الوصف

تحت ظل شجرة الخرّوب


  
  يذكرها جيدا؛ كيف له أن ينسى جدعها العريض، أغصانها ذات الأوراق الكثيفة، قطوفها الدانية ولكنها ممنوعة.. حتى حركة التسلق لم تُمسح من ذاكرته. لم يكن يفهم وهو في عمر البرعم أن الشجرة رغم عطائها وانتاجها الوافر فهي في سن الشيخوخة، كعجوز تتوسط القرية. ذاكرته تحتفظ بكل أنواع الأنشطة التي مارسها تحت ظلها، ومجلس رجال القرية وهم يتجاذبون أطراف الحديث، يقتلون الوقت بسهام الكسل فيعاندهم بخطوات بطيئة... مضى الزمان. قال لنفسه: ليتني أسترجع  ذلك الوقت المقتول الذي سحقوا هامته بإصرارهم في الجلوس ساعات طويلة  يمارسون حشو الرؤس بأخبار الناس والأحوال والقرية.. 
تذكر ما كان يقول له أهله: إياك أن تأكل من ثمار الشجرة فهي وقف على المسجد! لا يفهم كثيرا مما يقولون! لكنه يدرك  أن للشجرة قداسة  مادام الأمر يتعلق بالمسجد، يكفيه هذا التفسير يجده مقنعا.. لا يهمه ما معنى الوَقْف، كل ما يصوره خياله أن الأكل منها محرم، يمسخ الله من خالف هذا الأمر، أو تتبعهُ اللعنة، أو يُطرد من جنةِ أدميتهِ إلى عَناء الحيوانية أو إلى شقاء الجماد، مثل أدم عليه السلام حين أغواه الشيطان فأُخرِج من جنته.. أو كما كان يُقال لنا أن من أفطر رمضان متعمدا سيمسخه الله حيوانا أو حجرا أو شجرا... إنه الخيال حين تتفتق بذرته في عقول صغيرة تجد تربتها خصبة قابلة لزرع أي تفسير.. كان يتصور أن مجرد التسلق جرم لا يُغتفر. كثيرا ما رأى أقرانه الأشقياء بتحد يخالفون قانون القرية يأكلون ثمرة الخرُّوب البنية ذات الطعم الحلو، كم طعمه مغري، لكن ليس من حقه. ينهرهم أن ينزلوا متوعدا إياهم بخسران العاقبة. 
وقف عن كتَب يتأمل إصرار الشجرة في الحياة، قوة التحدي تظهر من جدعها العريض، اقترب أكثر جلس تحت ظلها كما كان يفعل رجال القرية في عهد أغمض جفنيه وولى، حاول أن يقلد بعضا من تلك الحركات التي صورتها له ذاكرته، تنهد.. سمع صوتا من أعماق المكان: أين هم من جلسوا مجلسك هذا؟ 
انتفض مذعورا واعتدل في جلسته. علم أن الزمن هو من أفناهم وليسوا هم من قتلوه بكسلهم، علم أن منهم من أمضى ساعاته يتفيأ الظلال يدخن السجائر ويستمتع بنشوة الدخان وهو لا يدري أنه يمضي رغم جلوسه. الحركة لا تنعدم رغم السكون، فالليل ساكن لكنه يمضي...ما سر تجاهلنا؟ إنها الغفلة. قال في نفسه: أعلم أني حين أغفو لا أشعر بمحيطي ولا بعالمي، قد تمر الساعة في كل ميدان وإن توقفتُ عن الحركة. درست أن التاريخ حركة مستمرة.. يعني لا ينتظر أحدا ولا يتملق لأحدٍ. من جدّ وجد ومن نام لزم الأحلام. في الفترة التي كان  العرب فيها ينعمون بجلهم وتخلفهم كان الغرب يبني أمجاده بالعلم بعدما كانت أوروبا تتخبط في ظلمات الجهل، وأي علم أقصد؟ هو نفسه الذي تركه المسلمون وغفلوا عنه وولوا وجوههم قِبل العداوات والصراعات السياسية، وحشو الرؤس بالخزعبلات حتى حسبها البعض دينا.. الآن علمت لماذا عُبدَ « ود ، وسواع ، و يغوث ، ويعوق ، ونسرا »  ولماذا عُبد الحكيم الهندي بوذا.. الجهل والتخلف يتطوران كما يتطور الفكر والعلم كلاهما قابل للحركة والتغير لكن الأول للأسفل والثاني للأعلى.  ما أصعب اليقظة التي تكون كالصفعة، أو دعني أقول أنها الصفعة بعينها، ومهما كانت قوتها فلن تكون مثل صفعة العالم العربي حين أفاق ووجد أوحال التخلف حوله. 
أنصت لصوت نفسه يقول: دعني الآن من كل هذا، ما شأني أنا بالعالم العربي؟ أنا هنا أسترجع ذكرياتي، فما العامل المشترك بين هذا وذاك؟ ستقول لي الزمن وحركة التاريخ. ربما! 
حينها تفقد ببصره المكان، رق لحن قلبه، آتاه الهاجس مرة أخرى.. هذا المكان ضم بالأمس رجالا مضى أغلبهم إلى الثرى ومن بقي على قيد الحياة فقد شاخ وهرم، والأطفال صاروا رجالا ولم يمسخ الله منهم أحدا، لم يمسسهم سوء برغم الشقاوة والعناد، ومضى كل إلى غايته. الشجرة مازالت تُتمر وتنشر ظلها، تفرشه بسخاء، لكن لا شيء تحتها إلا مقاعد من أحجار مرمية، وفارغا، ومجالسا منسية.


لحد كتابتي هذه الكلمات مازالت الشجرة تتمر.. وتستمر حركة الحياة.. 

                                                                                                                                       22--05--2011
أبو حسام الدين

أسفي على مغرب الثقافات

يا وطني يا مغرب الشمس: دنسوك سلبوا طهارتك وادعوا محبتك وكادوا يغتالوك.
وطني فلست أرثيك ولا أبكيك، فأنت حي ترزق، بصبر أيوب تتحلى، محبتك في كل أفق تتجلى، صوت أسودك مازلت تتعالى..نغمة التكبير من مآذنك تتغنى، وكلنا في حضنك لغد أفضل نتمنى..
أسفي شديد، فعلى ترابك الطاهرة أباحوا الفجور.
وطني يا بلد الأولياء والشهداء منبت الأحرار، يا أرض طارق، يا بلد القاضي عياض، و الخطابي..
لو يرى السابقون من يطأ ترابك  لتحسروا، لبكوا بدل الدموع دما...جعلوك منصة لكل مثلي ومخنث، جعلوك قبلة شاكيرا وإلتون جون..يا وطني المسكين، يا من تبذَر أموالك في غير ما ارتضيت.
لله درك يا وطني
! فضمض جراحك ، فليس العيب فيك، بل العيب في من سكنوك.

رســـــــــالـــة
(صورة وهمسة)

( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً‌ ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ‌ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ‌ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ‌ ۗ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة/74
 
أبو حسام الدين

عائدون عائدون.



-1-

عائدون عائدون
رغم العدى صامدون
يسيرون بخطى الانتفاضة..
المجدَ آملون
يومٌ تمخضه القهر
فاسأل التاريخ كم مضى
وأَعلن أن عمر الذل قصير
أَعلن أن المجد ينادي الرجال
فشُقوا في الأرض المسير.

-2-

حلّقت أسراب الحمام
معها أمل يقول إلى الأمام
لنعيد شروق الشمس فقد استبد الظلام
لنزرع الحرية في ارض الشروق
... رفرف الحمام
حط  فوق شجرة أغصانها ذابلة
وأخرى تنطلق لتحيا السلام
انتفاضة تبعث جسد أمة يقودها النيام

-3-

هاتي يا أم الأرض أبنائك
افتحي في الغيب طريقا لهم
وأَرسلي أغانيك المِلاح
وأَسمعي شدو الحرية والعزة والفلاح
وغني لهم.. ولنغني لهم
فالصمت في ظَرف الانتفاضة
كفر(*) بواح.

كلمات ولدت بتاريخ  14-05-2011

(*) الكفر هنا لا يقصد به كفر الملة ولا شيء من هذا القبيل بل هو كناية عن المبالغة في القبح والذلة.


أبو حسام الدين

المهدي المنتظر





بعد اقتنائه جريدته المفضلة سارع بخطواته نحو المقهى حاملا محفظته المكدسة بملفات من قضايا شتى، أخذ مكانه المعتاد، أشار إلى النادل ففهم قصده بنظرة خفيفة، نشر جريدته يلقي نظرته الفضولية على وقائع وأحداث هذا العالم الغريب، وقعت عينه على خبر الساعة الذي أدرج على الصفحة الأولى "خروج المهدي المنتظر"، قرأ وأعاد حاول أن يُثبت لنفسه أنه مدرك لما يقرأ. بدأت هواجس مثقلة بالاستفسار تسيطر على خياله: كيف؟ أهي الخطوات الأولى في طريق النهاية؟ أم هو العد التنازلي لهذه الدنيا؟ ربما حان زمن العدل والحق.. يقال أن المهدي المنتظر سيملأ الأرض عدلا، وسيحارب بمعية المسلمين أولئك المغتصبين الظالمين.. هل هذا يعني أن المسلمين سيكون لهم إمام واحد؟ ولم لا ؟ ولكن كيف؟ فالجميع يعلم أن المسلمين فرق وأشياع!، إضافة إلى أن هناك اختلاف في المعتقد... فمهدي السنة ليس مهديَّ الشيعة.. لا لا، كيف لي أن أصدق الخبر والأمر مازال لم تتبين حقيقته.
بينما هو كذلك إذا بجموع من الناس بدأت تلتف حول بعضها، بدأ الجميع ينادي بأن المهدي المنتظر قد ظهر، وأصوات تعلو: أيها الناس هذا هو من سيحقق لكم العدل وينصر المظلمين ويحرر بيت المقدس وو..
تكاثرت الجموع فإذا بسيارات الشرطة ملأت المكان، نزل منها رجال السلطة وطوقوا الشارع، وآخرون يحاولون منع زحف الجموع، والناس مصرة على أن تتحرر من كل القيود وأن تمضي إلى نصرة هذا المنتظر الذي أخبرت عنه كتب السنة... وقوة التحدي تنمو فقد أسندها خبر خروجه. 
نظر إلى المشهد باستغراب، كيف يمكن هذا؟ أيكون الناس كلهم متعطشون للعدل والحق؟ ثم هل حقا يمكن أن يتحقق العدل على الأرض؟ ولم لا؟ فالله تعالى طالبنا بإقامة العدل وتحقيقه... لكن من المؤكد أن أي شيء على الأرض هو نسبي، فالمطلق لله تعالى، لهذا فأرواح الناس تواقة إلى ذلك المفهوم المطلق؛ لكن أبهذه السهولة يستطيعون تصديق الخبر، بالرغم من أن التاريخ مليئ برجال ادعوا المهدوية واستغلوا اعتقاد الناس ليصلوا إلى مآربهم... شيء يدعو إلى التأمل والاستغراب.حقا... ولكن أكيد أن الفراغ الحاصل لمفهوم العدل والعوز الموجود في الواقع يجعل الناس تتشبث بكل من يوفر لها العدل، رغم أن حياة الدنيا لم يبق لها الكثير، فليس بعد المهدي إلا سنين قليلة وتقوم الساعة. 
بينما هو في ذهوله بين التكذيب والتصديق إذا بالوفود تفد على المكان فانساق بدون أن يشعر بنفسه وهو يهتف معهم العدل العدل.. دعونا نتحرر.. فاستيقظ على صرخاته المتعطشة التي أطلقها حتى ارتجت غرفة نومه، تذكر أنه تأخر عن موعد محاكمة أحد موكليه المدان في قضية لفقت له ظلما.

أبو حسام الدين

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة