشهوات أصبح عند البعض فنا من الفنون، فالسنما الجنسية والفيديو كليب الذي يعرض على الجميع جزء من التحدي الصعب، وكذلك العري المتفشي في الشوارع، وطرق الإغراء النسوية سواءا عن قصد أو غير قصد أمر ليس بالهين!
إنها مخاطبة الغرائز..!
في ظل الوضع الذي ذكرناه، يبقى الشاب يتدحرج ما بين دافع الاستقامة، وبين سطوة الرغبة الجنسية..! وقد يؤدي به الأمر الى الإنحراف، ضاربا بقيم الدين والأخلاق عرض الحائط، فينزلق في مزالق الادمان على الممارسات الجنسية الغير شرعية... التي قد تؤدي بدورها الى أمراض وخيمة كأمراض العصر المتفشية، وفوق رأسها السيدا! التي أصبح عدد المصابين بها في تزايد سريع. إنها سلسلة متناسقة من الإشكالات، تفتقر إلى الحلول في ظل مجتمع يستهلك ثقافات غربية، يحسبها البعض أنها التحضر والتقدم، وقد يرى أخر، ممن ينادي بصوت خافت أنه ليس هناك في الحياة مجال يسمى مجال (محرمات)، فالكبت يعني حرمان الانسان من المتعة التي أوجدت فيه... مثل هذا النوع ينساق وراء شهوته فلا يعود تراوده فكرة الزواج، ذلك لوجود بديل، وفرص رخيصة لإشباع رغباته -دور دعارة وأماكن يعرفها القاصي والداني- وهناك من تجرفه اللذة والنشوة إلى العادة السرية، التي يجد فيها متنفسا لكبته الجنسي، حين يخاف الوقوع في الزنا، فيصبح من الصعب التخلص من هذه الظاهرة التي تعقد الشاب نفسيا وتؤتر عليه صحيا.
إن كل هاته المعانات والتحديات يصطدم بها الشباب اليوم، حين يكون المجال الاقتصاد منعدما ولا يؤهله لتوفير ظروف زوجية ملائمة، وحين يكون الخوف من المستقبل هاجسا قويا يطارده كلما فكر في تكوين أسرة، فمن الصعب المغامرة في تجربة فاشلة قد تعود عليه وعلى أسرته بالخيبة والخسران! فيبقى الأمر على ما هو عليه، ليس له الا الصبر أو الصوم كما تؤكد عليه القيم الدينية.
فهل يمكن للشاب أن يداوم على الصيام وأن يحافظ على صبره من النفاد إن كان يطلب الاستقامة في مثل الأوضاع الاجتماعية التي ذكرناها ؟
إن الإسلام فعلا أعطى الحل الأمتل لهذه المعانات، وحد حدود لكل الشباب لا يجب تخطيها، فهو أمر بغض البصر وحصن الفرج، واعتبر كل من ليس بمحرم أجنبي وجعل الزواج بديلا للانسان عن علاقات محرمة، كما حث أن يتزوج الشباب إن بلغوا الاستطاعة التي ذكرناها، ونادى إلى عدم الغلو في المهور إلى أخر ما جاء في السنة المطهرة...
ولكن ألا نسأل أنفسنا أين الخلل بعد كل ما ذكرنا من تحديات تواجه أي شاب من مراهقته الى ان يبلغ أشده...
لابد وأن الخلل في ثلات أشياء لا يتعدى ذلك:
إما أن الحل الديني لا يتناسب مع مقتضيات العصر، فقد تغيرت الثقافات والتقاليد كذلك. وإما أن الخلل في الشباب نفسه، لكونه شباب غير صبور، ومندفع دائما وراء التقليد الأعمى للدول الغرب.
وإما أن المجتمع هو المسؤول على ذلك، فهو مليء بكل المغريات التي تجذب الجماد فضلا عن الانسان...
إذا فهل وجود الخلل، وعدم معرفة مكانه، يمكن أن يجعل الاستقامة أمنية معسولة ؟




الإنسان الكامل


بمناسبة حلول شهر الربيع أعرض هذه الأبيات للشيخ عبد الكريم الجيلي المتوفي سنة 805هـ

 يا مـحور الإيـجاب والإمكـــان
يا عين دائرة الوجود جـميعــه
يا نقطة القران والفرقــــا
يا كاملا ومكملا لأكامــــــــل
قد جـملوا بـجلالة الرحـمـــ
قطب العاج أنت في خلواتـــــه
فلك الكمال عليـــك ذو دوران
يا سيد الرسل الكرام ومن لـه
فوق المكان مكانة الإمكـــــان
خذ بالزمام زمام عبدك فيك كي
يرخى ويطلق في الكمال عنانــي
يا ذا الرجاء تقيدت  بك مهجتي
بل للمحبة قد دعاك لسانــــي
صلى عليك الله ما غنت علـــــى
معنى تصاوير لـهن معانـــــــي

لماذا..؟


- لماذا تكتب؟
- لأجد ذاتي
- وهل ذاتك منعدمة؟
- إنها منعدمة... نعم منعدمة إن لم أفكر إن لم أكتب
إن لم أرى الواقع كما ينبغي... كما يجب أن يكون
منعدم إن كنت أعيش في الوهم وحولي أوهام وأوهام...
- وماذا عن الحقيقة؟
- الحقيقة..! ذاك الشئ الذي اعتبره بعض الفلاسفة أنه قيمة أخلاقية وفضيلة...
قد تكون كذلك كما قرأت عنها٬ لكن لا أظن أنني أعرفها!
- لماذا؟
لأني لم أجدها بيننا٬ ولم أدركها لا حسا ولا عقلا...

أبو حسام الدين

عيد حبهم...!


لا أجادل ولا أماري٬ أن الحب إحساس جميل٬ وكلمة رنانة٬ شيء ذو وجود٬ حاضر في غرائز البشر٬ له سلطانه وقوته؛ ولكن لماذا إن ذُكرت هذه الكلمة لا يسبق إلى عقول البعض إلا مفهوم واحد٬ وهو الحب بين الرجل والمرأة؟
أرى ويرى معي الكثير من الناس٬ أن الحب أوسع واشمل وأعمق٬ من أن يكون فقط علاقة بين الحبيب والحبيبة٬ فمرونة هذا المعنى الحساس تشمل أولا وقبل أي شيء آخر: حب الله ورسوله٬ الذي اعتبره العارفون بالله٬ انه الطريق الأصح لبلوغ اليقين و الإحسان ...
أما حب الوالدين٬ والأهل والوطن٬ فتلك أمور نحملها معنا في نفوسنا٬ لكن البعض منا قد لا يلمسها إلا إذا افتقدها٬ أو إذا ضاعت منه.

العالم اليوم مشغول بعيد الحب...وللأسف! بعض من أبناء جلدتنا يحتفلون معهم كذلك. وكل ما املك أن أقوله هو أني أسأل:
هل ما يقع في فلسطين٬ حب؟ وما يقع في أفغانستان٬ حب؟ وما...في العراق٬ حب ؟ وما يقع ... وما يقع...حب؟ ربما يكون كذلك في عرف الظالمين! أو ربما أنه من نوع أخر٬ لا ندركه نحن!؟
ولكن الذي بهمنا نحن٬ هو كيف نحتفل بحب نجهله؟

استوردنا كل شيء٬ صغيرا كان أو كبيرا٬ مصنوعا أو مبتدعا... لا ننتج٬ بل نستهلك٬ حتى أصبحنا نستورد الأعياد التي ليست لا من ثقافتنا٬ ولا من ديننا.

أسف أن أقول: أن مظاهرا لمحبة بين الناس نادرة. في مجتمعنا لا يوجد إلا حب النفس هو الذي له الطابع الغالب٬ وما دمنا لم نتخلص من أنانيتنا فسيبقى الحب شحيحا٬ ولو احتفلنا بعيد حبهم.

أبو حسام الدين

أنا وحدي



يقول الصوفي عمر ابن الفارض المصري (إمام العاشقين):


أنا وحدي بكل من في حــمــاك

فيك معنا حلاك في عين عقــلي

وبه ناظــري معنــى حــــــلاك

فقت أهل الجمال حسنا وحسنـا

فبهـم فاقـة إلى معـنــــــــــــاك

يحشـر العاشقون تحت لوائــي

وجميــع الملاح تحت لــــواك

ما فنـاني عنك الضنى فبماذا؟

يا ميليـح الدلال عني ثنــــاك

لك قرب مني ببعدك عـنــــي

وحنــو وجدته في جفـــــــــاك

علم الشوق مقلتي سهر الليـــل

فصارت من غير نوم تـــــراك

ذكرى على وتر الحب





 تسائلين ما للهوى خرس،  

وسكن دجاك،
 
وأبان عن فراغ حالك

تسألين أين الرياض؟

وأين الريحان

والروابي المخضرة،

وعصافيرا غردت بأنغامك

أين جنانك المزهرة؟

أين مجد الحب الذي كنت له مالك؟

تشتاقين لكلماتي المعطرة،

ورسائل الشوق المبعثرة،

وجنون القصيد بذكرك

تتخيلين السفن التي أبحرت بأحلامك في خضم،  

تتمنى موجاته لثم تغرك

تحكي لك هواها،

وقصة سندباد ها العاشق.

أمات بسيف لحظك؟

تقولين : قلبكَ الدافئ عانقني أمس فسباني... 


ترى أمازال للدّفء يمطر؟

وعُودك، كانت تنغمني أوتاره،

به لحنتَ أغنية الحب!

فهل يا ترى كسِرْ؟

أتذكر يا رفيق عمري مسامرةً

ضمنا ليلها الخجول المقمرْ

داعبنا نوره بلطف،

وأهدانا كأسه المسكرْ

شربنا نشوة السمار،

فأرخينا أشرعة الخيال

بها نبحرْ.
   
 يا رفيق عمري

ذاك زمان ولّى...

أطلاله في خاطري باقية،

فمن يحكي عنه، ومن يخبرْ

لم أعرف أنّي سأحيا في حبكَ، ثم أموت

لم أعرف أنك لحبّي في لحد النسيان تقبرْ.


سمنون المحب


(ادعوا لعمكم الكذاب)، عبارة قالها منذ زمن قديم رجل صوفي، اسمه أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص، الملقب بسمنون المحب ، و قد عاش هذا الرجل في بغداد في فترة كان فيها المجتمع يعج بنقيضين: البذخ والترف من جهة ، والزهد والتقشف من جهة أخرى. وقد عاصر سمنون رجال التصوف المشهورين أمثال: أبي منصور الحسين الحلاج، والشبلي، و أبي القاسم الجنيد، وغيرهم... ويحكي القشيري في رسالته أن سمنون أبتلي باحتباس البول، وكان ساكنا ولم يجزع ، وسمع من حوله يقولون: سمعنا سمنون يتضرع إلى الله ويسأله الشفاء ، ولم يكن هو قد فعل ذلك، فأدرك أن ما سمعه الناس هو إشارة من الله إليه كي يظهر الجزع، ويتأدب مع الله بأدب العبودية، ويستر حاله وصبره ، فجعل نفسه يدور على الصبيان في الكتاتيب، ويقول: (أدعوا لعمكم الكذاب)، ذلك تلبية لتلك الإشارة الإلهية. 
.
يعتبر سمنون المحب، من شعراء الصوفية الذين نظموا الشعر الغزلي كابن فارض المصري، وابن عربي الأندلسي، ويغلب على شعره طابع المحبة، ولهذا لقب بسمنون المحب. ويحكى أنه كان جالسا على شاطئ دجلة، وبيده قضيب يضرب به فخده، حتى بان عظم فخده وساقه، وتبدد لحمه وهو يقول:
كان لي قلب أعيش به  ضاع مني في تقلبِــــــهِ
ربّ فاردُده عليَّ فقـد   ضاق صدري في تطلًّبِهِ
وأغِثْ مادام بيَ رمقٌ   يا غَيَاثَ المستغيث بــهِ
وله متفرقات شعرية كثيرة أذكر من بينها :

وكان قلبي خاليا قبل حبكـــــــم     وكان بذكر الخلق يلهو ويمزح
فلما دعا قلبي هواك أجابـــــــه      فلست أراه عن فِنانك يبـــرحُ
رُميت ببينٍ منك إن كنتُ كاذباً     إذا كنتُ في الدنيا بغيرك أفـرح

بكيتُ ودمع العين للنفس راحـةٌ   ولكنَّ دمع الشوق يُنكى به القلبُ
وذكري لما ألقاه ليس بنافعـــي    ولكنه شيءٌ يـهـيجُ به الــكـربُ
فلو قيل ما أنت؟ لقلتُ معــــذبٌ    بنار مواجيدٍ يُضرّمـهـا العتْـبُ
بليتُ بـمن لا أستطيع عتابــــه     ويعتُبنـي حتى يُقال لـيَ الذنـبُ

فإن شئت واصلني وإن شئت  لا تصل  فلست أرى قلبي لغيرك يصلح

 

أنا لست في الحقيقة غيرا


يقول الإمام محمد الحراق في بعض أبياته:



أنا لست في الحقيقة غـيـرا أوا للغير دونكم من قيام؟

حكمة الشرع أثبتتني لـمـا سمت الكون كله بأســــام

ونفى جملة انفرادك بالذات والأفعال والنعوث العظام

وإذا كنت في الحقيقة فـردا استحالت حقائق الأنـــام

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة