الوصف

سهاد ليلٍ بلا فجرِ


بين هواك وشكوى العلل

رميت بلا ذنب ولا زلل

موجة سافرت بي

قالت : "هنا القدر...

هنا يبيت دمعك يشكو فراق الأحداق و المقل

هنا يطرحك الزمان

كمهاجر سري فارق دوحة الوطن".

       

بين هواك ووحشة البعد

رميت في المجهول

كالسندباد في البحر

أهوال ليله تسري

دمع عينه يجري

في أفق سمائه

لا نور ولا فجرِ.

      

بين هواك وبحر الشجن

ليال طوال

أرقب فيها الوسن

ترى يأتي.. ترى يأتي!

رحل عن الجفون

فما أبعدك يا فجري.

بقلم: أبو حسام الدين
  

شوق حارق

أشتاق في الحضورِ

أشتاقُ في الغيّاب

أشتاقُ إن طيفكَ لطيفي يفارقْ

إن رماني البعدُ وللخيال أظلّ أعانقْ.

أشيّد قصورَ أحلامٍ

يحفّها الشّجر والزّهور

وعطرُ الخزامى يروي حكاية عبير الحدائقْ

أرَقّع أمَلِي ليلاً

وَصباحا أقول:

سأنساها، قسماً بالخالقْ

من منفاي أبعثُ مراسيلاً بالأشجان مثقلة

والهوى ذكرٌ لها سائقْ

فلا جواب مني يدنو

فيُخمِد لهيب الشّوق الحارقْ.

بقلم: رشيد أمديون

طفيف من الذكرى، وبعض أشياء.




 صندوق الذكريات هكذا أطلقوا عليه. هو واجب تدويني جديد، وأظن أن العنوان يشف عن مضمونه بكل وضوح.
تلقيت دعوتين واحدة من عبير الربيعي والثانية من أم هريرة، وأظن أنه لا مجال للهروب فكما قال طارق بن زياد في خطبته على جبل البوغاز (البحر ورائكم والعدو أمامكم)، فكذلك أنا: فعبير ورائي وأم هريرة أمامي وليس لي والله إلا أن أخضع للأمر دون مجادلة:)

الواجب يضم هذه العناصر التالية:
كل مدون تلقى الدعوة يجب أن يكتب عن:
• أفضل ذكرى لم ولن ينساها مهما مر الزمان
• كذلك سيكتب: إهداء – سلام – عتاب – شكر – كلمة لشخص ما جعلك تبتسم أو تحزن أو تضحك أو ترتاح.

لعل أغلب قراء همسات الروح والخاطر سيلمسون تلك الذكريات التي تطل من خلف السطور، وهي طبعا أهم الذكريات التي يشع بها الماضي من خلف أسواره.. 
• هذه بعض المقتطفات مما دونت وهي تضم بعض أهم الذكريات التي شغلت حيزا من تفكيري:
 1- في 
« مرت أيام » قلت:
« أفي النجيمات التي أرمقها حين يضمها العشاء
أم أنك حول نار المدفئة حين نصنع الخيال من الأساطير
مستمتعين بنسيج الجدة للحكايات الشعبية
و بلمسات الدفء التي تحمينا من قسوة الشتاء»

2- في « موطن في البال » قلت:
« نروح ونغدو بين حقوله
عابثين بسويعات من الحياة
للبراءة ...
للحب ننشر
في البراري،
في عرصات الجمال
في أثير هوائه نلهو ونبحر»

3- في « أذكرني » قلت:
« أخبريه أن كروم العنب
يئست الفراق
والبعد ملّت
وأشجار اللوز وأركان لإبن الأطلس حنت..»


4- في « ذكرى وحنين فقط » قلت:  « إنها لحظات حنين أعيشها أتبرك بها قبل أن تحل علي لعنة النسيان ... يدغدغ شعوري منظر زهر اللوز وشجيراته المخضرة الأوراق و النحيفة الأغصان المثناترة هنا وهناك في حقول بسيطة متناسقة تشبه المدرجات... وسلسلة من الجبال تحوم حول المنطقة كأنها حاجز كبير يخفي ورائه عالما أخر... عالما قد تخيلته وأنا في عمر البرعم أنه النهاية! تماما كالبحر الأطلسي أو بحر الظلمات قبل اكتشافه ، لم أكن أدرك أن العالم أوسع وأرحب من أن يختزل في ما كنت أشاهده كل يوم.(...) لم أكن أعرف وأنا طفل أني سأقف يوما على أطلال طفولتي وأشم رائحة النبات البري التي تكسبني نشوة الحنين، تغذي ذكرياتي حين كنت أرافق أمي لجمع الحشيش لتقدمه وجبة للبهائم... لم أكن أعرف أني سأطيل النظر في تراب خطوت عليه بنعلي الأصفر الصغير، ولم أكن أعرف أن طفولتي ستصبح ذكرى أشاهد طيفها كلما سافرت إلى مسقط رأسي.» 

5- في « تحت ظل شجرة الخروب » قلت:  «يذكرها جيدا؛ كيف له أن ينسى جدعها العريض، أغصانها ذات الأوراق الكثيفة، قطوفها الدانية ولكنها ممنوعة.. حتى حركة التسلق لم تُمسح من ذاكرته. لم يكن يفهم وهو في عمر البرعم أن الشجرة رغم عطائها وإنتاجها الوافر فهي في سن الشيخوخة، كعجوز تتوسط القرية. ذاكرته تحتفظ بكل أنواع الأنشطة التي مارسها تحت ظلها، ومجلس رجال القرية وهم يتجاذبون أطراف الحديث، يقتلون الوقت بسهام الكسل فيعاندهم بخطوات بطيئة ...»

6- كذلك ذكرياتي التي في الكتاب كما جاءت « في الذاكرة».
 لعل هذا القدر من الذكريات التي ترسخت في مخيلتي يكفي لأنها بالنسبة لي أهم ما يربطني بالماضي.

• أنتقل للواجب الثاني:
- إهداء: لمن كانا سببا في مجيئي إلى الدنيا، وإهداء لمن من تشاركني الضراء والسراء، وإهداء لكل شخص يعلم أني أكن له كل التقدير والاحترام.
- سلام: إلى أرواح أولئك الذي ضحوا من أجل هذا الوطن، إلى الذين ناضلوا من أجل تحقيق الاستقلال.
- عتاب: لمن جعل ولائه لغير دينه ووطنه، لمن ينسلخ من أصله.
- شكر: لله الأحد الصمد الذي علمني ما لم أكن أعلم، ثم لكل أصدقائي هنا ممن يتابعوني بإخلاص ويكنون لي المودة والاحترام.
- كلمة: المحبة لكل من نصحني ومن فهمني أو حتى لم يفهمني، أو أغضبني أو غضب مني. (هذه فيها الابتسام والحزن والضحك والارتياح).
في النهاية الواجب أمامكم ولست أستطيع أن أكلف أحدا. ومن عنده الرغبة في أن يشارك فليتفضل.


                                                                                                   الصورة في أعلى لقريتي بجبال الأطلس
بقلم: أبو حسام الدين

حماد أونامير (الجزء2)

تجد الجزء الأول هنا أسطورة حماد أونامير
حكاية من الموروث الشعبي (بتصرف)


  ضاقت به الدنيا بعد فراق الحورية الحسناء سالبة العقل والقلب؛ وقد شغفته حبا! ها وقد حملت منه! وبأجنحتها عرجت إلى عالم السماء.. صار لا يطعم طعاما ولا يستطيب مناما وكثر سهوه، وقلّ كلامه، فتراكم الهم والغم  في صدره. انجرفت الأيام به على مضض، ولبس ثوب الشقاوة والعنت، ولازمه هذا الحال دهرا حتى أيقن أن الحل هو اللحاق  بحوريته حتى ينعم بجوارها.
فهَمّ بالصعود إلى السماء! طرح بردة الشقاء والحزن أرضا مودعا أمه الحزينة التي ما تفتأُ تذكر اسمه فتُجهش بأدمعٍ حرّى لا تنقطع .. امتطى صهوة جوداه وساح في الأرض جاهلا الوجهة، لا يبتغي إلا وسيلة الصعود إلى السماء..
بقي الشاب الوسيم يطوي مسافات الأرض طيا إلى أن صادف رجلا في سن الشيخوخة كان في معزلٍ من الناس... أرشده إلى جبل عالٍ يلتحف لون الاخضرار، تسكنه الطيور والجوارح وتعتليه الأسرار، به نسر عظيم أوتي قوة كل النسور والأطيار... قال الشيخ: تلك وسيلتك الوحيدة في العروج  إلى السماء السابعة، فانطلق ولا تحتار.
تابع حماد اونامير سفره، يطوي الهضاب والوهاد ويتبع الوديان ومنابت الشجر إلى أن بلغ الجبل. وجد أعشاشا كثيرة ومتنوعة بتنوع الطيور البرية، وغارا كبيرا يقف في فوهته  نسر عظيم الحجم هائل الصورة. قص عليه أمونامير ما حدث له، فأظهر تعاطفه الشديد وتأثر بقصته بشدة، ولكنه أخبره أنه لا يستطيع أن يلبي طلبه لكبر سنه وضعف قوته وقد تساقط  بعض ريشه.. توسل إليه بكل عزيز وغال أن لا يخيّب أمله.. فرقّ قلب النسر وأشفق عليه لمّا علم أنه قضى دهرا يبحث عنه.. قال: سأحملك إلى السماء ولكن بشرط.. أن تطعمني من لحم حصانك حتى أستعيد قوتي وقدرتي على الطيران البعيد.. شعر أونامير بالإحباط، كيف يستطع أن يستغني عن رفيقه وصديقه، وحصانه الذي اخترق به الوُعُور.   
سمع الحصان ما دار بينهما من حوار، فتقدم إليه بعزيمة وقوة معلنا أنه على استعداد أن  يضحي بنفسه من أجل أن ينال صديقه مبتغاه، وتقر عينه برؤية حوريته. استسلم رفيق سفره للذبح... بكى أونامير من شدة حزنه ومن شجاعة حصانه وتضحيته.
بعد أن أكل النسر من لحم الحصان عادت إليه قوته واستعادت أجنحته ريشها، ثم احتفظ أونامير بسبع قطع من اللحم في جرابه...
تهيأ أونامير للرحلة وركب ظهر النسر وحلق به بعيدا. وكلما صعدا إلى إحدى السماوات أَلْقم نسره قطعة من لحم الحصان، حتى أوشكا على بلوغ السماء السابعة، وبينما يحاول أن يخرج قطعة اللحم الأخيرة إذ بها تنفلت من يده وتسقط. تحسر كثيرا خاصة وأنه أدرك أن النسر بدأت قوته تضعف وقد لا يستطيع إكمال الرحلة، فاقتطع من باطن ذراعه حيث المرفق قطعة لحم فأطعمها له حتى يوصله إلى السماء الأخيرة.. قال له النسر: إن هذا اللحم ليس لحم الحصان، فأخبرني من أين جئت به. رد عليه اونامير أنه لن يخبره إلا إذا أعطاه موثقا بأن لا يُسقطه مهما كان الأمر. فعاهده النسر على ذلك، فأخبره أنها من ذراعه، فغضب النسر منه كثيرا قائلا له:  لولا أني أعطيتك عهدا لأسقطتُك من فوق ظهري.
بعد وصوله إلى السماء السابعة وجد حماد أونامير عالما أخر كجنان قطوفها دانية، وعيون يجري منها الماء سلسبيلا وثمارا غريبة وعجيبة.. فالتجأ إلى مسجد يرتاح فيه من عناء السفر.. التقى هناك بطالب للقرآن صغير السن تشع أنوار الحسن من وجهه، كما أن الطفل تأثر  بجمال أونامير كذلك، وحين ذهب إلى أمه أخبرها أنه رأى في المسجد رجلا فائق الجمال، حسن الصورة رشيق القوام،  فطلبت أوصافه بدقة فوصفه لها بتفصيل ممل. أمرته أن يُحضره إلى المنزل.. عاد الطفل أدراجه إلى المسجد ليستدعي اونامير، فقَبل دعوته. وعندما التقيا علم أن الطفل الذي استدعاه لم يكن إلا ابنه الذي لم يكتب له القدر رؤيته... هلت الفرحة عليهم بعد أن اجتمع شمل أسرته، وسعدوا باللقاء. اشترطت الحورية على حماد أونامير إن أراد أن يسكن معها أن لا يقرب مكانا يوجد بمنزلها به حجر مسطح يأخذ شكلا دائريا يخفي خلفه فوهة.. لم تخبره بسرها، كل كلامها كان تحذيرا حتى لا يفكر يوما في تحريك هذا الحجر مهما كان الأمر.
تسارعت الأيام في الانقضاء عاشها حماد أونامير مع حوريته وابنه في سعادة وحب، حتى أقبل يوم عيد الأضحى فأحس بالحنين إلى والدته الحنونة، تمنى لو يراها وينعم بنظرة واحدة فقط، أو يسمع صوتها، أو حتى يأتيه مجهول بأخبارها.. ساقه شعوره بالحنين إلى أن يدفعه الفضول لمعرفة ما خلف ذلك الحجر وما السر ورائه! لماذا كانت الحورية تحذره وتوصيه باجتناب مكانه؟  فلجأ إليه وأزاحه بقوة، آملا أن يجد شيئا هناك يفيده في معرفة أخبار والدته. اكتشف فوهة وثقبا يطل على الأرض، نظر من خلاله فرأى  والدته تشكو وحدتها وتمسح دمعتها وقد ابيضت عيناها من الحزن، وهي ممسكة بحبل قصير قد ربطت فيه خروف العيد وتنادي: ترى أين أنت يا حماد أونامير؟؟ أين أنت يا بني؟؟ ليتك تأتي لتذبح لي بيدك أضحية العيد.. لم يتمالك نفسه من شدة ما رأى، زعق بقوة كي تسمعه ولكن بدون جدوى.. فدفعه شوقه وحنينه لأمه فتجاهل تحذير الحورية له، واستجاب لندائها الحنون معلنا بقوله في السموات: لبيك أمي.. أنا قادم إليكِ... فألقى بنفسه من فوق السبع العاليات، تهوي به الرياح  وتمزق جسده.. فلم تصل منه إلى البسيطة إلا قطرات من الدم،  واحدة على عنق الخروف فذبحته، والثانية سلخته وجزرته، والثالثة سقطت على عين أمه فأبصرت، لكنها لن ترى ولدها بعد كل الشوق والحنين والغياب.
 تمت

بقلم: أبو حسام الدين

حماد أونامير (الجزء1)


تقديم

الحكاية التي بين أيديكم هي من جنس الأساطير الأمازيغية. هي ضمن الموروث الشعبي من صنف الحكايات التي تحكيها الجدات للأحفاد عبر مرور الأزمان والحقب. وأذكر ونحن صبيان حين يرخي الليل سدوله كنا نستمتع بسرد العجائز لمثل هذه الحكايات.. 
طبعا لكل شعب من الشعوب ثقافته وأساطيره التي يستمد منها الحكمة أو العبرة وكلها من وحي الخيال، كما أنها قد تتضمن بعض الخرافات، لكنها تخدم تقاليدا وقيما معينة. 
بطل القصة هو "حمو أونامير" أو "حماد أونامير" وسوف أستعمل "حماد" ولن أستعمل "حمو" في الحكاية لأني هكذا سمعت الأسطورة في صغري. 
كما حاولت أن أصوغ الحكاية بأسلوبي الخاص، فأتمنى أن تنال إعجابكم. 

 الجزء الأول من الحكاية

استيقظ حماد أونامير من نومه باكرا، فشرع يفرك عينيه المغمضتين، وانتبه أن راحتيه قد خُضبتا بالحناء، فاستغرب، إذ هو لم  يضعه قبل نومه فكيف يستيقظ ويجد زخرفة من الحناء قد توسطت كفيه.. ثم راح بخطى مرتجفة صوب كُتاب القرية وقد امتلكه الخوف. خشي أن يلاحظ الفقيه الحناء على كفيه.. حتما لن يعفر له هذا!
 ورغم محاولته أن يكون حذرا من نظرات الفقيه إلا أن دقة ملاحظته كشفت ما يخبئه الطالب. عاقبه بالضرب والتوبيخ وأغلظ له القول حتى لا يعود لفعله.. لكنها لم تكن المرة الأخيرة حيت تكرر الأمر خلال بضعة أيام وكلما استيقظ وجد أثر الحناء، ثم  يعود الفقيه لتوبيخه وضربه...  إلى أن علم ببراءته بعد حين فنصحه أن لا ينام ليلتها وأن يتربص بالفاعل.

استعدّ حماد أونامير ذو الوجه الوسيم  وصاحب الملامح الباهرة ليحرس نفسه متظاهرا أنه مستغرق في نوم عميق. وبعد انتظار طويل  رأى صفا من الحوريات يتسللن من نافذة غرفته، كان يسترق النظر من خلف رموشه المتراخية على الجفون، فانبهر لجمالهن الفتان.. اقتربن منه وأمسكنَ بيديه وزيناها بالحناء كما عادتهن...
 

وحين كان الصباح هرول إلى الفقيه ليخبره بما حدث معه وما رأه، فأرشده  إلى حيلة كي يمسك بهن، فلقنه ماذا يفعل... 
ولما جن الليل وسكن، أوى الشاب إلى فراشه كما العادة بعد أن أعدّ حيلة ليمسك بالحوريات جميعهن. أغمض عينيه متصنعا النوم وماسكا بطرف حبلٍ ليجره حين تقترب الحوريات منه فيقعن في الفخ كما علمه الفقيه... وبعد فترة حضرت الحوريات كما عادتهن.. وبينما هن على وشك الاقتراب منه إذا بهن يقعن في المصيدة فلم يستطعن الفرار، بعد أن فقدن الاستطاعة على الهروب. حاولن التوسل بحماد أونامير كي يطلق سراحهن للعروج إلى السماء قبل موعد الفجر.. فما كان منه إلا أن منحهن الحرية بالتتالي إلا واحدة أبقى عليها فطلب منها الزواج، فقالت: الزواج مني له شروط وأنت لن تستطيع أن توفي بوعدك، فمن صفة البشر أنهم يخونون العهد.. فمن الأفضل أن تتركني أعود إلى السماء. أصرّ، وأقسم أنه سيفي بكل الوعود، فمن حقها أن تشترط ما تريد. طلبت منه منزلا يحتوي على سبع غرف؛ غرفة داخل غرفة تغلق بمفتاح واحد، وأن يحتفظ بالمفتاح وأن لا يعلم أحد من الناس بخبرها وخصوصا والدته. 
شرع الشاب الوسيم في بناء المنزل بحيوية ونشاط، وبعدما انتهى من تشيديه أسكن الحورية السماوية في أخر غرفة من الغرف السبع، ثم أحكم إغلاق كل الأبواب بمفتاح واحد، وصار حريصا في الاحتفاظ به حتى لا يُفضح سره. 
كان الشاب يتيم الأب  يسكن مع أمه التي لاحظت أنه بدأ يطلب منها كلما أعدت له الطعام أن تجعله وجبتين، وإن نسجت له ثوبا أن تجعلهما ثوبين... تسللت الريبة إلى قلب الأم من تغيّر أحوال ابنها الوحيد، استغربت سر وجود منزلٍ يحوي سبع غرف، حاولت أن تعرف منه الأمر، لكنه في غير مرة يتجاهل الرد عليها. 
في يوم  خبأ المفتاح في أكوام التبن بقرب الديك معتقدا أنه مكان آمن، ثم خرج على ظهر حصانه إلى الصيد.. وفي غيابه سمعت الأم صياح الديك وفهمت أنه يعلم مكان وجود المفتاح، فعدته بأفضل الطعام إن أخبرها بالمكان الذي يخبئ فيه ابنها المفتاح، فدلها عليه. فتحت المنزل وهي تتوق لمعرفة ما بداخله. وبينما هي تفتح الباب السابع والأخير إذا بها تجد نورا ساطعا كهالة ملائكية تتوسطها حسناء فاق جمالها التصور، وهي ناشرة شعرها الأسود كسرب الغربان تمشطه في هدوء وسكينة.. أفزعتها الأم حين اكتشفتها. صاحت قائلة: يا لسعادة ابني بجمال هذه الحورية.. ثم أغلقت الغرف السبع كما كانت وأعادت المفتاح إلى مكانه كأن شيئا لم يكن. 
عاد أونامير من رحلة الصيد ممسكا بفريسته التي اصطادها لأجل الحورية، فتح باب الغرفة الأولى فوجد بعض قطرات الماء وكلما اقترب من الباب السابع تزداد كثافة الماء إلى أن فتح الباب السابع  فوجد الحورية قد أغرقت المكان بدموعها المنهمرة كالسيل. سألها ما يبكيك؟ قالت: إنك لم تحافظ على وعدك لي.. لقد كُشف أمري، وربما لن تراني بعد اليوم. ترجته أن يفتح لها النافذة حتى تستنشق الهواء، ففعل... لكنها طارت من مكانها متجهة نحو النافذة ففرت وهي تقول: ودعا يا أونامير..! كان بودي أن أبقى معك ويتربى ولدنا بين أحضاننا ولكنك خالفت وعدك لي.. إن أردتني الحق بي، ستجدني في السماء السابعة. 

 يتابع..
بقلم: أبو حسام الدين

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة