الوصف

الجانب الحسِّي في لقاء آسفي


(اللقاءات الثقافية تفاعل حسي قبل أي شيء آخر)

     ما كانت كل آمالنا قادرة على التجلي أمام رغباتنا المِلْحاحَة التي تحدث ضجيجا بداخلنا، تلك الرغبات  التي من بينها - أساسا- الحرص على أن نعيش لحظةَ وجود، لحظة تحقيق آمالنا، لهذا فهي تأتي فرادى وعلى حدَة، قد يُباعدُ الزمنُ بين فتراتها ويتراخى، لأن تحقيقَ كل شيء دفعة واحدة هو نوع من الانطلاقِ المُجازف قد يقتلُ فينا القدرة على المواصلة والاستمرار، أو قد نصاب بالعجز باكرا  قبل أن نقطع ميلا واحدا من تلك الأميال التي تنتظر سَيرنا الحثيث، فالتدرجُ سنة من سنن الحياة والكون. كما أنَّ كل حدث يأتي فنحن بطبيعة الحال من نؤثث له ونهيئ له جوا يليق به وبقدومه. ربما تلبس نفوسُنا هواجسَ الخوف ويسيطر القلقُ من النتائج على تفكيرنا بقوة شديدة المراس، ولكننا نتحدى بإصرار، لنفتعل قوة الإستمرار، لأن الهدف كبير يستدعي ذلك، وما كل حدث مقبلٍ إلا محطة أو درجة من درجات الصعود والتقدم نحو المبتغى.

     إن هذه المقدمة لَهي بمثابة كلام.، قبل أن يرتقي به الحال وهو في تلك اللحظة التي ولد فيها، كان ما يزال نوعا من الإيحاء الذي لم يُفصح بعد، إني ألهِمْتُه في موقف ما، في لحظة ما..، لعله ما قرأتُه في عيون كاتبات أنطولوجيا نسائية الحاضرات في تظاهرة مدينة آسفي التي نظمها فرع رابطة كاتبات المغرب بشراكة مع مندوبية وزارة الثقافة (13-14-15 مارس 20015)، كان يحق لهذا اللقاء -بالنسبة لي- أن يلهمني أشياء كثيرة، أن يسير بي إلى عوالم أفك فيها شفرات الصمت، وما لم يُقل إلا بإيماءات تبدو أثارها على وجوه مستبشرة بالخير. بصدق سعدت بالدعوة، وكنت سعيدا أيضا بهذه الخطوة التي أقبلَت عليها صديقاتي المشاركات في أنطولوجيا نسائية (أمل الصالحي، ولطيفة شكري، وسناء البركي، وليلى أفخاري، وسناء وحنان الحناوي، وأمل أعبور، وحنان الدريسي، ومثال الزيادي)، وإن كنت مشتاقا للقائهن جميعا في زمن واحد ومكان واحد، فمن بينهن من لم ألتق بهن بعد، غير أن الظروف التي حالت بين حضور أغلبهن، كانت سبب عدم تحقق هذه الأمنية. 

   
  أحببت أن أكتب تدوينة عن بعض من قابلتهم في تلك الأيام التي قضيناها في رحاب آسفي، لأن الكتابةَ مجال رحب للتعبير، ووهاد ووديان وميادين تتسع لكل مقال، فهي القادرة على لملمة الشتات وضبطه بالكلمات. الكتابة هي معانقة الشيء حتى يمتلئ دفئا، ثم إرساله لمصير القراءة.
وبهذا، فإنه يحلو لي  أن أتناول الحديث بإيجاز عن صاحبات الكتاب اللواتي حضرن اللقاء، ليس من باب المجاملة ولا قول ما ليس له علاقة بالحقيقة، فأنا لست مرغما ولا ملزما على الكذب، وإنما أكتب من باب الصراحة وقول ما شعرته وأحسسته وتفاعلت معه، وما ترك فيَّ من أثر لا يجب تجاهله، فكما يطيب لبعض المسيئين أن يغتابوا الآخرين من باب النقيصة والانتقاص، فيطيب لي أنا أن أذكر  في الأشخاص ما أراه يستحق الذكر، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والكلمة الطيبة خير مشجع، وإن لم تنفع بشيء، فعسى أن تكون من باب الاستئناس. 

   - مثال الزيادي الآسفيّة - نسبة إلى آسفي- هي المنسقة وصاحبة فكرة الكتاب، مثال الزيادي التي منحتنا بصفتنا مدونين -أولا وقبل كل شيء- ضوءًا أخرَ لا يمكن تحديد لونه وشكله، أو حتى البعد الذي يقف عند حده، هو إشراقٌ جديد، وابتدع إحساس مختلف قد أقول أنه وُزّع على كل قلوب من حضر أنشطة الأسبوع الماضي، وما نقص منه شيء. مثال الزيادي عضو رابطة كاتبات المغرب فرع آسفي، التي أثبتت لي أنا شخصيا وبعد تواصل قد يقرب من عام كامل أنها تمنح وتعطي أكثر مما تأخذ، وما يزيدها ذلك إلا إشراقا لمحياها البشوش، وبسعة صدرها تنال تقدير الجميع.

   - حنان الحناوي، التي إن استرسلت في الحديث، تكلمت بعفوية، هي تعرف ما تريد، وتختار بعناية وبدقة، وتنتظر نقدك خافضة جناح الإصغاء. شاعرة شاركت بقصائدها وغردت فوق منصة مسرح مدينة الثقافة والفنون بآسفي أمام الجمهور الآسفيّ.

   - سناء البركي، الفراشة التي أتت بها ريح مرسلة من فرنسا كي تحضر حفل توقيع كتابها "سِفر التغريد"، وكذا الكتاب الجماعي "أنطولوجيا نسائية"،إنها فتاة تتشبث بخيوط الثقة والعزم، وتشق الطريق نحو الأصعب، قلبها موزع بين الـ بين بين. أناديها دائما بابنة بطوطة، لكثرة تنقلاتها وأسفارها. تقدّر مجهود الآخرين. ويخونها التعبير حين تريد أن تشكر.  

   - سناء الحناوي، (مروكية) الطبيبة والمدونة المجتهدة الناشطة، صاحبة الدمعة النازلة على جفنها في موقفها الإنساني الذي أوقف كل الحاضرين في ندوة التدوين النسائي، كي يصفقوا لها بحرارة وباحترام وتقدير. في باطنها شعلة من المشاعر الإنسانية، وأكثر المدونات حديثا عن المرأة، وتفاصيل العلاقات التي قد لا نعيرُ لها بالا.

     كنت أتمنى أن أكتب عن كل المشاركات في الكتاب، لو كانت الظروف سمحت لهن بالحضور. بيد أني أحب أن آخذ إستثناءً لأشير إلى مدوِنة أخرى كانت قد أزمعت على الحضور إلى أخر لحظة لولا الوعكة الصحية التي حالت بينها وبين ذلك. إنها حنان إدريسي، التي تكتب القصة بشكل جميل، (وأتفق مع الأستاذ الدكتور عبد الله اكرامن الذي أشار إلى ذلك حين تقديمه لكتاب أنطولوجيا نسائية في ندوة التدوين النسائي بالمغرب). حنان إدريسي لديها قدرة رائعة على تطوير نصوصها، في رحلة البحث عن النص الذي تتمناه. إنها زهرة الثلج التي تقاوم وبإصرار. ولعلها كانت حاضرة معنا بروحها وإحساسها في كل أنشطة اسفي.


وكما أني من خلال هذه التدوينة أشكر أشخاصا ربما كان لقائي الأول بهم، أشكرهم لأنهم أبانوا عن معدنهم الطيب:
  •  السيد مندوب وزارة الثقافة بآسفي، السيد لحبيب الأصفر، أشكره لأنه رحب بي شخصيا، وسهر على إنجاح هذه التظاهرة الثقافية والفنية، ووعدني بشيء ما، وفي وقت ما غير محدد... بصراحة نحتاج مثل هؤلاء الذين يعطون للفعل الثقافي حقه.                                                                                
  • الأستاذة رشيدة شاركو، التي تحولت معرفتي بها من الافتراضي إلى الواقعي، وتشرفت بمعرفتها أكثر. 
  • الأستاذة زهرة رشاد، التي قدمت قراءة جميلة لكتاب أنطولوجيا نسائية بالرابطة الفرنسية، تناولت الحديث - قبل أن تفتح باب النقاش- عن ماهية الكتابة والتدوين النسائي، وهموم المرأة المغربية خصوصا والعربية عموما انطلاقا مما تناولته بعض تدوينات الكتاب. كما أشارت إلى مقاربة النوع الاجتماعي، من خلال المحاولة في تجديد العقليات وكسر نمطية التفكير.
    فُتحَ باب النقاش لمشاركة الحضور بآرائهم، ووجهات نظرهم المختلفة، وكل ذلك في جو يسوده التقدير والاحترام، مهما اختلفت الأفكار.
    الأستاذة زهرة رشاد أسمعتنا من إبداعها قصيدتين جميلتين مختلفتين في الزمان مشتركتين في نظرة الإنسان لكل مرحلة عمرية خاصة.                  
  •  الفنان التشكيلي والنحات محمد قلقازي. قلبه قلب فنان مبدع حقيقي، بالنحت يبعث في الموات حياة، تناولنا معا الحديث والشاي بمنزله.                   
  • الصحفي عبد الإله خضيري. أتيحت لنا فرصة تشاركنا فيها الحوار، وتناقشنا طويلا ونحن نتمشى بين شوارع آسفي، في جو مسائي جميل. عبد الإله شاب حيوي ديناميكي، لمدينة اسفي حق الافتخار به وبأمثاله.        
  • الأستاذة الطيبة والمثقفة عتيقة الزاكي، السيدة البشوشة الخلوقة. كنت ألمح في صمتها بهجة وهي تصغي إلينا بعناية واهتمام.                                                                      
  • السيد عبد العزيز الموذن صاحب متحف رائع وغني بكل الأثاث والتحف التاريخية الفريدة، هذا الرجل الذي وهب منزله الأثري ليصير متحفا يختزل بعض تاريخ المدينة وتراثها وثقافتها العريقة، أشكره لأنه لم يبخل علينا بثقافته وبإلمامه المعرفي. رجل يحمل همَّ إبراز جمالية مدينته وقيمتها التاريخية، والتعريف بثقافتها القديمة وتحفها. استرجعت وأنا داخل المتحف ذاكرة الأشياء: الفونوغراف والأسطوانة القديمة، آلات الخرازة وآلات النجارة القديمة، آلات الحجامة.. تشعر أنك مسافر عبر آلة الزمن إلى الماضي.
وأشكر جميع آهل أسفي الطيبين، فنانين، وشعراء، وجمعويين...

0 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:

إرسال تعليق

كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة