الوصف

إليكِ أرتقي


عَطفتُ إليكِ، فأسندتِ قوةً

وقلبي يخشى الصّدودَ ويتقِي

وما لي سِوى بقيّة رَمَق

استنفدُها في هواكِ لترتَقِي

فامنحيني العُروجَ، لا تُغلقي

بابَ الهوى، فمِنهُ إليكِ أرْتَقِي

هنالك، في اعتقادي الرّاسخ

أنوارُ بهاءٍ أهِيمُ بها وأحتفي

مُهجتي على راحتي أمُدّها

فافتحي مغاليقكِ ولا تستنكِفِي

أطعمتني من جوع وآمنتني من خوف


يولدُ الإنسانُ بلا وعيّ ولا إدراك، غير عاقل بحالهِ ومآلهِ. ينتقلُ من مرحلةِ الأجنّة إلى مرحلة أخرى أوسع وأرحب، مرحلة الحياة والتطور وظائفيا وجسديا... هذا الإنسان يتأقلم مع المحيط والعالم وينصهر فيه جسدا ووجدانا، يولد جاهلا بطبيعة الحياة، لكنّ إحساسه لا يجهل شخصا يجاوره ويلازمه في الحركات والسكنات وفي يقظته ومنامه.
من أحشائها انطلق؛ يتغذى حليبا، يتغذى حنانا، يطيب له طوقُ الذراعان، بين حضنٍ دافئ أطعمه من جوع وآمنه من خوف. يَسكن هلعُه وتَخمدُ آلامُه إنْ توسّد ثدي صدرٍ وسعه حبا، وسعه رأفة ورحمة...
يولد هذا الإنسان وفي حياته امرأة، فليس ثمة أحد ولد دون أن يحملَ حبّ امرأة، بل عشقها الأبديّ (أبدية الحياة الدنيا)، وحتى الذين ولودوا يتامى يتعلقون بالتي أحسنت رضاعتهم، وأجملتْ تربيتهم، وأسندت لهم العطف والرحمة، وتقدمت بهم لتخرجهم من طريق الضعف إلى طريق القوة... قلبُ الإنسان ما خلا من حبّ امرأة قط، ولن يخلو أبدًا. ثم يكبر هذا الكائنُ إلى أن يشبّ عن الطوق، وفي قلبه التعظيم والإجلال لهذه السيدة وبفطرة إلهيّة سامقة أوْدِعَـت فيه إعجازًا.
قد نشاطرُ إنسانا آخر باحة قلوبنا حين يشتدّ عودنا، وتنمو آثار الرشد فينا، وتلك سنّة الله في الذين خلقهم، كي يستمر الجنس البشريّ، حكمةً، لإعمار الأرض (ولا يحيط بحكَمه الجليلة إلا هو). لكن المرأة الأولى التي تلقتنا حين استخلصتنا من بطنها، ووهبتنا من جسمها، من وقتها، من روحها كل شيء... تبقى الملاذ الوحيد، تظل السهل الممتع إن استحالت تضاريس أرض الحياة جبالا، تبقى الشمس إن كسفت أو خسفت كل أجرام سماء الحياة وأظلمت. تبقى الماء السلسبيل إن جفّت كل منابع الحياة وتلبّسها الشح. هي الأم، تصير السفينة إن عمّ أرضَ الإنسان طوفانا نوحيًا؛ فمن أوى إلى جبل يعصمُه من الماء فلا ريبَ سيكون من المغرقين، وسيحيل الموج بينه وبينها، وبئس فعل الخاسرين.
     قلت:
تحن لها القلوبُ إن غابت شوقاً
وفي الحضور تمنحُ العطاء
قمرية الوجهِ
بَسمتها تغاريد الصباح
أفصحَ الكمال عنها
فبات حسنها حنانا متاحا. 

     وقلت: 
في بحر حنانك ولدتُ سابحًا
ونور عينيك قادني حارسًا
أنا بضعة منك، غذيت حليبا خالصًا
فيا مهجتي، هبيني رضا
وقولا صالحًا. 

     ثم قلت: 
إذا تحدثَ الحنانُ 
أمِلْ مسمعـــــــك.
ما أقصر الحيـاةَ
وما أضيعـــــك.
إذا ودّ الأمومــةِ 
لم يكن مرتعـك. 
____________________________________

استجابة للمبادرة التي أطلقتها الأخت ليلى الصباحي، (بمناسبة يوم تكريم الأم) على صفحة مدونتها، حاولت هنا أن أخضب الحروفَ بجمال الأم، وأنير معانيها بنور عطفها وحنانها...
ولأن المبادرة تقتضي أن نختار من ننقل إليهم شعلتها، حتى يكتب الجميع عن الأم في يومها -مع اقتناعنا التام أن الاحتفاء بالأم هو عمل كل يوم في المنهاج القرآني وفي السنة نبوية-. وإني أمرر هذا لكل من:
     - الأخ والصديق خالد أبجيك (الفكر الحر)
     - السيدة والأم الطيبة: زينب صادق رجب (أتمشى بين ضلوعي)
     - الصديق العزيز بندر الأسمري (راحة النفس)
     - والأخت العزيزة حنان ادريسي (زهرة الثلج)

وطبعا في بالي أسماء كثيرة للأصدقاء الأعزاء، ولكني سأكتفي بهؤلاء حتى يتمكن الآخرون من اختيار من سيرسلون إليهم الدعوة.

محبتي. رشيد أمديون

هواجسٌ مشروعة


هواجس أشرعت إلي... وهواجس أشرعت أبوابها. 

إنّ ولادة الحرفِ أمر ليس باليسير كما قد يتصوّرُ البعض.
وأيّ ولادة سريعة فهيّ قيصرية غير مكتملة، ينبعث المولودُ ناقص الأطراف، يحتاج إلى عناية مركزة.

الحب عندي، بضعٌ وسبعون شعبة. أعلاها، وصالك بعد شوقٍ عنف ذاتي.
وأدناها بسمة من ثغركِ، تفر من القيد.
19/12/2012 
أمنيةُ الشّمسِ، أن تشرقَ ذات صباحٍ على بريق عينيك.
01/02/2013 

قال النفري: "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة".
قلت: فأنتِ كل الرؤية، ولَستُ أملكُ لك العبارة!!.
26/02/2013 
السّاسَة، يتّبعُهم الغاوُون.
ألم ترَ أنّهم في البرلمان ينامون حينا، ويصرخون حينًا، وأنّهم يقولون ما لا يفعلون؟.
27/02/2013 
عِلمَ اليقين أنتِ عندي.
وعينَ اليَقين، حين ارتقيتي.
فحقّ اليقين بعد ذلك صرتِ.
08/03/2013 
سأقتصّ لكَ أيّها الألمُ منَ الفرحِ الذي أزعج مَقامك العليّ.
10/03/2013 

رشيد أمديون

إلى ذاك المقام




ونشدتُ اسمكِ على مقام الصّبَا،

حين أهمّني الفِراق

وما كاد الليلُ يَجنّ،

حتى بدت صورتك، طيفًا إليه أشتاق.

فردّدتُ اسمكِ على مقام الحِجاز،

عسى أن يُخضبه اللّحنُ،

فتَفتُر الأشواق.

حركة العشق بين الصبا والحجاز. قال محيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية: (والحركة قلق، فمن سكن، ما عشق..)

رشيد أمديون
05/02/2013 

______________________________________

مقام الصبا: حزين وبه إحساس ألم
مقام الحجاز: به إحساس حنين وافتقاد وشوق.

خيبة



انتظرتُها أن تأتي

بهوس مَطِـير

بنار تلفح

انتظرتُها بلباس الجنون

بعقل شارد عن أرض الحكمة

مطرود من ساحة أتينا

تائهٍ بين طقوس العرّافين

اللوعةُ تعلن انتفاضتها

تهزّ جسدي

ُكالممسوس أصير

...خطاي تسارع

تسابق الزّمن

حيرة تلبس دَرْبها
هل يا ترى ستأتي؟



بدّلتُ لها الهواءَ،

وعطرتُه بماء المِسك

وضعتُ زهورَ الفرحة في مزهريتِها

أنيقة كانت تشعُ بنورها

كتمتُ ضجيجَ المارّين لأسمعَ

خشخشة أقدامِها حين تُقبل

انتظرتُ بضجر عابثٍ

يبعثِرُ أفكاري

أسحبها

أعيدُ ترتيـبها...


لم تأتِ 


أمارسُ لعبة الغباء المَقيتة،

كي أتجاهَل ميقاتها

وقد مضى

هي في الغياب تنعمُ

أنا في الحضور أصْطلي الانتظار

أستحيلُ شعلة نار

مَسحتُ خيالي

مسحتُ رسمَ الأحلام

لا تستحقّ حلمًا،

كسّرتُ مزهريّة الفرحة

عقابًا لورودِها


مزقتُ كلّ قصائدٍ جعلتها هودجا لها، 

بعثرتُ اسمها 

خلفَ ظهري، ألقيتُ بالحروف كلّها،

قلت: لن تنالي طيفي بعدَ اليوم

يا عُيون الْمَها

لن يدقّ بابكِ ساعي البريد

لن تغرّد على نافذتك

قبّرة الشوق...

أنت لم تأتِ

فابقي في الغيّاب

سأحمل ذاكرتي إلى كوكب أبْعَد




وجاءت سيارةٌ


تأرجحَ فقيهُ "الدوّار" الجديدِ ذات اليمين وذات الشمال. عدّل جلسته وتربّع من جديد. أرخى (قبّ جلابته) (1) على وجهه، ثم أسفر عنه بعد أن طوى طرفًا من قبه فوق رأسه الأصلع وثبته جيدًا. تبسم ضاحكًا من سؤال (عزوز) الذي ظلّ فاغرًا فاه، منتظرًا جواب الفقيه، وكرر قائلا:
    - إيوا أش قلتِ ألفقيه؟(2)
    - فاش ؟(3)
لم يترك (عزوز) شُعلة سؤاله تخمد، وقد شكّل له قلقًا، فترنح من الشوق لمعرفة الجواب. وما كان ليسمح وهو العنيدُ أن يتلاشى استفساره بهبة ريح التجاهل أثناء تلفت الفقيه وتأرجحه كأن السؤال لا يعنيه في شيء.

كان يحلو لعزوز أن ينصت للقرآن الذي لا يكاد يفهم منه إلا ارتفاع وانخفاض الأصوات المنبعثة من حناجر القراء وهم يتحلّقون لتلاوة ورد المساء بعد صلاة المغرب، أو ما يلتقط سمعه من الكلمات، يفهم منها القليل بفضل ما تعلمه في سن باكر قبل أن يودّعَ الكتّابَ وداعًا أخيرًا. ها وقد نيّف على الخمسين، يجد نفسه مضطرًا لسؤال فقيه الدّوار عن كل شاردة وواردة.
وبينما هو في مجلسه القريب من حلقة القرّاء التي تضم بعض حفظة القرآن، وبعض أبناء القرية، إذ سمع من سورة يوسف: (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم..).

سيارةٌ؛ كلمة استقرت في ذهنه، وأنتجت قلقَ السؤال المزعج. شاردًا يفكًر. شعر بالاستفزاز فكاد أن يقطع تلاوة الفقيه ليسأله، فتراجع... وأسرّها في نفسه قائلا:
    - إلى أن يقولوا: صدق الله العظيم، (لا زربة على صلاح).(4)

كان ما يزال منتبهًا يقظًا، يُحملِق في وجه الفقيه، فرد:
    - (ايوا الفقيه أشنو هي سيارةٌ... لي جات؟!).(5)
كحّ الفقيه متعمدًا، واستعاد ثقته بنفسه بعد أن تأرجح ما فيه الكفاية. نظر في عيون عزوز التي لم يغادرها وهج السؤال. ثم هز يده اليمنى يشير بها نحوه كأنه يعاتبه على جهله:
- (السّي عزوز واش ما عرفتيش سيارةٌ..؟! وهـــــــــــــــــي الطموبيل).!..(6)
رشيد أمديون 
27/01/2013 
_________________________________________________________________

1- القب: هو طرف من الجلباب المغربي يوضع على الرأس كالغطاء أو يترك منسدلا خلف الظهر.
2- ماذا تقول أيها الفقيه، (كجواب على السؤال)؟
3-  يعني في ماذا؟
4- لا خير في الاستعجال
5-  ما معنى سيارة... التي جاءت؟
6- سيدي عزوز آلا تعرف سيارة؟! إنها العربة.

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة