الوصف
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقروءاتي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقروءاتي. إظهار كافة الرسائل

إضاءة في كتاب "تدريس الفلسفة من أجل مقاربة ديداكتيكية للاشتغال على النص في درس الفلسفة"




يعد كتاب «تدريس الفلسفة من أجل مقاربة ديداكتيكية للاشتغال على النص في درس الفلسفة» أول إصدار للكاتب والباحث ابراهيم السهلي، وقد صدر عن الراصد الوطني للنشر والقراءة في يونيو 2022. ويقع هذا العمل في 162 صفحة من الحجم المتوسط. وهو مساهمة فكرية يتبنى صاحبها رؤية تعليمية لتدريس الفلسفة، سعيا إلى المساهمة في تجويد تدريس الفلسفة لكونها مادة مدرسية يعتمد إنجاز درسها بشكل شبه كلي على النص، أي أن الدرس الفلسفي هو درس تفكيري تتبلور ضرورة إنجازه بطرق مختلفة، وهو بذلك يشبه الورشة كما شبهه بذلك كانغيلام، «ليست الفلسفة معبدا، إنها ورشة». ويعرب الباحث ضمن هذا الكتاب عن الهاجس الذي دفعه إلى إنجاز هذا العمل وهو هاجس ديداكتيكي من جهة وبيداغوجي من جهة أخرى.
ينطلق الكاتب في هذا البحث من قناعة راسخة تعتبر النص منجزا لغويا حاملا للمعنى وفضاء لغويا متحركا تبعث له الدلالات والرموز حياة متجددة، وهذا التوجه يبرز أهمية النص كواسطة ودعامة أساسية في بناء المعرفة، خاصة منها المدرسية وإعطائها بعدا منهجيا منظما، تنعكس نتائجها على المستوى الذهني، والوجداني، والسلوك للمشتغل على النص، وذلك من خلال العمليات الإجرائية التي يقوم بها داخل النص على ضوء أنشطة الفهم والتحليل، والمساءلة، والنقد، والتفكيك، والتركيب والبناء.. وهذا الاشتغال يقود إلى تكوين وعي وإنتاج خطاب حامل للمعنى.
وعلى هذا يؤكد الكاتب على أن النص ورشة منهجية لصقل مهارات المشتغل عليه، عبر اتباع مجموعة من العمليات الذهنية تؤدي به إلى فهم النص وإنتاج خطاب قابل للتأويل، وهذا يفرض على المشتغل على النص الإلمام بمفهوم النص في مختلف الحقول الدلالية، وهو إدراك شمولي للسياق النظري لمفهوم النص باعتبار النص نقطة بداية وتكوين المعرفة.
وإن تعليم الفلسفة وتعلمها يتم عبر وساطة النص الفلسفي، داخل خطاب فلسفي موجه للقارئ، ويصبح من خلال ذلك النص آلية لممارسة التفكير الفلسفي. ويعد النص للمتعلم فضاء للتفكير يقتضي من المدرس مقاربة ديكاكتيكية محكمة، تستدعي منه ضرورة التسلح بالآليات المنهجية والنظرية للاشتغال على النص الفلسفي، والنجاح في عملية النقل الديداكتيكي من أجل جعل النص فضاء حيا يشبع رغبة المتعلم في التعلم، ومن خلاله يرتبط المتعلم بالخطاب الفلسفي وتاريخ الفلسفة، وهو ما يتيح له إمكانية القيام بمجموعة من الأنشطة الذهنية المرتبطة بخصوصية الخطاب الفلسفي (مفهمة، أشكلة، محاجة).
كما أن فعل القراءة يعد نشاطا تعليميا حيث يجعل المتعلم يلتقي بشكل مباشر مع الخطاب الفلسفي، أي أن القراءة في هذا السياق هي تمرين ذهني يتيح للمتعلم التعرف على خصوصية الخطاب الفلسفي، والقدرة على تمييز هذا الخطاب عن غيره من الخطابات الأخرى، كما أن القراءة طريقة لبناء الأفكار واستلهام القدرة على المحاجة، إذ أن أنشطة القراءة الفلسفية تساعد المتعلم على تنمية قدراته، كما تتيح له إمكانية استلهام تجربة الكتابة الذاتية انطلاقا من تجربة النص، وذلك من خلال نشاط ذهني يقوده لحل المعنى المضمر في النص، فيكون المتعلم بذلك قارئا إيجابيا للنص ومحاورا جيدا للفيلسوف.

«أرخبيل الذاكرة» نصوص رحلية


«أرخبيل الذاكرة» لعبد الرحيم مؤدن، كتاب أفتتح به عام 2023.
يعد هذا الكتاب من جنس الرحلة، التي عرف بها الأديب المغربي الراحل عبد الرحيم مؤدن، يتضمن الكتاب ثلاثة نصوص وهي كالتالي: «ستة أيام هزت العالم»، «الرحلة الهولندية»، «الرحلة الباريسية»، «الرحلة الصينية».
وهي كما يشير الكاتب رحلات ومشاهدات متباعدة، في الزمن والمكان، ومتقاربة في الرؤية والسرد والتوصيف.
عوالم هذه الرحلات تشترك في تجسيد الرغبة في المعرفة، معرفة الآخر، ومعرفة الذات، وكشف الاختلافات وتنوع الأصول بتعدد الأمكنة والثقافات.
في رحلته إلى مصر
 «ستة أيام هزت العالم» يستجيب المكان لتغير الزمن حيث أن الفترة كانت قبيل ثورة 25 يناير، وقد تحول فضاء المكان إلى عالم صامت وناطق، وخاصة القاهرة التي يقول عنها أنها لم تعرف إلا الكلام والصخب وتبادل التحية والسلام.
ثم يكشف المكان عن أسراره في الرحلة الهولندية، من خلال أساليب مختلفة في نسق الحياة ونمط العيش، وما يمارسه المكان على الزائر من سلطة الثنائيات، النور والعتمة، وإغواء الخفاء والتجلي، وما على الزائر إلا أن يقوم باستقصاء الزوايا المعتمة لتنكشف له الأعاجيب.
وفي رحلته إلى باريس أغدق علينا النص بمشاهدات مارس فيها المكان سحره المزدوج جامعا بين الترهيب والترغيب، من سلطة حضارة –يقول عنها- إنها قاهرة متماسكة، وتمارس ترغيبا يتجسد في طبيعة المكان الذي لم يدر ظهره لمرجعية التنوير.
وتتعدد الأمكنة في الرحلة الصينية عبر مشاهد مثيرة للدهشة ومطلعة على عوالم غريبة وثقافة مختلفة تخفي في طياتها أسرارا ورمزيات يتقاطع فيها الواقعي بالأسطوري...

-أرخبيل الذاكرة: عبد الرحيم مؤدن، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط.1، 2013.


رشيد أمديون
الثلاثاء 03 يناير 2023
#قراءة_2023_رشيد

الشعر العربي بين الجمود والتطور (مراجعة)


ينتصر الدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي في هذا كتابه « الشعر العربي بين الجمود والتطور» للرأي الذي يقول بأن الشعر العربي لم يعرف تطورا في العهدين الإسلامي (صدر الإسلام) والأموي، لأنه ظل على صورة من الشعر الجاهلي إلى أن جاء العصر العباسي الذي اتخذ فيه الشعر منحى آخر مغايرا مع بشار ابن برد وأبي نواس.. وقد وجد هذا الرأي من يعارضه من نقاد ومؤرخي الأدب أمثال شوقي ضيف في كتابه "التطور والتجديد في الشعر الأموي". وذهب الكفراوي إلى أن هذه المعارضة سببها أن من تبنوا الرأي الأول لم يفصّلوا القول... على هذا فهو يذهب مذهب أن الشعر العربي أصابه تغير حقا في العصر الإسلامي والأموي، بل وأصابه عدة تغيرات أثناء العصر الجاهلي أيضا، باعتباره يخضع لعوامل النشوء والارتقاء... لكن تلك التغيرات تعدّ يسيرة جدا وسطحية لا تمس العناصر الأولية، والسمات الأصلية التي اتسم بها الشعر الجاهلي... فعالج الباحث هذا الموضوع معالجة تفصيلية مقسما كتابه هذا إلى ثلاثة أبواب.

تناول الباب الأول تحديد العناصر الأساسية للشعر العربي مع طرح تلك الظروف الاجتماعية التي كونتها. والآثار التي ترتبت عليها في الشعر الجاهلي (الطبع، الصدق، الميل إلى التصوير، الموسيقى، بناء القصيدة وتقسيمها إلى مقدمة وغرض)...

وجاء الباب الثاني مقسما إلى فصول. الأول: بين الأسباب التي حاولت دون تأثير الشعر العربي بالدين الجديد في صدر الإسلام، وأيضا الأسباب التي جعلت شعراء العصر الأموي يتوجهون نحو الشعر الجاهلي... والفصل الثاني يتناول مظاهر تشابه الشعر في العصرين الأموي والجاهلي. إذ يعطي نماذج من الشعر الأموي للتأكيد على جموده في الحدود التي رسمها شعراء الجاهلية. وفي الفصل الثالث يرد على القائلين بتطور الشعر العربي في العصر الأموي، حيث تعرض لما أشاروا إليه من فنون ونماذج وأغراض (النقائض والغزل بنوعيه) التي يبدو عليها سمات التطور، ليؤكد على أنها ليست إلا امتدادا طبيعيا للشعر الجاهلي.

الباب الثالث تناول العصر العباسي، وجاء في أربعة فصول: حيث تناول الفصل الأول بناء القصيدة العربية وما لحقها من تطور. وفي الفصل الثاني، خصصه لأغراض الشعر التي عرفت تطورا يعود بالأساس إلى الحالة الاجتماعية في العصر العباسي، حيث ظهر "الغزل بالمذكر" والخمر والمجون كما عند أبي نواس... وشعر الزهد والتزهد كما عند أبي العتاهية... وشعر الخصومات الذي لم يعد يتمثل في خصام بين القبيلة وجارتها بل خصومات بين العرب والموالي، والخصومات السياسية كتلك التي تمثلها علاقة الفضل بن الربيع بالبرامكة في خلافة الرشيد، وتجلت في شعر أبي العتاهية و"أبان بن عبد الحميد"... إضافة إلى الأغراض الأخرى المعروفة والتي لحقها التطور كالغزل والفخر والهجاء والمدح.. أما الفصل الثالث، فهو عن عناصر الشعر وما أصابها من تطور وجمود وهذه العناصر هي : الطبع ( حيث قسم الباحث الشعراء إلى طائفتين، أهل الطبع وأنصار الصنعة وقدم نماذجها). العنصر الثاني التزام الحقائق، وما لحق الشعر العربي في العهد العباسي من المبالغات مقارنة مع ما كان عليه الشعر في الجاهلية من التزام الحقائق في المدح أو في الهجاء.. ثم العنصر الثالث وهو التصوير، الذي كان في العصر الجاهلي قريبا من الواقع، ولما تفشى الغلو والمبالغة في العصر العباسي ترك ذلك الذوق الجديد أثره في التصوير، فعظم الفارق بين الحقيقة التي يتحدث عنها الشاعر والصورة التي يعرضها...أما العنصر الرابع، فهو الموسيقى. وقد قام الباحث بالموازنة ما بين بعض شعر شعراء العصر العباسي والعصر الجاهلي وبين أهل الطبع والصنعة من الشعراء العباسيين أيضا.

كما يعد الباحث أن استفحال روح الثورة وتشعبها ورفض التقليد هو ما ساهم في هذا التطور..

وفي الفصل الرابع، ذهب الكاتب إلى أن الشعر العربي استرد حريته على يد أبي الطيب المتنبي. كتاب "الشعر العربي بين الجمود والتطور" للدكتور محمد عبد العزيز الكفراوي. 206 صفحة. طبعة ثانية.

البطل التراجيدي في المسرح العالمي



يقوم الكاتب رياض عِصمت في هذا الكتاب «البطل التراجيدي في المسرح العالمي» بدراسة مجموعة من الشوامخ في تاريخ المسرح العالمي، قديمه وحديثه، من خلال البطل التراجيدي باعتباره شخصية وجودية، متمردة، ثورية وكأنها تجابه قوى ميتافيزيقية عابثة أو قوى اجتماعية جائرة. والتراجيدية أو المأساة، في تعريفها هي شكل من أشكال التعبير في الفن، تعكس استفحال التناقضات غير القابلة للحل في زمن معين، التناقضات بين متطلبات الفرد وصبواته والاستحالة العملية لتحقيقها، بما يؤدي إلى انفعالات ومعاناة أليمة قد تفضي إلى موت البطل، رغم ما يبذله من قدرة هائلة على مواجهة مصيره بشجاعة في التصدي للعبث الكوني والاجتماعي، ورفضه الحلول الوسطى ولو كان ذلك على حساب حياته وحياة الأخرين.

 قسم الكاتب الكتاب إلى قسمين، قسم بعنوان «البطل التراجيدي في المسرح الإغريقي والإلزابيثي والكلاسيكي الجديد» يحلل ضمن هذا القسم مجموعة من الأبطال بداية من:
-"سوفوكليس" من خلال مسرحيته "الكترا" حيث أن أبطاله يحملون مسؤوليتهم على ظهورهم في نفس الوقت الذي هم فيه مرغمون على قبول ضغوط القدر، فهم يملكون قدرة على مواجهة مصيرهم بشجاعة، ولكن ليس في قدرتهم الهرب منه. واللعنة هي منشأ الصراع، لكن نقاط العنف تكمن في أعماق الإنسان نفسه.
- ويحلل أبطال كريستوفر مارلو، من خلال مسرحيته "فاوست"، وقد يبين أن المسرح الإليزابيثي عرف خلالها تطورا واضحا، فالقدر الميتافيزيقي لم يعد هو المسؤول(كما عند الإغريق) بل الإنسان. والمأساة ليست نابعة من صراع بين المحتوم وبين الحرية، بل بين نوازع الإنسان الخيرة والشريرة (مجسدة أو غير مجسدة)، أما كل ما هو ميتافيزيقي فهو إما عبارة عن رموز، أو عبارة عن تأثيرات فنية وشعبية من الأنماط السابقة.
- وأبطال شكسبير من خلال مسرحيته "ماكبث"، فيحلل الكاتب هذه المسرحية التي تعد إدانة للفردانية في الحكم، ورفض لأن تكون السلطة تسليطا: فالبطل الذي يعزل نفسه عن مسيرة شعبه، ويوغل في تأكيد ذاته عن طريق القسوة، يتحول إلى ديكتاتور، ويحفر بالتالي قبره بيده.
- وأبطال راسين في المسرح الكلاسيكي من خلال مسرحيته "فيدر"، وقد عمل راسين على تحقيق أقصى مثالية ممكنة بالنسبة لصفاء النمط المسرحي، فخلت مآسيه من أي لمسة كوميدية، متعمدة على الوصول إلى ذروة العاطفة عن طريق الحوار الشعوري الذي يعكس بصدق كبير ودون حذلقة أسلوب الإحساسات الداخلية للشخصيات، وذلك عبر حوارات ثنائية غالبا تصل بالصراع الخارجي والداخلي معا إلى ذرى عالية من القوة والشفافية، لا يضاهيه في ذلك شكسبير في المسرح ودوستويفسكي في الرواية. ولمسرح راسين سمة يختلف بها عن المسرح الإغريقي أن مسرحياته باستثناء "مأساة طيبة" و"برريتانيكس" تنتهي بنهاية غير دامية جدا، على الأقل بالمقارنة مع شكسبير، والقسوة فيها لا تعني الموت بل الحياة، والنهايات تحمل الحل الأخلاقي العقلاني للتأقلم مع الحياة.

 والقسم الثاني من الكتاب، عنونه الكاتب بـ«البطل التراجيدي في المسرح الحديث والمعاصر». وفي هذا القسم يتناول أبطال:
- هنريك أبسن، الذي يعد أب المسرح الحديث. ومسرحه له طابع فلسفي، مسرح صراع أفكار باطنية ونفسية، وصراع الإنسان مع الأقدار العاتية. ومن ناحية بناء الشخصيات، فالصفة الإنسانية تقوم على مدى ارتباط الفكر بالواقع، وفي مدى تعبيره عن أزمة إنسانية ما بصدق. ومسرح أبسن ليس إلا نبوءة بمأساة الإنسان المعاصر، وليس إلا الأساس الحقيقي الذي تفرع عنه بعد سنين عديدة كل من المسرح السياسي الاشتراكي ومسرح اللامعقول.

- وحلل في هذا القسم أبطال لويجي بيرانديللو، الذي يعد من أقطاب الدراما الذين طوروا تاريخ الأدب المسرحي وأثروا في كثير من كتاب المسرح بعده، ويرى بيرانيللو أن الشخصية تصبح حرة على الفور، حتى من مؤلفها، بحيث أنه من الممكن لكل شخص أن يتخيلها في مواقف عديدة أخرى لم يحلم المؤلف نفسه بوضعها فيها. وبهذا يؤكد بيرانديللو أن للحقيقة أوجها متعددة، ولكنه عجز (كما يقول الكاتب) عن تجاوز ضبابية الوضع الكائن نحو كشف رؤيا مبررة للوجود، إنسانية، وصادقة.
- كما حلل الكاتب أبطال لوركا من خلال مسرحية "بيت برناردا آلبا"، وأبطال الألماني برتولد برشت من خلال مسرحية "حياة غاليليو"، وقد تضافرت في أدب برشت المسرحي عناصر الوعي الاجتماعي والسياسي مع نظرية جديدة في فن المسرح. وبريشت كان ينطلق من السلبيات إلى ما يجب أن يكون، وتلك هي سمات البطل التراجيدي المعاصر: فالمأساة لا تتعلق به وحده، بل بالمجتمع كله.
- وأبطال جان آنوى، انطلاقا من مسرحية "أنتيغون"، وهي مسرحية وجودية ذات إسقاطات سياسية. وبيّن الكاتب أن الصراع عند آنوي هو بين السياسة بشكلها الانتهازي المعهود وبين النبل المطلق، وهذا الصراع تكتسب فيه الشخصيات ما يثري الفعل التراجيدي بتفاصيل إنسانية مرهفة وصغيرة.
- أما تحليله لأبطال آرثر ميلر في مسرح الحديث والمعاصر، فكان من خلال مسرحية "موت بائع جوال"، وهي عمل تعبيري أمريكي ينطلق من بنية واقعية بحثة، وعمل يتسم بالبساطة والذكاء والعمق النفسي للأبطال، كما يتسم بالوعي الاجتماعي والسياسي لواقع المجتمع الأمريكي. والمأساة في هذه المسرحية لم تعد شكلا ثابتا مستقر الملامح، كما كانت في الماضي، بل هي مجموعة من السبل (ربما اختلفت أو تناقضت من ناحيتي الدافع والمعالجة) لكن تأثيرها الحاصل في النتيجة يخلق إحساسا قاتما حزينا، بيد أنه لا يخلو من إيمان الهدم والبناء: هو إحساس يتساءل عن مصير الإنسان في صراعه مع قوى عاتية، ربما كانت قوى ما وراء الطبيعة (كما عند الإغريق)، أو قوى لا معقولة، أو قوى عدم الفهم الذي يقف حاجزا بيننا وبين الآخرين (كما في مسرح العبث)، وربما كانت قوى اجتماعية مستغلة أو ظالمة (كما في المسرح الاشتراكي)، أو قوى نفسية أو عقلية مدمرة تنبعث من باطن الإنسان (كما في المسرح النفسي).
- ثم تناول الكاتب مسرح العبث من خلال مسرحية "في انتظار غودو" لصموئيل بيكيت، والتي تعد مسرحية أثارت من النقاش ما لم تثره مسرحية أخرى معاصرة تقريبا. وأكد الكاتب أن مسرح العبث ليس مسرحا جماليا محضا بلا مضمون، وأن كتَّابه لا يكتبون لأنفسهم فقط بل للناس. ورغم غرابته وتهريجه وبؤسه وعربدته فهو مسرح مأساوي روحا رغم رداء الكوميديا الصارخ. والمأساة فيه لا تقل فجيعة عن المأساة اليونانية، فهو مأساوي بسبب الإحساس بفراغ الكون وغياب العدالة والمجد في رحلة تهدد الإنسان فيها أنياب الذئاب الشرسة خلف منعطف المجهول.

 وقد جمع الكاتب رياض عصمت في هذا الكتاب مجموعة متباينة ومتضاربة من الأبطال التراجيديين الذين يتراوحون بين أشباه الآلهة (أوديب مثلا) وأشباه المهرجين. والاهتمام بالبطل التراجيدي هو ما طور بعض من أهم اتجاهات المسرح الحديث في الإخراج والتمثيل، وهذا الكتاب قام فيه الكاتب باختيار نماذج فقط من الكتاب العالميين الذين أعجب بهم، وإن كان لأسباب موضوعية أو اعتبارية، فإنه قد أغفل بعضا ممن برعوا في رسم صورة البطل التراجيدي في المسرح الحديث خاصة، مثل يوجين أونيل، وأنطون تشيخوف، وتينسي، ويليامز، شون أوكيسي، وغيرهم.

الغرابة المقلقة في "كافكا على الشاطئ"


بقلم: رشيد أمديون

ثمة أمر لا بد للقارئ أن ينطلق منه عندما ينهي قراءة رواية «كافكا على الشاطئ» للروائي الياباني هاروكي موراكامي، وهو أن هذه الرواية التي يقدمها هاروكي نص بمعطى غير جاهز، لهذا لا يكتمل إلا عند القارئ. فالأحداث تسير في سياق غرائبي وخيالي وأسرار ومضمرات ودلالات رمزية... وميثولوجيا وثقافة من الأدب والفن الإنساني، وعالم الأرواح والحلول، والاحلام، والإيروتيكية... لهذا يحتاج القارئ أمام هذا المزج أن يكون طرفا واعيا ومكملا للعمل بصفته المتلقي للرواية. وحيث أن النص محرض على البحث عن أسراره وتفسير عوالمه الغامضة انطلاقا من حوارات الشخصيات وكلامها وما تشير إليه مضمراته، ومن خلال سير الأحداث وعلاقة السابق باللاحق وعلاقات الشخصيات ببعضها. وقد تصدم نهاية الرواية القارئ حيث لا يجد إجابات عن كل الأسئلة التي حملها معه منذ بدأت الأحداث تتعقد أمامه خاصة وأنها لا تستند لمنطق عقلي أو تقع تحت قوانين فيزيائية، وهذا ما تشير إليه الرواية، يقول السارد: «كلما حاول هوشينو أن يفك خيوط المسألة، ازدادت حيرته من الأفضل ألا أحاول أن أعثر على المنطق». فالرواية غارقة في الخيال وأبعاده والفانتاستيك، والرمزية، لكنها مع ذلك تشد القارئ وتضعه في عالم الغرابة المقلقة، وفي حيرة (لتعدد عوالمها) وهو يقاوم أسرارها قصد الوصول إلى منطقة الألفة ليضع للرواية تفسيرا يشفي غليل فضوله المعرفي، لكن هل يصل؟ ذلك يتوقف على خيال القارئ وقدرته على التأويل والربط وخلق التمثلات المناسبة... فهذا ما يعرف بإعادة انتاج النص، ولكل قارئ قراءته الخاصة التي تستند إلى ما جاء في الرواية.
والنزعة الوجودية في الرواية تتبدا لكل من قرأها، حيث أن الأسئلة التي تغلي في مرجلها تتبنى قضايا إنسانية يرمز إليها النص ولا يصرح بها: الإنسان بين السلم والحرب، بين الصدق والكذب بين الحياة والموت بين الوجود والعدم بين الحلم والواقع، الروح والجسد... ثنائيات كثيرة تدعو إلى تأمل هذا المنجز الأدبي الياباني الذي يضع القارئ أمام ذاته وتصوراته وقدرته على تقبل الغرائبي لتشكيل رؤية عن الإنسان في مجاهل الحياة بحياد تام، هذه الحياة التي طرأت عليها تطورات كثيرة أثرت على إنسانية الإنسان.

  رواية «كافكا على الشاطئ» للروائي الياباني هاروكي موراكامي. تقع في 620 صفحة. الطبعة الثانية، اصدار 2010.

ثقافة يهود المغرب من خلال كتابات حاييم الزعفراني

 



إن القرون التي عاشها اليهود والمسلمين جنبا إلى جنب على أرض المغرب جعل الفرقتين معا تعتبر هذا البلد موطنهم وتاريخهم وذاكرتهم على حد سواء. ومن هذا البلد صار لليهود المغاربة موروثهم الثري بالأدب والفنون والشعر والفكر... تاريخهم في المغرب لا يشبه الواقع الذي عاشوه واختبروه في المهجر وفي الشتات الثاني. لهذا جاءت مؤلفات حاييم الزعفراني كتعبير عن الحنين لوطن كان ملتقى الثقافات والحضارات، واستعادة نبض تاريخي يمثل هوية وذاكرة يهودية مغربية يستعيدها حاييم الزعفراني محاولا حمايتها من الاندثار، فانطلق من كتابات خلفها يهود أسلاف، فشمل مجموع مؤلفاته معلومات قيمة يجتمع فيها التاريخي بالاجتماعي والديني بالفكري، دون إغفال أن هذه القيم التي لا تنفصل عن البيئة التي نشأت فيها (أي المغرب والأندلس)، حيث كانت العلاقات التي تربط اليهود بالمسلمين في هذا المحيط علاقة متينة بلغت مستوى الحوار والتلاقي، ذلك ما تجلى في الآداب الشفوية باللهجات المحلية (اليهودية الأمازيغية) و(اليهودية الأندلسية)، إضافة إلى الأساطير والحكايات الشعبية وتقديس الأولياء.

من خلال مؤلفات حاييم الزعفرانى حاول الكاتب والباحث المغربي عبد السلام شرماط أن يفتح أفقا للتعرف على ثقافة الآخر والذي هو في الأصل جزء من النسيج المغربي، هذا الجزء الذي نجهل عنه الكثير. ولهذا جاء كتابه «يهود المغرب في كتابات حاييم الزعفراني» ليلقي الضوء على مشروع حاييم الزعفراني في إحياء التراث اليهودي في الأندلس والمغرب والبحث في خصوصيات الطائفة اليهودية الاجتماعية والدينية والفكرية في فترة امتدت من القرن 15م إلى بداية القرن 20م. وقد صدر الكتاب عام 2021، عن مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، ببيروت، ويتكون من 254 صفحة. تناول فيه الباحث الدارسة في ثلاثة فصول، استطاع خلالها أن يلفت الانتباه إلى أهمية مؤلفات حاييم الزعفراني بعد اطلاعه عليها ودراستها، فهي مادة خصبة تنير جوانب من حياة اليهود التاريخية والاجتماعية والفكرية والدينية، اشتغل عليها حاييم الزعفراني كاشفا من خلالها الغطاء عن تاريخ امتد لأكثر من ألفي سنة، أي لأول مجموعة غير أمازيغية سكنت المغرب واندمجت بالسكان الأصليين من حيث الأخلاق والآداب وطريقة التفكير. ومع مجيء اليهود من الأندلس تقوت العلاقات بين الجماعات المتعايشة في المغرب. كما أن اليهود عاشوا في ظل سلسلة من الإمبراطوريات (القرطاجيون، الرومان، الوندال، البيزنطيون) دون أن يفقدوا هويتهم وإن اختلف الدارسون حول زمن قدومهم.

قدم الباحث عبد السلام شرماط، في الفصل الأول، لمحة عن سيرة الزعفراني وأصول تسميته وانتمائه المغربي إلى مدينة الصويرة، ثم رصد مساره الأكاديمي من خلال مسيرته العلمية وتعدد اختصاصاته، وتكوينه الذي جمع ما بين التعليم العصري الحديث والثقافة التقليدية اليهودية والعربية الإسلامية، فكان متعدد الثقافات، بإتقانه اللغات العربية والعبرية والفرنسية، ومكنه تكوينه الأكاديمي في الحقوق ثم تحصيله للدكتوراه في العلوم الإنسانية في رسم مسار طويل من التدريس والبحث والإشراف العلمي... ثم من خلال نشاطه التأليفي الثَر بيَّن المؤلف أهمية مشروعه في إعادة الروح للتراث الثقافي اليهودي الموروث منذ العصر الذهبي للعبرية-العربية التي عاشت على أرض الإسلام. وقد خلف مخزونا علميا مهما تميز فيه الرجل بالموسوعية والانفتاح على شتى جوانب الثقافة اليهودية في الأندلس والمغرب، فقدم الباحث أهم أعمال حاييم الزعفراني ووقف عندها قصد الاطلاع على ما تختزنه الذاكرة اليهودية في الغرب الإسلامي، ومنها يهود المغرب بالخصوص؛ بما تركوه من إرث فكري يمتزج فيه التاريخي بالاجتماعي والديني بالأدبي والفلسفي. ولغزارة كتابات الزعفراني فقد اكتفى الباحث بتقديم قراءة تحليلية لبعض مؤلفاته التي رتبها وفق تعاقبها الزمني في الصدور، وهي كما يلي: «التربية في أرض الإسلام» 1969. «يهود المغرب؛ حياة اجتماعية، اقتصادية ودينية» 1972. «الشعر اليهودي في الغرب الإسلامي»1977. «ألفي سنة من حياة اليهود»1983. «القبالة؛ تصوف وسحر 1986. يهود الأندلس والمغرب»1996.

في الفصل الثاني، تناول الباحث حياة اليهود بالمغرب، مخصصا المبحث الأول للحياة الاجتماعية والاقتصادية ليهود المغرب، حيث تتكون هذه الطائفة من مجموعتين؛ اليهود البلديين (توشفيم) وهي مجموعة ارتبط مجيئها إلى المغرب تاريخيا بمجيء الفينيقيين، والطائفة الثانية تسمى مهجرين (ميكورشيم) وهم الذين وفدوا على المغرب خلال تهجير اليهود من الأندلس عام 1492م. ورغم اختلاف المجموعتين في الأصل واللغة والثقافة فقد عاشتا جنبا إلى جنب، وسهر على شؤونهما مسؤولون في إطار مجلس عني بخدمة مصالح اليهود وهو مجلس الطائفة (الأحبار، الأعيان، شيوخ الطائفة، أخيار المدينة، نخبة البيعة أو رعاتها، أشراف الطوائف، نخبة أو منتخبو المجتمع، الطبعة المهيمنة). وتمتلك الطائف اليهودية مؤسسات عدة تتميز كل واحدة منها بوظيفة تؤديها تتمثل في: البِيعة، الحبوس والأعمال الخيرية، إصلاح الأخلاق، التعليم اليهودية. وتتميز الحياة الاجتماعية اليهودية بمظاهر اجتماعية مختلفة يتداخل فيها الديني بالسحر من خلال طقوس وشعائر تعبر عن لحظات الوجود المتميزة التي سادت الحياة اليومية لليهود: الولادة، الختان، واختيار التسمية، وظروف الطفل في الوسط العائلي، ثم طقوس الزواج من خطبة، وعقد القران، والصداق... وبيَّن الباحث أن للزوجين وعائلتيهما الحق في اختيار واحدا من النظامين في الزواج: النظام التقليدي؛ وهو يستقي أسسه من التشريع التلمودي القديم ومن الأعراف والتقاليد.. والنظام القشتالي؛ وهو نظام يهتم بالأحوال الشخصية والعائلية ويعرف بالإصلاح والتعديل، وكان يعمل به يهود الأندلس المهجَّرون إبان الاضطهاد الإسباني المسيحي (1492م). ثم تناول هذا البحث في إطار ما هو اجتماعي تعدد الزوجات في النظامين التقليدي والقشتالي، وما يتعلق بـقضية "العاكونة" وهي المرأة التي غاب عنها زوجها وتركها معلقة.

كما تناول هذا المبحث ما تعلق بأحوال الطائفة اليهودية وما يخص متابعة شؤونها اليومية... ثم تطرق للمشترك اليهودي الإسلامي، إذ أن يهود المغرب عاشوا حالة تساكن وتعايش مع المسلمين لقرون طويلة لهذا اشترك اليهود والمسلمون في المغرب في مظاهر ثقافية ونسجت بين الطرفين علاقات متينة تجلت في سلوكهما اليومي، وفي عاداتهما وتفكيرهما رغم اختلاف المعتقد، فشارك اليهودي المغربي جاره المسلم في الإيمان ببعض الاعتقادات كالخوف من العين، والجن، فيعمدان إلى استعمال ما يعتقدان فيه حصنا لهما كالتمائم واتخاذ الخميسة، والتشبير، واللجوء إلى الأولياء، بل وصل ذلك إلى حد توافقهما أحيانا على زيارة نفس الولي.

أما فيما يخص الحياة الاقتصادية فقد لعبت عائلات يهودية دورا كبيرا في المجالين الاقتصادي والسياسي وهي في الغالب عائلات قدمت من الأندلس كعائلة "روتي" وعائلة "بلاشا" و"ميمران" و"طوليدانو" وأبناء عطار" و"أبنسور" و"سرفاتي" و"كوريات" و"المليح" وغيرهم كثير... بينما كانت تزاول أغلب العائلات الأخرى من اليهود التجارة والصناعات الحرفية كصناعة الحلي وسك النقود، أما الفلاحة فإن أقلية منهم من زاولها لأنها في نظر اليهود من المهن الدونية اجتماعيا.

واشتغل الباحث في المبحث الثاني على رصد الحياة الشرعية والأدبية لليهود، والحياة الشرعية التي تخص أشكال المعرفة اليهودية، بما فيها الفكر التشريعي المتعلق بالشريعة اليهودية "هلخة" من صلوات والشعائر التعبدية، ما ارتبط منها بالقبالة وحياة التصوف وما تأثرت به من المعتقدات الفلسفية.. أما ما يخص الأدب اليهودي فيشمل كل من الأدب القضائي من مجموعة من التقانوت (أي الفتاوى)، ومنتخبات من القرارات القضائية، وأدب النوازل الذي سطر اليهود خلاله إطارا لحياتهم وفق المحيط الاجتماعي الذي يفرض طابعه المحلي، وعليه لعبت الفتاوى دور الرابط العضوي بين الطوائف اليهودية المشتتة، وساهمت الأعراف "المنهاك" في إثراء أدب الفتاوى. كما يشمل الأدب اليهودي مؤلفات هلاخية أي تشريعية، ثم الشعر الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بالصلاة والطقوس والفلكلور، وتظهر عليه سمات العروض وتقنيات النظم الشعري العربي الأندلسي أكثر من أية سمة أخرى. كما أن الأوزان العبرية متشابهة في تفعيلاتها مع أوزان الشعر العربي، وقد تطرق حاييم الزعفراني في دراسته الشعر في الغرب الإسلامي إلى نماذج شعرية تتوزع بين التوسلات والأدعية والابتهالات ألفها شعراء مغاربة هم «يعقوب ومسى وشلوم أبنسور». ومن ألوان الشعر اليهودي: أناشيد ومرثيات "باقشوت" (وهو شعر وجداني)، وشعر الابتهال "التحنوت" (وهو شعر التضرع)، وأناشيد الحب "أهابوت"، ويرتبط الحب في هذه الأناشيد بحب الله لإسرائيل، والحب المرتبط بفكرة الاصطفاء والخلاص. ويشمل الأدب اليهودي كذلك الكلام المسجوع «ميليصاه» وهو نثر موزون ذو جمل قصيرة ويعتمد التواتر الصوتي (التطريز). ثم هناك أدب القبالة والأدب الشعبي الذي يلتصق بوجدان العامة ويسهم في نقل المعارف والعادات والأعراف، وهو سجل عني احتفظت به الذاكرة اليهودية. والإبداع الأدبي، المكتوب والشفوي، لا قيمة لدراسته بمعزل عن أشكال الفكر الأخرى، لذلك فهو جزء لا يتجزأ عن التاريخ.

وفي الفصل الثالث عقد الباحث مقارنة بين ما كتبه الزعفراني وما كتبه وألفه آخرون باللغة الفرنسية عن يهود المغرب وسعى في ذلك إلى تقسيم هذه الدراسة المقارنة إلى ثلاثة مباحث تناولت وناقشت مواضيع تاريخية وجغرافية وفكرية، تعطي فكرة مفصلة عن الدراسات التي تناولت موضوع يهود المغرب وكيف استعرضت الكتابات الفرنسية، خلال القرن العشرين، جميع جوانب حياتهم التاريخية والاجتماعية والدينية والاقتصادية وما تباناه ملوك المغرب (منذ الأدارسة إلى العلويين) من موقف طيب إزاء اليهود وخاصة في فترة (1822-1912). وتعد تلك الدراسات متعددة ومتنوعة بل ومتداخلة ومتشابهة في طرح القضايا، بخلاف ما ميز كتابات الزعفراني، إذ يعتبر ما قدمه الرجل تضمن موروثا فكريا يهوديا كان القصد منه إعادة إحيائه وبعثه والحفاظ عليه ونفض الغبار عنه ورفض ما يسمى بالتاريخ المليء بالدموع.

إن ما قدمه الزعفراني عن اليهودية المغربية من أبحاث، يعد مخزونا علميا يحظى بالاهتمام والدرس. حيث انكب على البحث منذ خمسة عقود من الزمن بهدف بعث فكر يهودي ظل حبيس سنوات طوال، وضمنه سعى إلى إثبات الهوية اليهودية، انطلاقا من كتابات خلفها يهود مغاربة، سواء تعلق الأمر بالتربية أو القانون أو الإبداع الشعري أو التفسير التلمودي أو النثر الفني أو الكتابات الصوفية والسحرية. فقد شكلت كل هذه الكتابات مادة قيمة يجتمع فيها ما هو تاريخي بما هو اجتماعي وديني وفكري. واكتفاء الزعفراني بمهمة البحث في الموروث اليهودي جعل الباحث عبد السلام شرماط في ختام الكتاب يتساءل كيف سيتحقق المستقبل الذي تمتد جذوره بعمق في ماضي يهود المغاربة؟ وكيف ليهود الشرق والمغرب أن يعيشوا حياتهم كما في الماضي، وهم بعيدون عن أوطانهم؟ وهل دراسة أشكال المعرفة اليهودية والتعرف بها كافية لإعادة اليهود إلى أوطانهم وإقناعهم بالرجوع إليها؟

رشيد أمديون

 

 


تحقيق البطولة في " يوميات معلم في الأرياف" للسعيد الدريوش




تقديم

تعد كتابة اليوميات مغامرة، لأن نسج محكي ذاتي في نص يعتمد على السرد لتقديم الذات يحتاج إلى الشجاعة لتقول الذات أشياءها وتتعرى لتكشف عن بعض الخصوصيات. ولو اعتمدنا منطق الجاحظ أن القارئ عدو الكاتب: "و ينبغي لمن كتب كتابا أن لا يكتبه إلا على أن الناس كلهم له أعداء"، فإن الأمر يصير محل ريبة، فيما يعني أن الكاتب يرتاب من القارئ قبل أن يغامر بصياغة يومياته ويبوح بأسراره، لأن الكلام والكتابة، كما يقول كيليطو، مرتبطان بانزعاج قد يبلغ حد الخوف والذعر.

بيد أني أعتقد أن وعي الكاتب بقيمة ما يقدم هو الدافع الأقوى إلى نشر اليوميات، حتى لو افترضنا أنه فكر أول الأمر أن يدونها ويحتفظ بها لنفسه، فإنه ولاشك في مرحلة ما سيخرجها بدافع كشف الذات التي تريد أن تعبر عن عالم عاشته وعن تجربة تستحق أن يطلع عليها الآخرون. إن الذات ترى دائما أنها لم توضع في مكانها الذي تستحقه أو في وضع لا يتلاءم مع تصوراتها، لهذا تكتب محكيا يفضح ويعري أشياء كثيرة تساهم فيها أوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية، فينحى المحكي منحا تمثيليا للوقائع والمواقف دون أن يخرج عن سياق الوضع العام للحقبة أو للزمن الذي يكتب عنه أو فيه الكاتب يومياته.

من هذا المنطلق تتناول هذه القراءة "يوميات معلم في الأرياف" ، للسعيد الدريوش، وقد صدر هذا الكتاب عام 2017 عن المطبعة السريعة بالقنيطرة. ويقدم (في 112 صفحة) صورة واضحة ونموذجا لواقع رجل تعليم عين بإحدى الفرعيات بمنطقة جبلية بالشمال (معروفة بزراعة الكيف). اصطدم الشاب بعالم منعزل أشعره بوجوده في سجن كبير، يقول: "تأملت المكان، وأيقنت أني غريب في وطني، سحين في حريتي، مدرسة بواد غير ذي زرع ولا ضرع، تطل على مقبرة نسجت قبورها صدرا يريد أن يحضنني، الدوار هناك على بعد كيلومترين من المدرسة، أنا والأموات فقط هنا، تركني وطني وحيدا مع الأشباح" (ص7) . إن الصدمة التي تلقاه كانت أكبر من تصوره، لأن المكان، حيث توجد الفرعية التي سيدرِّس فيها، لا يوحي إليه إلا بالموت، فإما أن يحيي الموات بالتعليم أو أن يستسلم للموت (اليأس). ويتجلى في هذا، صراع من أجل تحقيق البقاء والبطولة، وهو ما يحتاج إلى فاعل.

1. الفاعل والبطولة

نلاحظ- بداية- أن هذه اليوميات تتقاطع على مستوى العنوان مع رواية توفيق الحكيم" يوميات نائب في الأرياف"، ورغم اختلاف الجنسيين الأدبيين، إلا أن المشترك هو التجربة الذاتية والإنسانية، فكما أن تجربة توفيق الحكيم كانت تجربة (فاعل) في وسط ريفي بمصر حيث مثَّل السلطة، فإن السعيد الدريوش في يومياته بوسط مغربي جبلي يخوض صراعا مع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. وهو صراع لأجل النجاة من واقع هزيل يقاوم فيه قسوة الطبيعة (برد قارس، أمطار، جبال عازلة..) وقسوة ووحشية الإنسان والحيوان والحشرات.. وسلطة المدير الذي ينعته بملتهم المطعم المدرسي والذي كان سببا في تأخر ترقيته.. يقول عن المكان : " يوم واحد في الفرعية كألف سنة مما تعدون". إن خوض الصراع من أجل النجاة يتجلى في تحقيق بطولة تخلع عنه صفة المفعول، ويقاوم كي يكون فاعلا (معلما). وإذا كان توفيق الحكيم في روايته نائبا يمثل دورا وظيفيا مؤثرا، فكذلك الكاتب السعيد الدريوش، هو معلم يؤدي واجبه في ظروف غير مناسبة لا يد له فيها. وأدى به ذلك إلى تجاوز دور المعلم إلى أدوار أخرى، كدور الفقيه، ثم مجتهد في المذهب (كما يقول) إلى درجة المجتهد المطلق، يقول: "من غرائب ما أنتجت جواز صلاة التراويح خلف المذياع لأن إمام المسجد كان يزرع الحشيش ويجمع محصوله وراء المحراب، لهذا تختلط عليه الآيات.." (ص20). وتجاوز دور المعلم أيضا إلى أدوار أخرى تمكنه من أن يبقى على قيد الحياة وأن يلبي متطلباته الضرورية، يقول: "فبالإضافة إلى ضبط التخصص التربوي والبيداغوجيا والديداكتيك، يتحتم على المعلم في الأدغال والبراري أن يكون ماهرا ومتخصصا في ركوب الدواب، وحلب البقر والماعز، وسقي الماء من العيون والآبار" (ص48). ولكي يكون فاعلا أيضا فهو تجاوز دوره الوظيفي للأدوار أخرى حرفية وغيرها، يقول: " لكي تكون معلما ناجحا في الأدغال وفي جزر القنب الهندي والحشيش الطازج اللذيذ، ينبغي أن تكون ماهرا في كل شيء، موسوعيا باهرا، وحرفيا متخصصا في شتى أنواع الفنون. عليك أن تكون نجارا لإصلاح الطاولات والسبورة، وبناء لترميم ثقوب القسم وشقوقه والحفر الضخمة المنتشرة كالفطر داخل السكنيات المدرسية، وفقيها مقاصديا تؤم المصلين الذين لا يتعدون الأربعة في مسجد الدوار (..) وعليك أيضا أن تكون جزارا صلبا تنحر الدجاج والماعز والغنم وبيبي حبيبي لكل امرأة تأتي إلى المدرسة، حتى أصبح القسم الآيل للسقوط، والذي لم ترد النيابة ترميمه رغم العديد من المراسلات والشكايات التي توصلت بها من المعلمين السابقين والحاليين، الأموات والأحياء، مكانا جيدا للذبح السري"(ص42). ويحاول الكاتب هنا السخرية من الوضع، ويعتبر المسؤولين و السياسيين هم السبب فيه. ففي موضع آخر يقول: " أليس في المسؤولين رجل رشيد؟ "(ص47). وحيث أن المعلم في عزلته بمكان الفرعية (التي أسماها فرعيانتامو على وزن غوانتانامو) مكلف بتدريس قسم مشترك فيه مستويات مختلفة : الثالث والرابع والخامس والسادس، ويدرس المادتين معا العربية والفرنسية، فإن هذا الوضع المزري أنتج لديه استياء من الواقع والظروف، مما أجبره على إعادة النظر في التكوين الذي تلقاه في مركز المعلمين، لأن إنزال ما تعلمه على وسط طاله الإقصاء والتهميش يعد هراء، يقول مثلا: " وبدأنا نتساءل عن مغزى التنشيط قرب الحمار زعيريط الذي لا يحلو لصاحبه احميدو اعتقاله إلا في ساحة المدرسة، قائلا: أستاذ سعيد، راقب هذا الحمار جزاك الله خيرا، واحذر أن يغادر ساحة المدرسة" (ص25).

إن الكاتب في كثير من يومياته لا يكتفي بسرد ما وقع له بل ينقل إلينا أيضا تداعياته النفسية وما كان يفكر فيه هو وزملاؤه، ومن خلال ذلك يستطيع القارئ أن يستشعر نفسية الكاتب ومواقفه الواضحة بل يعبر عنها بأسلوب ساخر، لهذا نقرأ أنه إضافة إلى رأيه في صعوبة إنزال ما تعلمه، خلال التكوين بالمركز، على الواقع ينتقد أيضا سياسة الوزارة التي تلزم المعلم بارتداء وزرة بيضاء في ظروف غير مؤهلة لممارسة التدريس: "بدأنا نتساءل عن الوزرة البيضاء التي أمرنا بارتدائها في غياب المراحيض، حتى إذا بلغت الحلقوم فإنك تهرول كالمهر بوزرتك صوب أقرب شجرة (...) بدأنا نشعر بمهزلة الوثائق التربوية البعيدة كل البعد عن واقع يفتقر إلى كل شيء، فكرنا أيضا في سيارات النقل السري والشاحنات التي تقل المعلمين إلى فرعياتهم عوض سيارات تحفظ كرامتهم وتقدر رسالتهم الملائكية"(ص25).

يعتبر الكاتب التفكير حقا مشروعا، فمن حقه أن يفكر في أوضاعه، ليؤكد وجوده، وليظل محافظا على وعيه، خاصة في تلك الظروف التي يسهل فيها الانجراف نحو مطب الإدمان (لوفرة سبل الحصول على الحشيش) حتى يفقد عقله، فقد قال عن بعض المعلمين: "ومنهم من طار له العصفور في جزر الواقواق من فرط تدخينه للماريخوانا والشقوفة" (ص57)، إذن هو يحتمي بالتفكير كعلامة على الوجود، "نحن نفكر إذن نحن موجوجون"(ص25).

إن تحقيق البطولة هو ما ساق السعيد الدريوش إلى التفكير والتعقل وعدم الاستسلام رغم كل الظروف السيئة، وحاول أن يؤدي دوره، إلا أنه تجاوز دور المعلم إلى أدوار أخرى حتى لا يقع في موضع من مواضع الإعراب مفعولا به، لهذا نجده مطالبا من طرف السلطة بالإشراف على عملية الاقتراع الانتخابي بالدوار، ولم يرفض، لإيمانه بواجب صنع التغيير في المجتمع بأبسط ما لديه من وسائل وإمكانيات. ورغم صعوبة المسؤولية، خاصة في واقع مشحون بالعنف، إلا أنه حاول أن تمر العملية الانتخابية في ظروف نزيهة كاد أن يكون ضحية لما يعقبها من معارك عنيفة بين أنصار المرشحين.

ثم إن تحقيق البطولة والانتصار على الواقع هو ما دفعه إلى التفكير في متابعة دراسته الجامعية ومداعبة القرطاس والقلم (كما يقول بدل) " الكارطا والبارشي والدكوك" فما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. ويعد ذلك شكلا من أشكال التمسك بحبل النجاة لتحقق الذات مطالبها المشروعة. وبعد اثنتي عشرة سنة غادر الفرعية إلى وزان ليدرس بإحدى ثانوياتها بعد نجاحه في مباراة تغيير الإطار. لقد عبر الكاتب بإحساس بليغ عن لحظات وداعه للفرعية؛ احساس رغم ما يضمره من سعادة بتحسين وضعيته المهنية فيه أيضا حسرة وحنين لأن الإنسان، مهما كانت الظروف التي يعيش فيها، يكوّن علاقات وروابط مع المحيط حوله، فهو لم ينتقل إلا بعد أن ترك بعضا منه بتلك الأرض، زهرة شبابه التي " امتص نحل الحرية رحيقها وعبق مسكها" (ص106). والأرض أيضا تصير جزءا من الإنسان حين يشرب من مائها ويأكل من خبزها، ويخالط إنسها وجنها وحيواناتها وحشراتها، لهذا يقول: "اثنتا عشرة سنة من استنشاق رائحة الأرض المبللة بأولى قطرات المطر المتكاسلة، سنين عجاف من ملامسة خبز خشن، ببقايا الرماد المتناثر على جنباته كعيون تخفي أسرارا لن تبوح بها إلا في الوقت المناسب، كنت كسمكة تتلوى خارج بركة ماء، أو فرس جامح استعصى عن الترويض" (ص106). إن المكان هنا صار جزءا منه، لهذا كان الفراق شديدا بطعم الحنين، يقول: " الأماكن تحن لمن يعمرها ويغمرها بحنان ولطف"(ص106). وهذا يؤكد أن الكاتب كان فاعلا لا مفعولا به، لأن من يترك الأثر الطيب هو من يستحق أن يحن إليه المكان، وتجلى ذلك في تأثر التلاميذ والناس حال وداعه، ليقول له أحد تلاميذه: " أستاذ صافي سخيتي بينا". كما تجلى في وداع أهل القرية له بجدي أقرن سمين، كعربون محبة وتقدير وتكريم.

خرج الكاتب من صراع قوى مختلفة منتصرا على الواقع والظروف ومنتصرا على الطبيعة والحيوان والإنسان.. وبقدر ما أعطى أخذ، لكنه عطاء وأخذ غير متكافئ، فمن ناحيته كان فاعلا فأعطى لأولئك الأطفال نصيبا من العلم فأعطوه خبزا حافيا، بنكهة آهات البؤساء. إنها رؤية إنسانية لرجل تعليم شارك تلاميذه في حياتهم القاسية وفي ظروفهم الطبيعية والاجتماعية البئيسة وسط عالم أريد له الإقصاء والتهميش، فساقه القدر ليقتسم مع أولئك الأطفال الألم والشجن، فعلمهم أبجديات اللغة وعلموه أبجديات الحياة.

خاتمة 

 "يوميات معلم في الأرياف" كتبت بلغة جميلة سلسة تنزع نحو السهولة للبيان، وتستثمر فن السرد الرشيق لتكشف عن محكي ذاتي طرح قضايا عديدة تخص المعلم والتعليم عموما في مناطق هامشية لم تنفك عنها العزلة، بعيدا عن أي أثر للحضارة. وطرح عبرها الكاتب السعيد الدريوش قضايا تخص كل ما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي وأخلاقي وإنساني... يوميات نقلت إلى القارئ حياة ومشاعر المهمشين وبعض تفاصيل عالمهم، وعبرت خوف واضطراب الإنسان في عالم مجهول يصارع فيه قوى الطبيعة والحياة والقرارات، ويقاوم فيه مخاطر الموت والأمية والجهل كي يحقق بطولته.

رشيد أمديون

«مسرح توفيق الحكيم» للناقد المصري محمد مندور

 #2021_القراءة

 «مسرح توفيق الحكيم» للناقد المصري محمد مندور. 180 صفحة.
يتناول هذا الكتاب علاقة الأديب توفيق الحكيم بالمسرح، وارتباطه الوثيق بهذا الفن وما عالجه من خلاله من قضايا فكرية واجتماعية وقضايا الحياة، حيث قسم الناقد مسرح توفيق الحكيم إلى ثلاث اتجاهات: مسرح الحياة، والمسرح الذهني (أو ما أسماه التجريدي)، والمسرح الهادف. فعالج محمد مندور كل مسرح على حدة اعتبارا لما يستمده من موضوعات وما يقدمه ويكشفه للمتلقي وما يحيط به من سياقات ظهوره. كما ذهب إلى أن هذا التنوع في مسرح توفيق الحكيم له ارتباط بما عرفه مساره من تطور خاصة وأنه من الذين كانوا يؤمنون بنظرية "المسرحية للقراءة"، وتحول عن هذه الفكرة تدريجيا منذ سنة 1949، حيث أن المسرحيات التي كتبها بعد هذا التاريخ مثل "إيزيس" و"الأيدي الناعمة" و"الصفقة" و"رحلة الغد" و"أشواك السلام" حاول فيها كلها أن يجمع بين الفكرة والحركة الدرامية، بل وتطور معنى الفكرة نفسه عنده فلم يعد هدفه من الفكرة مجرد تجسيم إحدى حقائق الحياة التي يؤمن بها، بل أصبح معناه أن تصلح تلك الفكرة أيضا لقيادة المجتمع أو لتوجيهه وحث خطاه على طريق معين مما يصح معه أن نقول بأن الحكيم قد تطور مفهومه للفن المسرحي بين تلك الاتجاهات (مسرح الحياة، المسرح الذهني، والمسرح الهادف).
وهذا التطور يعود بالأساس إلى قدرته على التكيف مع المراحل الزمنية والأحداث، فهو يردد في أدبه مفاهيم الحياة، الثورية الجديدة، ويؤيد المفاهيم بل ويوجه نحوها. وتجلى ذلك في مسرحياته "الأيدي الناعمة" و"الصفقة" و"أشواك السلام" والتي يعتبرها الناقد من خير ما كتبه الحكيم من مسرحيات، من ناحية مضمونها الإنساني الصاعد الذي يواكب ركب الإنسانية المتطورة دائما إلى الأمام.
كما أن محمد مندور ركز في هذا الكتاب على ما عكسه إنتاج توفيق الحكيم المسرحي كمشكلة المرأة وعلاقتها بالرجل والتي ابتدأ توفيق الحكيم الحديث عنها بروح عدائية شرسة صاخبة ضد المرأة في عدد من مسرحياته الأولى مثل "المرأة الجديدة" و"نائبة النساء" و"جنة الأزواج" و"جمعية النساء"، ثم انتقل من مرحلة العداوة للمرأة مع تقدمه في السن إلى مرحلة التشكيك والحيرة وما سماه بالصراع بين الفن والحياة أي بين الفن والمرأة، وحسم هذا الصراع في مسرحية رمزية (ذهنية) من مسرحياته وهي مسرحية "بيجماليون" التي وظف فيها الأسطورة. وإن كان عاد إلى نفس المشكلة بعد زواجه عام 1946، حيث جاءت مسرحيتيه "يا طالع الشجرة" و"مصير الصرصار" تعالجان نفس المشكلة (علاقة الرجل بالمرأة).
هذا الكتاب الذي يجمع فيه محمد مندور بين التحليل لمسرح توفيق الحكيم ونقد بعض إنتاجه المسرحي من الناحية الأدبية والفنية والدرامية يجعل القارئ يحيط معرفة بالتركة الأدبية المسرحية للأديب الراحل توفيق الحكيم وما كان يحيط بسياقات إنتاج النصوص المسرحية لتوفيق الحكيم، وظروف المسرح عامة في مراحل حياة هذا الأديب الذي وظف التراث الأسطوري والديني في إبلاغ أفكاره ورؤيته للحياة والمجتمع والمعاني المجردة (كالفن والحياة، والمعرفة، والقدرة، والحكمة، والحقيقة والواقع..).

رشيد أمديون
 18 مارس 2021

الرواية ملحمة بورجوازية

 


كتاب «الرواية كملحمة بورجوازية» لجورج لوكاتش، ترجمة جورج طرابيشي، عن دار الطليعة للطباعة والنشر ببيروت، إصدار عام 1979.
هذا الكتاب المتوسط الحجم، من 94 صفحة، يطرح بعض ما صاغه لوكاتش (1885-1971) من مفاهيمه الأساسية في مضمار النظرية الروائية.
ينطلق جورج لوكاتش من تعريف هيجل للرواية بأنها ملحمة بورجوازية، ثم يقول بعملية تحقيب لها، بتحديد المراحل الأساسية لتطورها شكلا ومضمونا بالتوازي والتضامن مع المراحل الأساسية لتطور البورجوازية. فالرواية هي في تعريفه، النوع الأدبي النموذجي للمجتمع البورجوازي؛ بولادة هذا المجتمع رأت النور، ومع تطوره تطورت، حيث أن السمات النموذجية للرواية لم تبرز إلى حيز الوجود إلا بعد أن صارت الرواية الشكل التعبيري للمجتمع البورجوازي، وقد صورت الرواية تناقضات المجتمع البورجوازي. وبزواله وبقيام المجتمع الاشتراكي عادت إلى منابعها البطولية الأولى، من خلال تصوير العالم الروائي البروليتاري، وهو عالم الإنسان في صراعه البطولي ضد القيم الطبقية الإقطاعية والرأسمالية، فبرز البطل الإيجابي في الرواية، وبهذا استعادت أبعادها الملحمية مع كبرى الإنجازات الروائية للواقعية الاشتراكية: (الأم) لمكسيم غوركي، و(الدون الهادئ) لشولوخوف.
ويذهب لوكاتش إلى أن الرواية ذلك النوع الملحمي الكبير، ذلك التصوير الحكائي للكلية الاجتماعية، وهي القطب المقابل للملحمة العصور القديمة ونقيضها الجذري.
ويتضح في الكتاب منظور لوكاتش للرواية، والذي يتداخل فيه الفكرين الهيجلي والماركسي، هذا المنظور الذي أنتج فكرا اهتم بشكل كبير بالتأسيس لمقولات نقدية جديدة حددت تصوره للشخصية الروائية كما بلورت رؤيته الخاصة لمفهوم الواقعية العظمى.
16 شتنبر 2020

رواية «المصري» والهوية الثقافية والاجتماعية

اعداد: رشيد أمديون

رواية «المصري» للدكتور محمد أنقار. منشورات باب الحكمة. اصدرا 2014.
كتبت يوما، منذ بضع سنوات، عن الإيهام في المجموعة القصصية "البحث عن فريد الأطرش" للروائي والقاص الراحل محمد أنقار. وعنونت المقال بـ"إيهام القارئ في البحث عن فريد الأطرش". وذهبت إلى أن المبدع محمد أنقار استطاع أن يوهم المتلقي من خلال عنوان المجموعة القصصية، أنه أمام بحث مستمر عن قامة فنية تمثلت في فريد الأطرش. فيظل أثناء قراته مسكونا بهم البحث ودواعيه رغم أن اسم فريد الأطرش لم يرد ذكره إلا مرة واحدة في النص الأخير... هذا الإيهام الذي استخدمه الكاتب في منجزه القصصي "البحث عن فريد الأطرش" هو نفسه الذي نجده في روايته المصري. فالمتلقي يتوهم بمجرد قراءة العنوان أنه إزاء عمل روائي بطله شخصية مصرية، إلا أن قراءة النص إلى النهاية تزيح عنه حيلة الإيهام، وخاصة حين يتضح أن بطل الرواية مغربي تطواني، أي نعم، هو مولع بمصر وأدبها وبأعمال نجيب محفوظ بالخصوص، إلا أنه مرتبط ارتباطا قويا بمدينته تطوان، فيأخذنا في دروبها وأزقتها وحاراتها وحركة الناس بها وما استجد فيها من مظاهر معمارية وأخلاقية واجتماعية... وهذا الهوس هو ما دفع السارد أحمد الساحلي إلى التفكير -بعد التقاعد- في كتابة رواية عن مدينته محتذيا نهج نجيب محفوظ الذي عرّف بالحارة المصرية من خلال رواياته.. فتدور فصول الرواية حول هذا المبتغى (كتابة رواية) وإصرار السارد على هذا المشروع معتقدا أن الكتابة عن مدينته بمثابة استمرار لحياتها ووجودها وحفظا لها من مظاهر التشويه المعماري والأخلاقي والاجتماعي..
ويتوهم السارد أن الدور الذي بقي له في الحياة يتمثل في تحقيق هذا المشروع الأدبي. فبعد التقاعد صار يشعر أنه مقبل على الموت. من أجل ذلك يواجه الظروف التي تحول بينه وبين تحقيق مشروعه، ورغم تحديه وإصراره إلا أنه يفشل في النهاية.
يؤسس الكاتب هذا النص "المصري" على تفكير نسقي في دواعي الكتابة ومستلزماتها ومعيقاتها ومحبطاتها.. فهي في مجملها تمثل هما شاغلا لفكر السارد الذي يطمح في كتابة روايته، وبهذا فتقنية "الميتا رواية" (ما وراء الرواية) أعطت للنص بعدا جماليا وفتحت أمام القارئ عوالم أدبية وفنية أشرك فيها الكاتب القارئ وسار به نحو فضاء من التخييل والتصوير وتشكيل المتخيل السردي وطرح المفارقات والصيغ الملائمة لدعم فكرة ضرورة صيانة ذاكرة المدن وحفظ الهوية الثقافية والاجتماعية من التلاشي والموت.

مهزلة العقل البشري


اعداد: رشيد أمديون

«مهزلة العقل البشري»، كتاب للباحث الاجتماعي العراقي علي الوردي. الطبعة الثانية 1994، عدد الصفحات 300 صفحة.

يبدو هذا الكتاب (كما أشار فيه الكاتب) أنه امتداد لكتاب سبقة بعنوان «وعاظ السلاطين»، وقد عزز فيه طرحه داخل إطار البحث الاجتماعي قصد فهم الطبيعة البشرية المترفة وتحليل لبعض الوقائع التاريخية ذات الطابع الاجتماعي مع ربطها بالواقع المعاصر، وينطلق الكاتب من فرضية أن التنازع ضرورة وحتمية لإنتاج حركة اجتماعية تؤدي إلى التطور والإبداع والانسلاخ عن التقليد للخروج من البدائية إلى المدنية، رغم أن المدنية إذا جاءت جلبت معها محاسنها ومساوئها. وبيَّن أن مدار التنازع قديما هو السلاح لفرض المعارض معارضته، أما اليوم فيكفي للحزب المعارض أن يدعو لمبادئه عن طريق الصحافة والإذاعة والخطابة وما أشبه.. إن التنازع انتقل من طريق العراك الدموي إلى طريق الجدل الورقي (أي التصويت)، وبهذا صارت الحضارة تركض في سيرها ركضا سريعا لا يعرف مصيره. كما بين الكاتب أنواع التنازع وأسبابه.. ثم ناقش آراء الفلاسفة في العقل البشري، وتطوره (كما عند ابن طفيل)، على ضوء الأبحاث الحديثة، ثم ناقش قياس المناطقة الذين يؤمنون بمنطق أرسطو، واعتبره قياسا تافها لأنه يعتمد على مقدمة كبرى تستند على البديهيات المألوفة.. وينتصر لمبدأ السفسطائيين، وبين عيب المدينة الفاضلة لأفلاطون واعتبره من المترفين، ثم تناول أكبر القضايا في التاريخ الإسلامي وهو الصراع على الخلافة الإسلامية بعد وفاة الرسول. وقيّم أسباب الجدال المتداول إلى يومنا هذا حول خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأسباب ذلك الخلاف القائم بين أتباع عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وانتقد ما انساق إليه المسلمين من انشغالهم بالمفاضلة بين هؤلاء الرجال عن المسألة الأساسية التي دافع عنها علي وهي إقامة عدالة اجتماعية، فهو يرى أن كل دعوة لإقامة العدالة الاجتماعية هي ثورة ضد ظلم المترفين، واعتبر الظلم شعورا يحسه الناس، وهو ما يحركهم نحو المطالبة بالعدالة، لهذا يقول أن التفاعل المستمر بين المترفين والأنبياء على توالي القرون هو الذي أنتج لنا هذه المدنية الحديثة التي ننعم بها الآن. والمدنية الحديثة قد امتازت بأمرين يمكن اعتبارهما من عجائب التاريخ: هما الحكومة الديمقراطية من ناحية والتقدم العلمي من الناحية الأخرى. وهذان الأمران لم ينشآ دافعة واحدة. فكل منهما هو نتاج سلسلة طويلة من الجهود المتواصلة ساهمت فيها جميع الأمم. إن كل أمة متمدنة في التاريخ أنتجت سلاطين مترفين وأنبياء ثائرين. وليس من الممكن أن يظهر المترفون في أمة دون أن يظهر تجاههم أنبياء وأشباه أنبياء على وجه من الوجوه. ويرى الكاتب أن السيطرة والتمرد وجهان متلازمان من أوجه التاريخ الاجتماعي، وليس من الممكن فصل أحدهما عن الآخر. ولولا وجودهما إلى جنب لما ظهرت في التاريخ تلك النبضات الحية.

وهكذا، يتناول الكتاب أيضا أحداث التاريخ والتاريخ الإسلامي في ضوء المنطق الاجتماعي الحديث وطرح قضايا شائكة مازالت تؤثر على المجتمع والعقل البشري. وهذه بعض الإشارات مما يعرضه الكتاب بالتحليل والنقاش.

الإنتاج المعرفي والتاريخي في ثقافة «سوس»

بقلم: رشيد أمديون

يعد كتاب «سوس التاريخ والثقافة والمجتمع» للباحث أحمد السعيدي؛ بحثا علميا يضم بين دفتيه، مقالات ودراسات، إضافة إلى نصين محققين، ما يشكل هذا المعطى مادة مهمة تهتم بالنتاج المعرفي والتاريخي في الثقافة السوسية الأمازيغية والعربية.

وينقسم الكتاب إلى مقدمة الكاتب، وسبعة عناوين كبرى بمحاورها الفرعية. إضافة إلى تقديم لجعفر بن الحاج السلمي، الذي نوه فيه بمجهود الباحث، مخاطبا القارئ أنه سيجد في هذا الكتاب مبتغاه، بدون زيغ إلى عصبية وشُعوبية، وأن مُنطلَقه هي محبة مفعمة لبلد الباحث سوس الغامرة لكل المغرب، ودار الإسلام ولكل الإنسانية.

العنوان الأول «من تاريخ سوس»؛ يضم هذا الباب ثلاثة محاور، حيث يبرز المحور الأول مظاهر التلقي والاكتشاف لمنجز ابن خلدون من المنظور السوسي للتاريخ. وحضور ابن خلدون لدى المؤلفين السوسيين ابتداء من القرن الثامن عشر. فركز الباحث على أربعة أسماء بارزة التأثير في الثقافة السوسية: محمد الحضيكي (1775) ـ محمد الإكراري (1939) ـ محمد المختار السوسي (1963) ـ إمحمد العثماني (1984). ثم بين أن السوسيين استفادوا من ابن خلدون، وأنهم ناقشوه في بعض القضايا، وانتقدوه فيها بأسلوب علمي، كما اعترفوا له بالريادة العلمية، واقتبسوا من آثاره في مؤلفاتهم وتصوراتهم ومشاريعهم العلمية، وغير ذلك.

وفي المحور الثاني الذي عنونه بـ«مقاومة سوس للوجود الأجنبي من خلال مذكرات القائد النّاجم الأخصاصي». فقد بين بعض مظاهر مقاومة الوجود الفرنسي في سوس، إبان عهد السلطان مولاي يوسف، انطلاقا من مذكرات القائد المذكور. وحدا الباحث إلى إبراز منجزه ضمن المقاومة في الجنوب المغربي خاصة سوس. وما عرفه مساره من تحول من قائد مخزني منذ عصر الحسن الأول إلى مقاوم قبَلي في العهد اليوسفي، إلى حدود الاحتلال التام لسوس سنة 1934. موضحا مسوغات مقاومته ومرجعيتها من خلال سيرته ومظاهر مقاومته بعد انضمامه إلى حركة الشيخ أحمد الهيبة.

ثم تناول في المحور الثالث: «حركة المقاومة في سوس من خلال مخطوط «تاريخ ثورة أحمد الهيبة». وهذا المخطوط يعود للمؤرخ عباس بن محمد التعارجي المراكشي (تـ1959) وقد عرّف الباحث بهذا الكتاب المخطوط وسياق إنتاجه وموجّهات مؤلفه وموضوعه وبعض قضاياه وقيمته ومنهاجه. من ذلك مثلا أن صاحب المخطوط قام بالموازنة بين الوضع العام في المغرب ونظيره في مصر، وبموازنة بين ثورة أحمد الهيبة وثورة عُرابي. وقد أوضح الباحث أن المراكشي مؤرخ رسمي صرف، موقفه متساوق مع منطق المخزن ودولة الحماية، بما يعني أن له موقفا سلبيا كباقي طائفة من العلماء من حركة الهيبة، لهذا يسوق في مخطوطه المناظرة التي كانت بين أبي شعيب الدكالي وأحمد الهيبة.

حياة الطاهر الإفراني

العنوان الثاني: من الكتابات المنقبية في سوس؛ من محورين. الأول: مناقب الطاهر الإفراني، للفقيه أحمد أبناو، تقديم وتحقيق. وقد تناول الباحث هذا الكتاب المخطوط بالوصف وبيّن سياق إنتاجه. إذ يندرج في الكتابات المناقبية التي يحتفي فيها التلاميذ أو المريدون بشيوخهم، وما جعل استحضار أبناو بوصفه مؤلفا منقبيا لشيخه هو السعي في الترقي بمجتمعه، حيث يقدمه مثالا بتجاوز بعض مظاهر تلك الأزمة، التي زلزلت سوس بعد احتلالها سنة 1934. بمعنى أن الخطاب الذي توجهه هذه الكتابات المناقبية هو الأزمة وكيف الفكاك منها. هذه الأزمة التي تتمثل في احتلال سوس والمغرب عامة. وقد أبرز هذا النص/المخطوط حياة الطاهر الإفراني وشخصيته العلمية والصوفية، وأخلاقه ودوره في إصلاح مجتمعه وأيضا في الإصلاح الديني والسياسي، إذ كان الإفراني داعما لحركة الهيبة ومنضما إليها ويعتبرها حركة جهادية… كما أن صاحب المخطوطة وضع شهادته في حق شيخه معربا عن محبته، بعد أن أثبتت له الولاية والصلاح… وقد أدرج الباحث في هذا الكتاب نص أحمد أبناو في مناقب شيخه وعمل على تحقيقه.

ويأتي المحور الثاني أيضا ضمن الكتابات المنقبية في سوس بعنوان: شيخنا الوالد الفقيه أحمد أبناو. يتناول مخطوطة أخرى لأحمد أبناو؛ فإن كانت الأولى تعنى بشيخه، فالثانية كتبها في حق والده الحسن بن سعيد. وقد وصف الباحث الكتاب/المخطوط وحجمه وبيّن دواعي تأليفه، ثم من خلاله عرض كيف تناول أبناو سيرة والده ومناقبه وأدبه وأخلاقه، متبعا منهج التقسيم: الوالد الفقيه، الوالد المتصوف، الوالد الطبيب، الوالد المربي. ثم أبرز الباحث منهاج المؤلف وقيمة الكتاب الترجمية والنَّسبية والعلمية. وفي الأخير أدرج النص محَققا.

الثالث: في التصوف السوسي؛ وفيه محور واحد، عنونه بـ«ظواهر صوفية في الكناشات السوسية» حيث حدد مفهوم الكنّاش، ونبذة عن التكنيش في سوس، وأن الكناشات مثلت جنسا كتابيا ذا بال في سوس، وجل علماء هذا القطر مكنشون، كما ذهب إلى ذلك محمد المختار السوسي. مما جعل هناك تراكما يمكن من خلاله بيان ظواهر صوفية في بعض الكناشات التي تحصل عليها الباحث من الخزائن العامة والخاصة، وبذلك اشتغل على 1. كناش داود الرسموكي 2. كناش عبد العزيز الأدوزي 3. كناش إسماعيل السكتاني 4. الكناشات السبع لعبد الرحمان الرملي الهوّاري. وانتقى الباحث الظواهر الصوفية من هذه الكنانيش، ممن ينتمي أصحابها إلى طرق مختلفة؛ درقاوية وتجانية وناصرية. ومنهم من لم ينخرطوا في طريقة بعينها. ومن الظواهر التي تعرض لها الباحث:

1. الظاهرة الإصلاحية: إصلاح الصوفية (الطريقة وأصحابها والمجتمع). – إصلاح المخزن من خلال إصدار ظهير شريف.

2. ظاهرة السجال بين الطرق؛ وخاصة السجال الذي كان بين منتقدي الطريقة التجانية وما حُبّر فيه من كتابات وردود بين الطرفين.

تناول المحور الثاني الصلات العلمية بين سوس ودرعة، وأخذ الباحث صلة محمد بن سعيد المرغيتي بالناصريين مثالا متميزا بمختلف العرى الدينية والثقافية والعلمية والإنسانية.. والعلامة المِرغيتي (1089هـ) استطاع المزاوجة خلال سيرته العلمية بين شخصية العالم والرحالة، فسعى في نشر العلم في تمكروت وبدرعة وغيرها.. وساهم في تنشيط الحركة العلمية.

الرابع: أعمال المختار السوسي؛ وهو من محورين، الأول: «مترعات الكؤوس في آثار طائفة من أدباء سوس» للعلامة محمد المختار السوسي. بيّن الباحث أن في عنايته بالتراث الثقافي السوسي استحضار لرؤية محمد المختار السوسي في التعامل مع هذا التراث، وهو السعي بالعناية بالجزء في سياق الكل، والانطلاق من الخاص إلى العام. فهو تراث مغربي بوصفه صادرا عن مكونات ومؤثرات وروافد مشتركة وإن اختلفت بعض الشيء.. ثم وضح دواعي اختياره الموضوع، الرغبة في خدمة التراث المغربي عامة والسوسي خاصة، وخدمة تراث محمد المختار السوسي، والإسهام في توفير المواد الخام لأبناء اليوم والغد.. ثم عرض الباحث تصميم البحث ومنهجيته في اشتغاله على المتن المحقق «مترعات الكؤوس» وخطاطة التحقيق.

أما المحور الثاني، فقد اعتنى فيه بالعلامة محمد المختار السوسي وجهوده في الاعتناء بالتراث المخطوط، باعتبار تراث الرجل يتميز بالتنوع والغنى (التاريخ، الأدب، العلوم الشرعية والإنسانية)؛ فتناول الباحث فكرة الاعتناء بالتراث عند المختار السوسي باعتباره جامعا للتراث المخطوط، وبيّن منهاجه في الجمع الذي يقوم على الرحلة، والعلاقات الاجتماعية، والاستعارة، والنسخ، وفوق هذا، خصاله التي مكنته من تحصيل المصادر، والتواصل مع النخب الدينية والعلمية والسياسية.. وأضاف أنه في سوس تطرح مسألة مهمة وهي إتقانه اللغة الأمازيغية… ثم أشار الباحث إلى أن المختار السوسي، يعد مفهرسا ومحققا للتراث المخطوط.. ثم تصرف السوسي في النصوص التي وردت في موسوعته «المعسول» بالتلخيص، الاقتباس، الغربلة، والتهذيب، والتنقيح… لأنه يعقد علاقة مع قارئ عصري، مراعيا له… كما أن تراث السوسي هو سعي إلى نشر المعرفة التراثية وتيسير سبلها للباحثين. وبهذا يكون المختار السوسي في هذا الشكل قد تجاوز حدود التراث السوسي للاهتمام بالتراث المغربي والإسلامي عامة، وذلك برز من المخطوطات النادرة التي وقف عليها، وكان سببا في نشرها وتحقيقها وذيوعها كرسالة سعدية، والذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وغيرها.

الخامس: التعليم في سوس؛ يضم محورا واحدا عنوانه «إصلاح المدارس العتيقة، نموذج مدرسة سيدي وكَاكَ». ويتناول في هذا المحور الرغبة التي كانت لدى علماء سوس في إصلاح المدارس العتيقة في سوس، ومنهم السوسي، أحمد شاعري الزيتوني، وقد تحدث المختار السوسي في نص سردي متخيل عن نهضة جزولة العلمية والدينية، فتخيل الجامعة الوكاكية كمؤسسة حديثة مجهزة بوسائط تعليمية عصرية. وهذا يوضح الحاجة الماسة إلى التحديث آنذاك وهاجس الإصلاح.

السادس: صلات سوس بفاس ودرعة؛ من محورين. الأول: «سوس والسوسيون في سلوى الأنفاس للكتاني» وهذا المحور يحاول البحث في آثار منطقة سوس العلمية والولوية في تضاعيف كتاب تراجم فاس، سلوة الأنفاس. من خلال عرض بعض أسماء علماء وصلحاء سوسيين. وتصور الكتاني لسوس وحضوره بجغرافيته وأعلامه..

وتناول المحور الثاني الصلات العلمية بين سوس ودرعة، وأخذ الباحث صلة محمد بن سعيد المرغيتي بالناصريين مثالا متميزا بمختلف العرى الدينية والثقافية والعلمية والإنسانية.. والعلامة المِرغيتي (1089هـ) استطاع المزاوجة خلال سيرته العلمية بين شخصية العالم والرحالة، فسعى في نشر العلم في تمكروت وبدرعة وغيرها.. وساهم في تنشيط الحركة العلمية..

العنوان السابع: سوس في الكتابات الأجنبية. من محورين. تناول الأول ما ورد في الكتابات الاستعلامية عن سوس، من خلال تقرير الكابتن سارتر عن منطقة «إيرزان» بنواحي تارودانت. وقد وصف الباحث التقرير وتاريخ الجمع في الرحلة التي استغرقت من 24 إلى 26 يناير/كانون الثاني 1935. وتاريخ الفراغ من كتابته 25 مارس/آذار 1953. والمعطيات التاريخية والجغرافية ولمحات إثنوغرافية اقتصادية التي يعطيها عن إيرزان. ثم دراسة أقسام القبيلة. وهذا التقرير الذي قدمه لسلطات الحماية هو بمثابة خدمة نفعت المحتل وقتها، كما هي أيضا خدمة للباحثين في تاريخ المنطقة.

«سوس في الرحلة الفرنسية المعاصرة»

أما المحور الثاني «سوس في الرحلة الفرنسية المعاصرة» فقد ركز الباحث فيه على منطقة تافراوت كنموذج، فعرض صورة تافراوت في رحلة بيير لوكو، ومارك دو مازيير. وخلص إلى أن الأول تعرف رحلته ضمورا من الناحية الاثنوغرافية، ما جعل رحلته إلى تافراوت عبارة عن تأملات في فضائها وأشيائها، وتأثره بالطابع الجمالي الفلسفي، وهذا ما جعل رحلته تحتفي بأدبيتها.. فحضرت صورة تافراوت في رحلته بشكل شاعري. أما رحلة دومازييىر فطغى عليها الوصف الاثنوغرافي، حيث نقل الرحالة مشاهداته ما بين تزنيت وتافراوت… وقيمة رحلته تتلخص في عرض لمرحلة تاريخية من الخمسينيات أواخر الحماية.. وقيمتها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. ثم بين الكاتب أن الرحالتين لم يستطيعا الفكاك من النظرة السلبية، فالأول يراها بنظرة استعلاء، والثاني يعد السكان مجرد جبليين يروضون الثعابين…

«سوس التاريخ والثقافة والمجتمع » كتاب موسوم بالتوثيق العلمي الرصين، يقدم مجهودا قويا يسعى من خلاله أحمد السعيدي إلى اكتشاف واستخراج خبايا تاريخ سوس العالمة، الزاخرة برجالات العلم والمعرفة والتصوف منذ عرف هذا الربع الإسلام بعد الفتح الإسلامي للمغرب، وهذا الكتاب أراه امتدادا لمشروع محمد المختار السوسي، الذي لا ننسى فضله في تحصيل مواد تراثية علمية وأدبية للباحثين، ومساهمته الفاعلة في استخراجها والتعريف بها. وإكمالا لهذا المسعى فالثقافة السوسية «تحتاج اليوم إلى جهود رسمية وعلمية ومدنية بحيث ترتقي من مجرد فولكلور يُستدعى كلما دعت الحاجة إليه، إلى درجة الإسهام الفعلي في بناء المجتمع» لهذا فالأولى الخروج بنصوص هذه الثقافة من عصر المخطوطات إلى عصر التحقيق والطباعة والنشر والعكوف على دراستها لتشكيل تاريخ ثقافي جديد وشامل لمنطقة سوس وتلك كانت رؤية المختار السوسي لمَّا ألف موسوعته «المعسول» حيث صرح قائلا: نطلب من الله أن يأتي بمن يستتم ما ينقص في الموضوع، أو يصحح الأغلاط».


كتاب: «القصة المغربية وسؤال التلقي قراءات في قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط»

 


صدر كتاب: «القصة المغربية وسؤال التلقي قراءات في قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط»، العام الماضي، عن منشورات "الراصد الوطني للنشر والقراءة"، وبدعم من وزارة الثقافة والشباب والرياضة. ويعد صدارا نقديا جماعيا يقع في 135 صفحة من الحجم الكبير.

وقد ساهمت في هذا الكتاب بدراسة نقدية في منجز القاصة فاطمة الزهراء المعنون بـ «ماذا تحكي أيها البحر..؟» فحاولت في الدراسة أن أركز على العتبات لأبرز من خلالها شعرية السؤال وجماليات الإيحاء في نصوص هذا المجموعة التي تُسائل باستمرار عن ظواهر الواقع والمجتمع الحديث، ومفارقاته، وقضاياه... ومساءلتُها تأخذ شكل السرد القصصي، ذلك لأن القصة عند فاطمة الزهراء تشبه كاميرا ترصد الحدث والتفاصيل، وتعرضها عارية من أي رتوش، تتوسل بالخيال والجمل الشعرية والإيحائية قصد تأثيث فضاءات المعنى بداية من العتبات وانتقالا إلى النصوص ومضمراتها.

القصة عند الكاتبة تعرض أوجها من حياة المجتمع الذي يخوض في هموم وانشغالات شتى. وإن كان البحر بامتداده وعمقه يختزن أسرارا وحياةً وعوالمَ مألوفة وغريبة، فإن المجتمع - بداهة - لا يقل عنه شيئا في ذلك بما يحويه من أسرار وعوالم غريبة متناقضة بل ومحبطة، قد ترغم العاقل والحليم أن يلوذ إلى الشاطئ ويُقبل على البحر قصد محاورته والاستئناس به والتخفيف من ضغوط الحياة، سائلا ذاته من خلال مظاهر البحر عن أصل الحكاية والحكاية، فيتشكل ويتجدد السؤال باستمرار: «ماذا تحكي أيها البحر..؟».

ويتضمن هذا الكتاب النقدي مجموعة من القراءات النقدية لثلة من الباحثين المغاربة:

1-  سعيد موزون: «البناء السردي واستراتيجية الحكي في قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" لفاطمة الزهراء المرابط»،

2-  الحسين اخليفة: «جماليات الحكاية والخطاب في القصة المغربية: قراءة في قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" لفاطمة الزهراء المرابط»،

3-  عز الدين المعتصم: «جدلية الحضور والغياب في قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط»،

4-  رشيد شباري: «سيمياء البحر في قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" لفاطمة الزهراء المرابط»،

5-  عبد الكريم الفزني: «"ماذا تحكي أيها البحر...؟" بين تداعيات الذات وتمثل الآخر»،

6-  رشيد أمديون: «شعرية السؤال وجماليات الإيحاء قراءة في عتبات "ماذا تحكي أيها البحر...؟" للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط»،

7-  جامع هرباط: «تجليات التناظر في قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط»،

8-  ميلود عرنيبة: «شعرية الاسترجاع في قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" لفاطمة الزهراء المرابط»، يتخلله مختارات من قصص المجموعة.

وقد جاء في ظهر الغلاف: «وتعتبر قصص "ماذا تحكي أيها البحر...؟" نافذة مفتوحة على تأويلات مختلفة، تدعو المتلقي إلى المشاركة في بناء النص وإعادة تشييد دلالته؛ إذ عمدت الكاتبة فاطمة الزهراء المرابط في قصصها إلى إبداع متخيل سردي ذي بداية مفاجئة ونهاية مفتوحة، ما يعبد الطريق أمام الباحث الراغب في سبر أغوارها وتفكيك بنياتها وولوج عوالمها المألوفة والغريبة التي تمزج بين الحقيقة والخيال وبين الحلم والوهم، إذ تسلط الضوء طيلة صفحاتها على مفارقات مجتمعية وإبداعية وفكرية ودينية، وشخوص مسكونة بهموم وانشغالات شتى، بتناقضاتها وصراعها وتمردها ونزعتها إلى الاحتجاج والتطلع إلى تغيير الواقع المعيش. إنها قصص تنزع إلى البناء الكلاسيكي والتجريب غير المبالغ فيه، وتتوسل بالخيال والصور الشعرية واللغة الإيحائية والرمزية والغموض قصد تأثيث فضاء المعنى».

ويأتي هذا الكتاب ليدعم استراتيجية القراءة والتأويل وتبني فكرة بناء رؤية واضحة للقارئ/الناقد أمام المنجز الإبداعي، فالمنجز الإبداعي صامت من غير القارئ والنص لا يصبح له وجود إلا بالقراءة.

القبيلة، الإقطاع والمخزن مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث 1844-1934

 



يقدم كتاب «القبيلة، الإقطاع والمخزن مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث 1844-1934» للباحث الهادي الهروي، موضوعا يحاول من خلاله المؤلف الحسم في إشكالية الفيودالية والإقطاع، مختبرا العلاقات والتحالفات والتوافقات التي يمكن أن تكون مفتاحا لتفسير الحاضر، حيث لا يمكن فهم الحاضر إلا في علاقته بماض غير قابل للاختزال أو التحريف من حيث أنه ماض وطني مترسخ، بتراكماته الإيجابية والسلبية، في بنية اللاشعور الجمعي.. وسعيا إلى ذلك فقد عمق الكاتب بحثه لفهم وتفسير وتنظير مفهوم من المفاهيم المركزية المحلية كجهاز أدواتي إجرائي، إذ وظف مفاهيم الأرض والإخس والعظم وتاقبيلت والزاوية والعزيب وأجماعة وزوجة الحرث والأكّادير والكونفيدرالية والأكّرام والأمغار واللفوف.. والسلطان والحكم المركزي وأدواته كالقائد والشيخ والأمناء والأعيان والعسكر والوزراء، والمقدس والمدنس... كما ركز في فترة أخرى على أنماط الاستغلال التي عمت العلاقات بين الأسياد والفلاحين والفاعلين الحقيقين في الأرض مثل: خماسة، رباعة، عزابة، خبازة، خدامة.. وهي مفاهيم ذات بعد اقتصادي وأنتربولوجي. وتكمن أهمية هذه المفاهيم الإجرائية في كونها تمكن من فهم وضعية الشقاق والسيبة والصراع الذي احتدم بين القبيلة والجهاز المركزي وما آلت إليه الأمور نتيجة ذلك من حالة الاستقرار السياسي أو عدمه بالبلاد. وفي هذا السياق يمكن تفسير مشكلة ملكية الأراضي بالمغرب ونظام الملكية عموما، وممارسة السلطة وعلاقتها بمختلف مؤسسات المجتمع وبمختلف الهيئات السياسية من لفوف (أحزاب) وكونفيدراليات (نقابات) وأجماعة (برلما) وتضامنات تقليدية كالتويزة (جمعيات مدنية)... وكلها ألفاظ، وإن برزت اليوم في ثقافة مفاهيمية جديدة ومدنية فإنها متأصلة في البنية القبلية وفي العقلية البدوية الفلاحية التي تنكشف بصورة غير مباشرة في المدن وفي الكيفية التي تدبر بها الأمور العامة والخاصة.

كما استدعى التأمل في إشكالية الإقطاع في علاقته بالقبيلة والمخزن إلى العودة إلى بنيات المجتمع المغربي في الماضي واستنطاقها وتحليلها وتفسيرها خاصة البنية السياسية ومرتكزاتها الدينية والاجتماعية والثقافية والإثنية وأدواتها وامتداداتها في البوادي والقبائل وعلاقة تلك الأدوات والامتدادات "برعايا" السلطان ومدى طاعتهم إياه وولائهم له أو عصيانهم وتمردهم عليه. كما قام الباحث بتحليل البنية الاجتماعية للمغرب خلال منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لكشف طبيعة العلاقات الاجتماعية وأنواع التضامن وروابط التآزر والتعاضد الذي يشكل النواة التي نسج عليها المجتمع المغربي وخاصة القبلي. فركز الباحث على القبيلة كمفهوم إجرائي وباعتبارها مفتاحا يمكن من فهم المجتمع المغربي سوسيولوجيا وأنتربولوجيا وسياسيا، بما تمخض عنه من مفاهيم كالسلطة والعنف والإكراه والنفوذ والصراع والتحالفات... إذ أن القبيلة ليست موضوعا جغرافيا فحسب بل هي معطى إثني وإيكولوجي واجتماعي واقتصادي وأخلاقي وعقائدي، ومن جهة أخرى فهمها كبنية لها علاقة بالأرض، إذ لا قبيلة من دون أرض، وكل الصراع والمواجهات الأكثر عنفا ودموية كانت تدور حول الأرض، وبالتالي تعد القبيلة عاملا محددا للأمن والاستقرار أو للتسيب والفوضى لهذا تناول الباحث علاقة القبيلة بالسياسة، باعتبارها (أي القبيلة) منطلقا لفهم المجتمع المغربي الحديث أو في تأويل معطيات الحاضر بأنماطه الثقافية وتشكيلاته الاجتماعية والاقتصادية وتفاوتات طبقاته وديناميكيته وحركية فاعليه السياسين والإداريين وتموقعهم في هرم السلطة والجاه. وحول الأرض كان يدور الصراع البطولي بين الفلاح الطموح نحو السيادة والاستقلال والجماعة التي تبحث عن المناسبة التي تكبو فيها الفلاحة الفردية لانتزاع ملكية الفلاح. ثم حاول الباحث اختبار فرضية مسألة الإقطاع بالمغرب، باعتباره مفهوما مرتبطا بعلمية تغير سوسيو اقتصادي، على مستوى السلوكات والمعتقدات وعلى مستوى العقليات ونمط الحياة الثقافية وطبيعة نظام الحكم وانتقال السلطة وتوزيع الأدوار فيها. كما أن روابط التبعية والعلاقات المتفاوتة حول الأرض والفلاحين قد خلقت علاقات إقطاعية، وحتى وإن كانت تبدو محلية، فإنها اعتبرت مؤشرا لمجتمع إقطاعي وتضمنت بوادره، غير أن المستفيدين من الأقطاع ظلوا خاضعين للسلطان وتابعين له باعتبارهم أصحاب سيدنا، وهذه الصحبة وظفوها في تكديس الثروة ومراكمة السلطة والنفوذ واحتكار وسائل الهيمنة والسيطرة كرأسمال رمزي. وبهذا ظل الإقطاع تجسيدا واقعيا لسلوك بعض الأشخاص وممارستهم الانتهازية والشاذة، فاعتبره الباحث بمثابة ظاهرة سوسيولوجية وتاريخية، ومعضلة لا يمكن حلها بالحيلة بل ينبغي قطعا بالسيف.

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة