لمحمد شكري أسلوبه الخاص في كتابة الرواية، وله عوالمه أيضا، وله ثيمة تفرَّد بها بين مجموعة من كتاب عصره المغاربة، وهذا واضح من خلال ما كتب سابقا، كمثل روايته الخبز الحافي (1972) التي اعتبرها البعض أكبر إنتاج أدبي للكاتب. ولعل السوق الداخلي لها نصيب من التشابه من الخبز الحافي، ولو أنه تشابه في بعض الجوانب الشكلية، مع اختلاف في البناء والأحداث طبعا. محمد شكري حين يكتب يُكسّر كل الطابوهات، ويكشف المستور وغير المستور، يعري الأشياء ويتمرد على الحواجز، لا حاجز أمامه يقف، كل شيء قابل للقول وكل شيء يستسلم للغة محمد شكري العارية. دون تلميح ولا تزويق يطرح العبارات مباشرة فاضحة أيضا.
إن هذا النوع من الأدب الذي اختار مضماره الخاص لا يرفع نفسه إلى الأعلى لأنه يسلط الصورة كما هي، بتفاصيلها المقززة، خاصة لو جُعلت هي المحور الأساسي. وتتناول الرواية كشف ما يقع في عالم ما وراء الأزقة، والشوارع الخلفية، وهذا ليس غريبا فحينما نقرأ سيرة الكاتب ندرك أنه خبير بالوسط المظلم من المجتمع، وقد لمسه حريق إدمانه وتشرده في طفولته..
محمد شكري في السوق الداخلي يعرض حياة مجموعة من الشباب المدمن الواقع في شباك الرذيلة وغواية الآثام، يعيش حياة العبث بكل أشكالها، وبكل وسائل الإدمان المعروفة، خمرا ومحذرات وجنس وو.. وهؤلاء الشباب (أصحاب الهيبي) كلهم من جنسيات مختلفة ماعدا بطل الرواية المغربي علي التمسماني، الذي، من خلال الرواية يتبن أنه معلم، وقد فكر وقرر أن يقدم استقالته،... يأتي إلى طنجة في عطلة، تعطل فيها زمنه، ويلتقي رفاقه بعد لحظات من المتعة الغريزية استسلم لها.. (العبثية)
كل شخصيات الرواية أناس لا هم لهم غير الإدمان والجنس، ذكران وإناثا، لا همَّ لهم إلا الفسق، والانحلال والتجرد من قيود المجتمع حتى "علي " الذي انساق معهم محاولا الانسلاخ من مجتمعه الفقير الذي تربى فيه وعاشه، ومن نصائح الوالدين وسلطتهم في رسم خيط حياته.
أحداث الرواية هي لحظات عابرة كالنزوات، غير مستقرة، هي عبارة عن علاقات عابرة بين شخوصها، أما الأماكن فهي متعددة لكنها محددة الاختلاف، وتكاد تتشابه في رابط واحد يربطها وهو ما له علاقة بالإدمان والتفسق، (الحانات، المطاعم، الفنادق)، وتماما كشخصياتها الغاوية. وحتى أن الكاتب يصف بإيجاز الشخصيات الثانوية الجانبية وهي أيضا إما عاهرات، أو متسولين، أو مرضى بالكبت... أكاد أقول أن الرواية ليس فيها مكان أبيض لشخوص معتدلين، سالمين.
كما أن الأماكن في الرواية متعددة، فقد أولى له الكاتب أهمية قصوى، لدرجة أنها هي من تعبِّر وتصوِّر وتتحكم في خط الحكي.
يصف الكاتب المشاهد كما هي، وإن كان يوجز، غير أنه يفرط في التصريح. يُدخل القارئ إلى عالم يُشعره بالتقزز، عالم غريب منفلت، صادم.
وأنا أقرأها، كنت أقول لعل الأحداث تتطور، وتتجاوز هذه البؤرة السوداء، إلى أن وصلت إلى المنتصف، ثم فكرت أن أتركها. لكن ما دفعني إلى إكمالها، هو قناعتي أني مادمت قارئا فلابد أن أقرأ كل شيء، وبعدها لي حق النقد، وحق قول رأيي بكل وضوح. والرواية لم تعجبني، وإن كان بها بعض الأفكار التي تدعو للتأمل، وبعض تقنيات السرد الجميلة، وتقنية السخرية التي تدخل ضمن الأدب الساخر وغيرها...، لكنها لم تعجبني.
زمن قراءتي لها، ما بين: 18 و19 مارس 2014