الوصف

الشباب بين الإستقامة ومطرقة الشهوة


الشباب كلمة لا يعرف قمتها إلا شيخ أو كاهل، هو ربيع العمر الزاهر وفترة منيرة من حياة الإنسان تبرز فيها القوة سواءا الفيزيولوجية أو الفكرية والذهنية. وهو أطول فترة يقضيها الانسان من عمره مفعما بالحيوية والنشاط... ولهذا قال الشاعر أبو العتاهية وهو يرثي صباه:
ألا ليت الشباب يعود يوما ** فأخبره بما فعل المشيب
في هذه الفترة تشتد طمحات الشاب في تغيير نفسه وبيئته، ويعمل جاهدا لفرض وجوده في ميادين مختلفة، على حسب التكوين الشخصي والنفسي... لكن الإشكال الذي يبقى مطروحا هو معانات هذا الشاب التي تبقى النقطة المظلمة في حياته، والعائق الذي يجعله يرجع أشواطا كان قد قطعها.
فقضية الاستقامة، فكرة تنبت في ضمير كل شاب عنده الرغبة في تغيير ذاته ونفسه، ولكن يبقى المبتغى صعبا، يتطلب القوة وطول الصبر كي يكون فعلا شابا مستقيما، وذلك لعدة عوامل يتداخل بعضها ببعض.
مع أن الإسلام جعل حل مشكلة الشاب الجنسية في الزوج، إلا أنه ربطها بالجانب الاقتصادي، بحيث أن الإستطاعة عنصر مهم في الزواج، سواءا كانت استطاعة اقتصادية، أو معنوية، لكن أغلب الشباب يعاني من الجانب الاقتصادي أكثر من أي شيء أخر، وذلك ناتج عن غلاء المهور وتكاليف الزواج التي تساير العصر الحالي... زيادة على هذا فإن فرص العمل قد لا تتوفر، أو حتى لو توفرت قد لا تفي بمستوى معيشي يرتقي إلى لا بأس به.
مثل هذه التحديات تجعل جانب الزواج في حياة الشاب الصاعد جانب ميئوس منه، وشيء بعيد المرام.

فكيف يتعامل إذا مع تحديات الرغبة الجنسية، ريثما تنحل مشكلة العقدة الاقتصادية ؟
إن طلب الاستقامة في ظروف المجتمع الفاسدة، والمؤثرات الجنسية لشيء عسير، وقد يبلغ نسبيا مبلغ المستحيل! خاصة وأن تهييج الشهوات أصبح عند البعض فنا من الفنون، فالسنما الجنسية والفيديو كليب الذي يعرض على الجميع جزء من التحدي الصعب، وكذلك العري المتفشي في الشوارع، وطرق الإغراء النسوية سواءا عن قصد أو غير قصد أمر ليس بالهين!
إنها مخاطبة الغرائز..!
في ظل الوضع الذي ذكرناه، يبقى الشاب يتدحرج ما بين دافع الاستقامة، وبين سطوة الرغبة الجنسية..! وقد يؤدي به الأمر الى الإنحراف، ضاربا بقيم الدين والأخلاق عرض الحائط، فينزلق في مزالق الادمان على الممارسات الجنسية الغير شرعية... التي قد تؤدي بدورها الى أمراض وخيمة كأمراض العصر المتفشية، وفوق رأسها السيدا! التي أصبح عدد المصابين بها في تزايد سريع. إنها سلسلة متناسقة من الإشكالات، تفتقر إلى الحلول في ظل مجتمع يستهلك ثقافات غربية، يحسبها البعض أنها التحضر والتقدم، وقد يرى أخر، ممن ينادي بصوت خافت أنه ليس هناك في الحياة مجال يسمى مجال (محرمات)، فالكبت يعني حرمان الانسان من المتعة التي أوجدت فيه... مثل هذا النوع ينساق وراء شهوته فلا يعود تراوده فكرة الزواج، ذلك لوجود بديل، وفرص رخيصة لإشباع رغباته -دور دعارة وأماكن يعرفها القاصي والداني- وهناك من تجرفه اللذة والنشوة إلى العادة السرية، التي يجد فيها متنفسا لكبته الجنسي، حين يخاف الوقوع في الزنا، فيصبح من الصعب التخلص من هذه الظاهرة التي تعقد الشاب نفسيا وتؤتر عليه صحيا.
إن كل هاته المعانات والتحديات يصطدم بها الشباب اليوم، حين يكون المجال الاقتصاد منعدما ولا يؤهله لتوفير ظروف زوجية ملائمة، وحين يكون الخوف من المستقبل هاجسا قويا يطارده كلما فكر في تكوين أسرة، فمن الصعب المغامرة في تجربة فاشلة قد تعود عليه وعلى أسرته بالخيبة والخسران! فيبقى الأمر على ما هو عليه، ليس له الا الصبر أو الصوم كما تؤكد عليه القيم الدينية.
فهل يمكن للشاب أن يداوم على الصيام وأن يحافظ على صبره من النفاد إن كان يطلب الاستقامة في مثل الأوضاع الاجتماعية التي ذكرناها ؟
إن الإسلام فعلا أعطى الحل الأمتل لهذه المعانات، وحد حدود لكل الشباب لا يجب تخطيها، فهو أمر بغض البصر وحصن الفرج، واعتبر كل من ليس بمحرم أجنبي وجعل الزواج بديلا للانسان عن علاقات محرمة، كما حث أن يتزوج الشباب إن بلغوا الاستطاعة التي ذكرناها، ونادى إلى عدم الغلو في المهور إلى أخر ما جاء في السنة المطهرة...
ولكن ألا نسأل أنفسنا أين الخلل بعد كل ما ذكرنا من تحديات تواجه أي شاب من مراهقته الى ان يبلغ أشده...
لابد وأن الخلل في ثلات أشياء لا يتعدى ذلك:
إما أن الحل الديني لا يتناسب مع مقتضيات العصر، فقد تغيرت الثقافات والتقاليد كذلك. وإما أن الخلل في الشباب نفسه، لكونه شباب غير صبور، ومندفع دائما وراء التقليد الأعمى للدول الغرب.
وإما أن المجتمع هو المسؤول على ذلك، فهو مليء بكل المغريات التي تجذب الجماد فضلا عن الانسان...
إذا فهل وجود الخلل، وعدم معرفة مكانه، يمكن أن يجعل الاستقامة أمنية معسولة ؟




0 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:

إرسال تعليق

كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة