الوصف

رواية جارات أبي موسى


 المقدمة 
رواية جارات أبي موسى كتبها د. أحمد توفيق - وزير الأوقاف حاليا-، إصدار دار القبة الزرقاء، تقع الرواية في 192 صفحة.

    للروية طابع تاريخي مناقبي صوفي، يُحَاكي جزءٌ منها بعض أحداث تاريخية في عهد الحكم المريني بالمغرب، وكذا هجرة الأندلسيين إلى المغرب من أجل التجارة. كما تعرض بشكل واضحٍ الفساد الاجتماعي الذي تفشى آنذاك، خاصة في المدينة التي وقعت فيها أحداث الرواية (سلا)، وكذا استبداد الحكام ومن له السلطة، كما يقابل هذا الواقع ظهور طرق صوفية رافضة لهذا الواقع الرديء المتفشي.
تمثل شامة المرأة الجميلة - الطاهرة روحيا- الشخصية المحورية، هي وشخصية أبي موسى، أما الشخصيات الأخرى فهي ثانوية متعاضدة في تكوين الحبكة القصصية وبناء أحداث الرواية.


  قراءة ملخصة
     كبرت الخادمة شامة الشابة الشقراء الجميلة في بيت أحد قضاة سلا (ابن الحفيد) وكان يحسن إليها. تزوجها (الجورائي) بعد أن أفتُتن بجمالها، وهو قاضي أحد سلاطين الدولة المرينية، أخذها إلى فاس، وبعد أحداث سياسية وقعت في البلاد مات القاضي وتولى ابن السلطان الحكم فخدمت شامة إحدى زوجاتِ السلطان المخلوع، تسمى (أم الحر)، إلى أن أحست هذه الأخيرة بدنو أجلها فأمَرت بكتابة وصيتها ومن ضمنها إعادة شامة إلى بيت القاضي ابن الحفيد حيت ترعرعت سابقا، وهذا إكراما لها بحكم ما تكنه لها من محبة.

    زوّجها القاضي "ابن الحفيد" لرجل اسباني كان قد أسلم على يديه. وكان عاملُ مدينة سلا (جرمون) يحاول مضايقة شامة لطمعه فيها، لكن القاضي ابن الحفيد كان له بالمرصاد، إلى أن توفي فازدادت مضايقات جرمون لعلي وشامة فضيّق عليهما اقتصاديا، اضطرا أن ينتقلا إلى فندق الزيت وهو محطة تجارة بسلا، سكنا معا هناك وبقيت مضايقات جرمون لهما لا تنقطع، إضافة إلى الظلم الذي يُلحِقه بالناس..
جاورت شامة في فندق الزيت رجلا صالحا يسمى (أبو موسى)، لم يكن ككل الناس، رجل لا يحدث ولا يصاحب أحدا. غامض في نظر الناس، رغم ما كانت تتناقله الأخبار عن طريق بعض الحجاج العائدين من الحجاز الذين يؤكدون رؤيته في الحج، لكن جرمون كان يفنّد أقوالهم بعقاب كل من ينشر تلك الإشاعات حسدا من عند نفسه..

    أورد المؤلف حكايات لجارات شامة السبع، كلهن سكنّ الفندق ولهن ظروفهن الاجتماعية التي جعلتهن يلجأن إلى سلا، عرفن بسمعتهن السيئة، مما جعل شامة تتقي مخالطتهن، مادامت أنها لم ترغب أن تغادر الفندق لمحبتها في مجاورة أبي موسى لاعتقادها بصلاحه.
توالت الأحداث إلى أن نزل بلاءٌ على المدينة واحتبس المطر وجفت الأرض والوديان وعانى الناس من القحط والقيظ، وشاع السخط بينهم. لم تمطر السماء لمدة ثلاثة أعوام على التوالي، استسقى الأئمة ولم يستجب لهم. إلى أن اقترح أحد من حاشية العامل جرمون أن يأتي بأبي موسى لصلاة الاستسقاء فإن كان صالحا أمطِرت السماء وإن كان غير ذلك يُنفى من هذه الأرض لأنه يشاركه تلك الهيبة في قلوب الناس التي لا يجب أن تكون إلا لجرومون فقط.
لم يستجب أبو موسى لأمر جرمون بخصوص صلاة الاستسقاء فحبسه، وبعد طلب من المستشفعين رضي العامل أن يطلق صراحه بشرط أن يؤم صلاة الاستسقاء يوم الجمعة. لكن أبا موسى خرج ضحى الخميس مع جاراته في الفندق يجوب الأزقة متضرعا ومن معه، استغرب الناس من السلوك الذي قام به أبو موسى لكون النسوة اللواتي يتبعنه يُعرفن بسمعتهن المشينة. ذرفت الدموع وتطهرت القلوب تضرعا لله أن يغيث عباده بالمطر. كان ذلك في مشهد مهيب.
استنكر هذا الفعل جرمون بإيعاز من المتفيقهين لاستنكارهم خروج النساء للطلب الغيث، وهذا في عرفهم منكر. كما حرضوه على اعتقال أبي موسى لمخالفته لأمره (خروجه يوم الخميس بدل الجمعة وليس لإقامة صلاة الاستسقاء بل للتضرع فقط). أمر العامل أن يبحثوا عن أبي موسى لاعتقاله، فنزل المطر ليلا ونزلت معه الرحمة وحمد الناس الله وشكروه.
لم يستطع جرمون أن يعتقل أبا موسى، بعد أن عُثر عليه تحت شجرة رمان، وقد أسلم الروح لبارئها.

     الرواية تجعلك تعيش أحداثها وإن كان زمنها يعود إلى فترة من تاريخ المغرب، فالكاتب بحكم أنه متخصص في التاريخ، استطاع إبراز مظاهر المجتمع بشكل رائع ومميز، وحتى المصطلحات والأسماء القديمة تناولها مما يجعل القارئ يستشعر أن الرواية حية، أو كأنه يعيش الأحداث مسافرا عبر الزمن إلى الوراء عن طريق أسلوب أحمد توفيق، ووصفه الدقيق وربطها (أي الرواية) بأحداث التاريخ – الكبرى- الحقيقية مع السرد وهذا ما قد نسميه التناص التاريخي.

أبو حسام الدين
شاركت به في مبادرة أمة اقرأ، تقرأ

ما كنتَ شيئا


ما كنتَ شيئا قبل أن أراكْ

رجلا صرت

وادعيت أنك قيس بهواكْ

أعدمت القلب

وقلت في الحب ما لم يقل سواكْ

أسعدت كل النساء همسا

وعدت عابسا...

آلا خاب مسعاك


......

النص كاملا على مدونة لغة الضاد

خبايا الليل


سكون الليل يحف المكان. عمود النور يرسل بعض ضوء خجول يكسر العتمة برفق وعلى استحياء. البيت الكبير الواسع يقبع في مكان منعزل عن باقي منازل الحي. رَكن إلى عزلة، يناجي الليل في خلوته...

في أسفل البيت مرآب واسع بباب حديدي عملاق، تعلو ظهره طبقة من الصدأ، مع بعض بقايا طلاء قديم أوشك أن يزول. أحدث الباب صريرا مزعجا وأنا أجر دفته العالية إلى الخارج. تقدمنا بخطوات واثقة تشق ظلمة المكان، شجعنا ضوء خافت منبعث من إحدى زوايا المرآب، يشير لنا ببصيصه المتعب إلى أن نتقدم نحوه بتؤدة. في الركن كان هناك حيز معزول بحائطين شكلا غرفة صغيرة. وجدنا محمد قد افترش أرض الغرفة الفارغة بحصيريين، وغرس شمعتين على مائدة صغيرة واطئة. الشمعتان تقاومان الظلام بإصرار حارق لحد الذوبان..

 على محمد ومن معه ألقينا التحية والسلام. ركن البعض منا ظهره إلى الحائط، وربع الآخرون أرجلهم في سكينة، متخذين شكل حلقة يتوسطنا نور الشمعتين. رفع خالد صوته الشجي مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم، ثم تلا آيات الافتتاح.
كنت وأنا في غمرة الحديث المتشعب، أنظر إلى وجه محمد من خلف وهج نور الشمعتين. هو من أصر أن نتخذ هذا المرآب مكانا لاجتماعنا بدلا من ضجيج المقهى ونظرات الفضوليين المزعجة والتي لا تنقطع. لم يكن المرآب مؤهلا للقاءاتنا، وإن كان كما يقول محمد يوفر لنا السكينة وجوا هادئا لطرح الأفكار المختلفة ومناقشتها.

كل معلوماتي عن هذا المبنى شحيحة وخجولة، تكاد لا تفسر أمورا كثيرة التقطتها مسامعي من أحاديث تشبه الخرافة. علمت أنه بيت قديم، يعود لأحد أعمام صديقي محمد الذي يزوره على فترات متفرقة، بعد وفاة والدته.
سألت نفسي مرارا:
هل لليل خباياه، أم أن الوهم يفرض حضوره ؟
أذكر ذات ليلة في نفس هذا المكان، اخترق الباب الحديدي صوت صفير حاد، كسر صمت الليل.
تكرر الإزعاج للمرة الثانية في إحدى الليالي بشكل مختلف. ضربة قوية على الباب الحديدي للمرآب. كانت عنيفة تردد صداها وارتجت لها أذاننا. ألقينا نظرة في الخارج، لم نجد شيئا. كنا نعلم أن الوقت متأخر. أن الفضاء المجاور للبيت لا يخصصه الأطفال للهو، فهو في معزل.
بالرغم من كل هذا لم نعط لما حدث في الليالي السابقة أهمية كبيرة.
أن تفسر أمرا يعني أنك تعلم كل شيء.

أعلن الباب الحديدي بصريره المزعج أن أحدا ما قد دلف إلى المرآب. إيقاع خطوات تخترق سكون الليل بطقطقات يحدثها حذاء ذو كعب صلب ، يتردد الصدى بين الجدران، كان الجميع في لهفة مواجلة لمعرفة القادم.
كنت المتحدث. بدا على كلامي الاضطراب. فكرت في جنس هذا الذي يُقبل بخطواته الثقيلة نحونا، أوجست. حوّلت نظراتي من جديد إلى محمد وكأني أستفسره عن الأمر بصمت عاجز، لا أعلم هل فهم رسالتي أم أنه كان أكثر مني دهشة. خرس لساني لحظة، منتظرا القادم أن يقف أمام باب الحجرة الصغيرة، حتى نتبين شكله.
لقد اقترب.
تلاشى الصوت وسط السكون العميق. أصخت مرهفا السمع لعل الطقطقات تعود، والخطوات ترجع أدراجها، أو يظهر لنا صاحبها، أو يتجلى.
تلاشى الكل. نقطة وقوف، كنهاية المسير. انقطع الصوت بلا رجعة...
ترك في تختي السؤال وغادر. أكملت الحديث مسرعا. كانت على الوجوه ملامح الاستفسار لكن الجميع صمت.
انتهت الجلسة.
في الخارج سألت محمد:
- من تراه يكون؟
هز كتفيه باستغراب مبهم، أجاب:
- لا أعلم.

أبو حسام الدين

صمت عنيد


كل الأصوات اختلطت في أذنيه ببقايا صوت هدير الحافلة بعد أن توقفت. صراخ بائع البيض المسلوق... بائع السجائر... ماسح الأحذية... المتسولون بكلامهم المِلحاح... صياح من هنا وهناك:
- الرباط، الدار البيضاء... طنجة، تطوان..
يغادر مسرعا، هاربا من ضجيج المكان المتعب، وقد أشعره بدوار. شيء واحد ظل ملازما مخيلته، بل إنه صوت زاعق لا يملك القدرة على الانفكاك منه ولا الهرب مهما فعل. ضجة أحاديث زوجته العالية التي تشبه الصاعقة، تهز مخيلته التائهة في دروب هذه المدينة التي حلّ بها اليوم...
- أين أنت ذاهب يا رجل؟
سألته ويديها فوق خصرها.
قابلها بصمت عنيد. لم ينظر نحوها وهو يجمع أغراضه في حقيبته الصغيرة.
- سأرحل عنك يا وجه الغراب.
قالها في نفسه وغادر.

كان حر الظهيرة يلفح جبينه ومقدمة رأسه الأصلع، فما كاد يصل إلى سيارات الأجرة حتى تصبب وجهه عرقا.
اندس بجانب أحد الركاب دون أن يكلمه، أحس ببعض العيون ذات نظرات استنكار تتجه نحوه.
انطلقت السيارة المهترئة يتعالى أزيز محركها كلما داس السائق على مكبسها.
بدا على الرجل الذي بجواره أنه يريد الحديث، ويتحين الفرصة...
فتكلم عن أوضاع الفلاح ومشاكله، وقلة المحصول لقلة الأمطار، والماشية والعلف..
ظل ينصت له ويحرك رأسه إلى أن تعب فأدار وجهه عنه، وتجاهل ثرثرته، مستمتعا من خلال زجاج النافدة بحقول السنابل.
كان سائق السيارة ذو الشارب الكث في نشوة غامرة، يدندن على إيقاع أغنية شعبية، منبعثة من مسجل صوت قديم، متسخ..
- (اعطيني الفيزا والباصبور..)
تزداد سرعة المركبة تدريجيا على طريق تآكلت طبقة الإسفلت من حافتيه.
يد السائق تعبث بزر المسجل البائس. يعلو صوت الأغنية أكثر، كلما ارتفع ضجيج المحرك.
طلب منه أن يخفض صوت ذلك الشيء المزعج.. قالها آمرا.
قابل السائق طلبه بصمت عنيد، ودون اكتراث استرسل في دندناته:
- (من كازا لمارساي...)
كرر الطلب بغيض وفظاظة، ونكزه من الخلف بأصابعه الحادة.
بادره السائق بردة فعل عنيفة حين التفت إليه، فاستدار المقود. تعرجت السيارة وفقد السيطرة عليها لتحصد السنابل وسط الحقول على أنغام أغنية شعبية.

أبو حسام الدين

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة