القصة منقولة من الأمازيغية. لقراءة: الجزء السابق
الجزء الثاني
قد مضت سنوات تفوق العقدين وما اهتمت بالنظر إلى المرآة بتمعن، نادرا ما كانت تفعل. منذ أن غاب عنها زوجها وانقطعت أخباره صار لا يهمها جمالها. وهبت جهدها للعمل والحرث والزراعة والحصاد... كانت تأتي بالأعشاب من الغابة لتطعم بقرتها الوحيدة والحمار... وتسقي جِنان الخضروات بيديها، مشمرة عن ساعد الجد... تطحن الحبوب... تجاهد من أجل أن تحافظ هي وحماتها على كرامتهما وتصونا عرضهما، وأن لا تمدّا اليد للغير...
أفجعها ما رأت في المرآة التعيسة، لا أثر في وجهها لبسمة الشباب المتلألئ. لمسته بكفها المرتعشة، فإذا ببشرتها التي كانت غضّة قد جفّت، صارت صلبة كما الأرض التي انقطع عنها الماء... لفحتها أشعة الشمس وشقّها البرد القارس. غادرت وجهها تلك النضارة المغرية. تحسست وجهها الذابل فإذا دمعة ترتخي على خدها... إحساس الفجيعة بعث بمعاول الخوف تنهش في خاطرها: هل سيهجرها زوجها حين يعود؟
هل حقا سينظر في وجهها المنفر الفاقد للجمال والنضارة؟...
عَشيّة اليوم الموالي اجتمعت نساءُ القرية في دار "لالّة فاضم"؛ جئن لمساعدتها في الاستعداد لموعد لقاء ولدها. جلسن في باحة الدار... بعضهن يعصرن أركان[1] بأيدهن... والأخريات يقمن بتحميص اللّوز على النار قبل طحنه في الرحى كي يستخلصن منه "أملو"[2].
فجأة دخل عليهن "بيهي" يرافقه رجلان... يحملون كيسًا كبيرًا من القمح، أحضروه - بعد طحنه- من المطحنة الموجودة على مقربة من الوادي.
ثم لم يمض وقت طويل حين استعددت "لالّة فاضم" للخروج. استندت على "علِي" الابن الأصغر لـ"بيهي"، فتوجهت صوب المسجد قاصدة الفقيه...
قالت حين بلغت المكان:
- ألم يعد الفقيه بعد؟... لقد مرّ العصر... محال أن يعود اليوم أيضًا..!
كانت تعلم أن من عادته العودة قبل العصر من زيارة أهله.
لم يَرد عليها أحد من الحاضرين، وقد لمحوا في عينيها ذات الشوق الذي يمتلك كل من استلم رسالة فغدا أسير لوعته وفضوله لمعرفة ما تخفيه من أخبار. كانوا ينظرون إليها بعيون مشفقة... عدموا الرد كما عدموا الحيلة...
ثم قام "بيهي" مكسرًا الصمت الثقيل الذي أخرس الألسنة. نادى على ولده... ثم قال لـ"لالة فاضم":
- هاتي تلك الرسالة... لماذا لا يقرأُها "عليّ"؟ أليس تلميذا في المسجد؟.. إنه يتهجى الحروف...
يتابع...
..........................................................
(1) أركّان/ أرجان: هو زيت مستخلص من شجرة أركّان (لا توجد إلا في منطقة سوس جنوب المغرب)، بحيث تطحن ثمار هذه الشجرة وتتحول إلى عجين يُعصر منه زيت حلو المذاق شهيّ الرائحة. يُتخذ كذلك لتجميل البشرة. (أنظر)
(2) أملو: هو غذاء مستخرج من اللوز بعد طحنه، مع اضافة قليل من زيت أركّان. (أنظر الصورة)
- يعتبر زيت أركان وأملو من ضمن الوجبات المهمة في مائدة أمازيغ منطقة سوس.
16 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:
بدأت اخشى عودة هذا الإبن
اخشى ان يحمل الألم أكثر من الأمل
حماس لبقية القصة :)
بالمناسبة جميل منك ترجمة بعض المعلومات والاسماء الغريبة عنا والتي تعكس مزايا هذا التراث الرائع
ما هز فؤادى وتأثرت به بشدة وصفك للنساء البائسات اللاتى يفرض عليهن القدر احيانا ان يتنكروا لانوثتهن ومشاعرهن لتستمر الحياة بصلابة وعزيمة
مدى المعاناة والحزن التى عاشتها الام والزوجة وصفتها حروفك ببراعة جعلتنى اشفق عليهن واعيش المأساة معهن
اتابعك بشغف وفى انتظار البقية ان شاء الله
واكرر تحيتى للفكرة الاكثر من رائعة واتمنى ان تستمر
تحياتى بحجم السماء
هههه
قبح الله الجهل الذي زاد من شوقنا اكثر من شوق للا فاضم ومعها اهل الدوار....
نحن مضطرون للانتظار مثلهم عل علي يفك رموز الرسالة او يعود الامام
تحياتي سي رشيد
عجبني وصفك لتلك المرأه التي غاب
عنها زوجها وكيف تحولت الانثي
الي آله
في انتظار باقي القصه
حتي نعرف اذا كان الابن سيأتي ام لا
تحياتي وشكرا علي هذا المجهود
@هيفاء عبده
السيدة الكريمة هيفاء
أهلا بعودتك المتألقة
إن شاء الله أحداث القصة تخفي الكثير
لك مني كل التقدير
@ليلى الصباحى.. lolocat
ربما أن تعليقك فتح مجالا اخر لمسألة المعاناة عند النساء في ظل غياب رجل، وأكيد أن الاحداث تخفي الكثير من ذلك...
بمتابعتك للأجزاء القادمة سترين صلابة النساء وقدراتهن.
شكرا لك أختي ليلى على التعليق والمتابعة.
بارك الله فيكِ
@محمد ايت دمنـــات
سي محمد أكيد أن الوسط القروي يغلب عليه طابع الأمية القاتلة.. وكل الأخبار الواردة تتوقف على الفقيه.
إذن سننتظر عودة الامام لمعرفة المكتوب.
شكرا لك سي محمد
@;كارولين فاروق
الأخت الكريمة كارولين
إنها بعض المعاناة التي تبتلى بها النساء القرويات في زمن أحداث القصة
أسعدتني متابعتك، وستكون الاحداث القادمة تحمل متغيرات كثيرة.
الشكر لك مع المودة..
ننتظر بشوق استاذنا فلا تتأخر علينا
القصة تسير في طريق مشوق
@مصطفى سيف الدين
نعم عزيزي مصطفى، سأعجل قليلا بالسرد..
كن في القرب دوما صديقي
محبتي
رق قلبي لحال "عيشا" و كم من النساء إن لم أقل الفتيات شربن من نفس كأس معاناتها، تتزوج الواحدة منهن رجلا و تسكن مع أسرته فيرحل للبحث عن لقمة العيش أو لأي سبب آخر و يتركها تشيخ في صمت و هي لم تتجاوز بعد سن العشرين ..
بأسلوبك المشوق تجعلني أنتظر الجزء الثالث بفارغ الصبر فأسرع أسرع بالترجمة أستاذي :) :)
تحياتي و مودتي
قرأت القصة فى الجزء الثانى وفاتنى قراءة الجزء الأول ولكن عاودت القراءة وأكملت القصة
العادات تتقارب مع العادات لدينا فى الريف لايوجد فرق كبير
@حنان
أهلا بك حنان
وهنا مربط الفرس، هجرة الرجال وهجرهم لنسائهم من القرى..
القادم يحمل الكثير، فابقي معنا :)
مودتي
@واحد من الناس
أهلا بك أخي الكريم، واحد من الناس
منور المدونة.
أشكرك كثيرا لاهتمامك بمحتوى القصة، وأكيد أنه يسعدني أن تبقى معنا حتى النهاية.
مودتي أيها الطيب.
أخى الكريم أبو حسام الدين
القصة فى تصاعدها الدرامى تظهر الكثير من العادات والتقاليد
والتى تطمس أحياناً الحياة فى نفوس هؤلاء القرويات
أحسنت الاختيار لهذا النص
وإن شاء الله معك متابعين
@محمد الجرايحى
أستاذ محمد ممتن لحضورك الدائم خلف هذه الادراجات..
نعم القصة في تصاعد، والاحداث تتكاثف.
مودتي وبارك الله فيك
إرسال تعليق
كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)