الوصف

البياض والسواد


زمن الأسطورة انتهى.
أنا لست ابن الأحلام...

هذا الذي قد يراود مخيلتك أو يشغل بالك والتفكر، لا أملكه. 
أنا من أولئك الذين لا يأتون في الأحلام... 
أنا من الواقع المحض، الواقع المرّ الذي لا تزول مرارته برش ماء السّكر. 
أنا ابن هذا البلد!! 
لعقت العلقم من ذات الصّحن، وجُلِدت لأكون... 
نحن قوم لا تثبت هويتنا إن لم نجلد 
فإياك أن تتصوري أني يوما بردائي الأبيض سأركب فرسا أبيض، أو أني سأمر تحت شرفتك لأشاهد تحية المنديل الأبيض وهو ينثر عبقك المدلل في الهواء... 
تلك طقوس بعيدة عني كالقمر في السماء، ممتعة، ولكن... 
حاولت أن أمارسها فسجنني الواقع، بل نفّذ في حقي حكم النفي. 
أنا لست ابن الأحلام... لأنني أخشى إن نسبت نفسي يوما لها أن يضعوني في خانة الممنوعين، أو أن أكون حلما مزعجا يقظ مضجعك فتنكرينني قبل الفرار. 
دعكِ من الأحلام الآن، وفكري فيّ كما أنا، بقميصي الذي ذهبت الشمس بلونه، بسحنتي السمراء، بشعري الذي لم تمر فيه أسنان المشط منذ زمن لا أذكره، وبحذائي الذي بهت سواده، وأوشك أسفله على التلاشي من كثرة المشي والبحث... وجيوبي الفارغة إلا من تبغ رخيص، وأوراق أحسبها تحمل هُويّتي واسمي... 
أتراك تقبليني كما أنا بصورتي السوداء هذه، ذات الفجيعة السوداء؟ 
ألم أقل لك أني في الأحلام سأكون كابوسا أسودا... 
فدعكِ من الأحلام، فأنا لست فارسا ولا حتى أجيد ركوب الخيل.



بقلم: رشبد أمديون       /    النص منشور كذلك على مجلة المحلاج للقصة القصيرة.

5 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:

عبد الخالق كيم يقول...

سطورك رذاذ واقعي جميل أستاذي رشيد ودعوة رقي في زمن اللاأسطورة وتيه الأحلام بين زقاق الواقع الرثة المرة.. انت الفارس بواقعيتك يا ابن بلدي تدفن الوهم يتيما في فراشك وتنطلق ببحثك عن الحلم الأمثل.. هي ستقبلك حتما ستصبح حلمها الواقعي حين تدرك ان زمن الأسطورة انتهى...

رشيد أمديون يقول...

@عبد الخالق كيم
العزيز عبد الخالق
تبهجني زيارتك، ويسعدني أثر حرفك المنمق، المختار بعناية..
دمت موصولا بالمودة.
تحيتي

Unknown يقول...

السلام عليكم...
واقعيتك هنا جميلة لدرجة أنها قد وصلت إلى أرقى حدود الرومانسية.
وكيف لا وقد امتطيت بكلماتك وتعبيراتك وأسلوبك فرسا أبيضا لا يطؤه إلا من يقدر على الإمساك بخطامه وهو اللغة، والتحكم في قيادته بالأسلوب والتعبير والكلمات.
إنه فرس أبي النفس، لا يرضخ إلا لعظماء الفرسان.
ولا أظنك إلا واحدا منهم.
تقبل خالص تحياتي...

رشيد أمديون يقول...

@Bahaa Talat

وعليكم السلام أخي العزيز بهاء
بعينك الناقدة نبهتني إلى أني فعلا اتخذت الرومانسية من حيث لا أقصد في سرد الواقعية..
بيدا أنك رفعتني إلى السماء يا صديقي بإترائك الجميل... أنا شاكر لك تعليقك المتألق وقراءتك المتمعنة في النص.
مودتي الباذخة

غير معرف يقول...

والبياض و السواد ليسا بلونين أستاذ و ربما من أجل ذلك لا يستقيم أي شيء معهما.

/

طابت أيامك

إرسال تعليق

كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة