الوصف

مقام الرؤيا والمخاطبة


سمعت صوتا هاتفا.. 


ينادي: 

يا رشيد، اخلع حيرتك!

إنك بوادي التلقّي. 

فأوجستُ خيفة..

ارتجفت. 

قال: 

لا تخف، أنا صوت القصيد!

وما ذاك بيمينك؟

قلت: 

هو قلمي

أخط به زفراتي 

أُسكِب مداده أهاتي 

أخشى من شروده

لهب سلطاني.

قال: 

ألقه يا رشيد

فألقيته فإذا المعاني تسعى

إذا بسحر البيان يترقرق

ونبع القصيد يتدفق..

وهو لا يفنى..

قال: 

خذه ولا تخف

سنشد عضدك به.

قلت: 

وما آيتي

قال: 

آيتك أن تعبر جسر الصمت

أن تمسك ناصية البوح

وتغرد لحن الطير

تتلو أسفار الترقي

براق الحرف معراجك..

يُفتح لك ملكوت الأسرار

تحرقك الأنوار فتحيا

فيعجز لهب السلطان أن يمسك. 
أبو حسام الدين (رشيد)
30/10/2011     

حمل متراكم


جلس على سريره مقرفصا.. شرع فكره يستحضر صورة طفل في عمر البرعم، بريء الملامح.. مرحا كان يلهو تحت سماء تخيلها بفكر طفولي –فضولي- غطاء أزرق يغطي قريته الصغيرة المحفوفة بالجبال من كل جانب... مخيلته تجاوزت حدود رؤيته، فتصور أن وراء هذه الشوامخ الحجرية عالما أخر بشكل النهاية..

أرخى العنان.. وتابع حكاية طفله المحبوب... تذكر اختباءاته الخجولة بأعطاف أمه التي نادرا ما يفارقها.. وكيف كان رعديدا، سكنه الخوف من يوم انطلق بمرحٍ يلهو في الحقول فالتفّت به زوبعة ريح اتخذته مركزها، فاستبد به الفزع حينا من الدهر، إلى أن تحرر من بطشه.

عُرف الطفل عند أهل القرية بالفقيه* رغم سنه.. حرّكته فطرته السليمة ليعلو سطح البيت مطلقا صوته الرقيق للأذان في غير وقت الصلاة... يسمعه أهل القرية فتعجبهم تغريدته البريئة. تقابله النساء في الطريق برفقة أمه تلقي عليه التحية باحترام وود:
- أهلا بالفقيه الصغير..
يدق الافتخار أبواب شعوره، يعتز بتميزه عن أقرانه.

قريته كانت بسيطة، اتخذ الصغار فيها أنشطة اللهو التي تناسبهم... وتسليهم حكايات من وحي الخيال، تنسجها جدات مع حلول الظلام.. تلتقط مسامع الطفل أوهام المحيط من وقائع خرافية مفزعة تمخضت عن اعتقادات بعوالم غير مرئية.. بالأرواح السفلى وملوك الجان.. أولئك الذين يسكنون الجدران المهجورة، والأبدان كذلك...

سافر حين دنا سن التحاقه بموكب العلم تاركا عالمه المحفوف بالجبال. شق طريقا نحو عالم أوسع يُعلمه معاني المحال.. تتفتح فيه الواقعية، ويدحض عن العقل وهم الصغر المتراكم في زوايا لم تنس رغم كل شيء.
حمل مع حقيبة سفره ماضيه وما اكتسبه منه:
فضول معرفي، فطرة دينية، هواجس خوف متقلب، عالم بخيال مرعب..
امتزج هذا بذاك واستقر بباطنه..
استلقى على سريره، ثم استسلم لإغراء النوم. 



* الفقيه: في العرف المغربي تطلق على كل حافظ للقرآن.                                              بقلم: أبو حسام الدين


طلاسم البدايات



في مدني الحزينة

من جزيرة السهد البعيدة

ريح بحجم إعصار

زوبعة في قنينة

تحاول الخروج

مُحكمة الإغلاق

تخفي فتنة كردم يأجوج ومأجوج



أشر إلى الشرق علها تسطع

أشر ثم أشر ولأصبعك فارفع

همنا هم الثكالى

في بوحنا لحن تاريخ مجروح

يكفي يكفي..

سنمسك بيدنا الحاضر المرقع

أملنا أن نفكر

أن نعيد مجدا

أن نصنع.



في مدني الحزينة

من جزيرة السهد البعيدة

انكسر المبدأ

حين انشطر القول..أجزاءً وشظايا

عدمنا من يلملم.. من يوحد،

من يجمع؟

لم يبق يا طارق في يدك غير النصل

انكسر السيف

انكسر المبدأ

فرسك مات..

حيث احترقت السفن.


في مدني الحزينة

من جزيرة السهد البعيدة

انفصل النغم عن الوتر

محاولات استئصال الظل

فصل الفروع عن الشجر.

سأحمل حنجرتي بعيدا

حيث أحلم بأغنية تمدح القمر

أنتقد فعال الظلْمة

أستقبل بالحفاوة ستار السحر

أتغزل بنور الصباح

أتتبع مرور الشروق أمام شرفتي

أسابق البكور..

لأسمع أجنحة الديك..

يستعد للصياح.



إياك أن تزفر زفرتك الأخيرة

بعدها يكون الضياع

لم يعد في مدامعي قطر

يسيل من أجل أندلس جديدة

كما وقفت يا أمير النهاية

على أرض الخاتمة

فاشطب من التاريخ معنى الأخيرة

هات إشراقات البدايات

هل نستحق أن نكون شعلة لها

فراشات أو شمعة تحترق

احتراقها حتما يولد الضياء..

يعيد طلاسم البدايات..

بقلم: أبو حسام الدين
09/10/2011


رسالة إليه

حين ضاقت عليه الأرض بما رحبت، تذكر ماضيه وعقد حاجبيه، وسمع صوتَ داخله:
كم مضى في حياتك من محطات؟ ألم تستوعب الدروس؟
أنت بين المطرقة والسندان تذوق كل الآلام، فإن برد لهيبك أغمدك الحداد في النار، وأنت كاتم الصراخ، فمتى تعلن صيحتك؟
وهذي الأرض الرحبة لم تعد تسعك بكآبتك، بل السموات..! فمن يمسح دمعتك حين تسيل والوحدة أخذت منك مأخذها... ربما لم تعد دمعاتك تنزل فقد جفت مآقيها كما تجف الأنهار حين يغلبها القحط ويعلن الجفاف تمرده...
كم من الكآبة تكفيك حتى تعلن التوبة وتتبرأ من مذهبك وعقيدة الشؤم.. أو تعود لك بشاشتك التي لم تترك أطلالا ولا بقايا على محياك كأنك ولدت مكفهر الوجه عبوسا.
لا أخالك إلا فاقدا لكل أحاسيس الفرحة، وكأنك وأدتها قبل أن تُفصح.. أو قدمتها قربانا لآلهة هواك لترضي غرور كهنوتك، فعشت غارقا في مستنقع الهموم تحف طريقك الوساوس والظنون...
ماذا حدث لك يا رجلا نفدت البسمات من فمه، وسكنته شياطين التعاسة وعجزت كل العلوم وتعاويذ الفقهاء عن شفائه... وأغلق الأبواب دون السعادة وشاهد أخر احتراق لأخر شمعة.
قم يا رجل اطلب الرحمة ممن ترجى رحمته.

أبو حسام الدين

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة