الوصف

دع عنك الخصام


حدثتني بارتياب،

قالت:

لمَ كلامنا ينتهي بالمــــلام

لمَ الصّحو يغدو بعد حينٍ رعــداً

ويقصفُ البرقُ منَّا الخــــــــــــــيام؟

أتراني لمْ أدخل سجلَّ خاطركَـ،

أم أنّ بيعتي فقدت شرعيتها؟

أمْ أنّي لا أملك مرسوم الغـــرام؟

ألـمْ أقذف لك مراسيلَ الهوى

وأنت شحيح الشّوق،

متعالي المقام؟!

ألـمْ أطُف الدّروب

أجوب أزقة التشرد..

فما كان دربُ قلبكـَ

إلا بعيد المرام

وحروفكـَ كانت تُصيبُ القلبَ

تُـسابق علقمَ القدر بالسّهام!

فما جفّ دمعٌ من العين مُـذ عرفتكـَ

فهَبْ لي ساعة

أذق فيها طعمَ المنام

وإن مُنايَ أن تمرّ بي لحظات عشقٍ

تُلبسني ليلى

وتُلبسكـَ قيسا...

ونخلعُ عنَّا ثوب الخصام.

أبو حسام الدين

نكبة ومحنة


(إن العلم يراد للعلم كما إن العمل يراد للنجاة فإذا كان العمل قاصرا عن العلم، كان العلم كّلا على العالم، وأنا أعوذ بالله من علم عاد ِكّلا وأورث ذلا، وصار في رقبة صاحبه غلا)  رسالة التوحيدي إلى أحد القضاة.


لا يخلو التاريخ من شخصيات لم تنصف فظلمت في حياتها وبعد مماتها، رغم أنها أثرت في فكر وثقافة ووجدان الأمة العربية والإسلامية؛ وقد لاحظنا في تاريخ الفكر العربي محنة أو كما تسمى نكبة ابن رشد وكيف أحرقت كتبه من جراء اتهامه بالزندقة بسبب وشايات الحساد عند السلطان الموحدي وكذلك بسبب فلسفته التي جعلت خصومه ينعتونه بالهرطقة والزندقة، فأبعد ونفي، ورغم أن السلطان أكرمه بعد ذلك ورد له اعتباره إلا أن الموت لم يمهله كثيرا؛ توفي في مراكش ودفن بها، وبعد ذلك نقل رفاته إلى قرطبة. ويرى كثير من المفكرين أن لنقل رفاث ابن رشد إلى مسقط رأسه دلالة ورمزية قوية فهو ليس طردا لميت صار رميما بل طرد للفلسفة العربية وتصديرها إلى أوروبا وإبعادها إلى المكان الذي ستزهر فيه وتعود لها الحياة مجددا. يقول المفكر المغربي عبد الفتاح كيليطو في كتابه لسان أدم: ( لم يحتفظ به في الأرض الإفريقية وطرد من جنوب المتوسط، وفي القبر الذي ظل شاغرا يقال إنه قد دفن الولي أبو العباس السبتي، وهذا ليس كل شيء فقد جرى التخلص كذلك من كتبه، ففي مسيرها نحو الشمال وضعت الجثة على أحد جانبي الدابة ووضعت في الجانب الأخر مؤلفات الفيلسوف لضبط التوازن فالتابوت في جهة وأكوام من المخطوطات في الجهة الأخرى والشهود على هذا الترحيل الصوفي ابن عربي والناسخ أبو الحكم والفقيه ابن جبير كاتب أمير أبو سعيد الموحدي وممن شاركوا في اضطهاد الفيلسوف إبان محنته..) يضيف عبد الفتاح كيليطو في نفس الكتاب - فصل ترحيل ابن رشد - فيقول: (لم يكن لابن عربي أو أبي الحكم أو ابن جبير أن يتصوروا حينها أن ترحيل جثمان ابن رشد سيكون له مدلول دقيق بالنسبة لنا، رفض أرسطو وترحيل الفلسفة إلى الأوربيين، فوفاة ابن رشد تمثل بالنسبة للعرب نهاية حقبة ونهاية تاريخ أو بعبارة أدق تحول ذلك التاريخ لأنه سيستمر في الشمال في أوروبا أما نحن الأغنياء بمعرفة مريرة فإن مراسيم دفن ابن رشد تشكل لحظة في تاريخ البحر الأبيض المتوسط لحظة أبعدت فيها الفلسفة إلى الشمال..)
ليس من السهل على أي أديب أو مفكر أو فقيه أن يرى كتبه تصير طعمة لألسنة اللهب فذلك إنما هو اعتداء على عصارة فكره، وتحطيم لجهد السنين من التدوين والكتابة والبحث، هذا طبعا إن كانت مؤلفاته أحرقها غيره، باسم الدين طبعا بدافع الظن أن ما تحويه يعتبر إلحادا وزندقة، وهذا لم يكن في تاريخ الإسلام فقط بل لم يخلُ منه تاريخ المسيحية كذلك. 
نترك ابن رشد ونكبته ونتحول إلى أديب وفقيه أخر أحرقت كتبه، لكن الفرق بينه وبين القاضي ابن رشد أنه هو من أضرم النار فيها في أواخر حياته منتقما بذلك من واقعه المر المليء بالفقر والحرمان، وحسد الحاسدين، ومن عصره الذي يراه عصرا جاهلا لا يستحقه، ولا يستحق فكره وأدبه.
تجاهل المؤرخون أبا حيان التوحيدي ولم يضع له أحد منهم ترجمة تليق به كعالم وأديب يتصف بالموسوعية، حتى لبست سيرته ثوب الغموض إلا ما استخرج من بعض رسائله وكتبه كالإمتاع والمؤانسة وهو أشهرها..
حقد التوحيدي على أهل زمنه أشد الحقد ربما من عامل الوشاية والكيد والفقر وسوء الحظ، مما أدى به إلى الشعور باليأس.. وعاش فقيرا بعد أن هرب متخفيا من الوزير المهلبي الذي اتهمه بالزندقة، كما لم يرض عن الوزيرين ابن العميد والصاحب ابن العباد وقد ذمهما في كتاب له اسمه مثالب الوزيرين.
عُرف أبو حيان التوحيدي بثقافته الواسعة فإضافة إلى كثرة تنقله لطلب العلم فإن اشتغاله بالوراقة ونسخ كتب غيره يعتبر كذلك سببا في اطلاعه على جميع أصناف العلوم، ولكنه لم يكن راضيا عن نفسه ولا على العمل الذي يزاوله، لأنه جعله مقبورا مدة من الزمن ولم يتصل بالعالم الخارجي إلا في سن الأربعين..ليتودد لأولي الأمر. الغريب أن حظ التوحيدي كان عاثرا فكلما تقرب إلى أولي الأمر لينال حظا عندهم سبقه الواشون بالوشاية، أو توفت المنية ولي نعمته التي ما كاد يصدق أنه وجدها، فلازمه الفقر طوال حياته إلى وفاته.
اتهم بالزندقة ولعل ذلك كان الدافع الأول لإقدامه على حرق كتبه لا لأنه تبرءا مما كتب – فهو يرى أنه لم يحد عن عقيدة التوحيد- ولكن لأن علمه وأدبه لا يستحقه زمنه الذي يراه ظالم له بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كما أن ما أقدم عليه هذا العالم المثقف استغرب له كثير من معاصريه ومنهم من وصفه بالمخبول؛ والحقيقة أن الأمر يبدو غير ذلك فقد كتب إليه أحد القضاة اسمه أبو سهل علي بن محمد يعاتبه على فعله فأجابه في رسالة – تتصف بأسلوب أدبي رائع - يقول إنه ما اجترأ على هذا الأمر حتى استخار الله عز وجل فيه أياما وليالي وأوحى إليه في المنام ذلك ... ثم يضيف: (اعلم علمك الله الخير أن هذه الكتب حوت من أصناف العلم سره وعلانيته فأما ما كان سرا فلم أجد له من يتحلى بحقيقته راغبا وأما ما كان علانية فلم أصب من يحرص عليه طالبا فشق علي أن أدعها لقوم يتلاعبون بها ويدنسون عرضي إذا نظروا فيها ويشمتون بسهوي وغلطي إذا تصفحوها )، ولعل السطر الأخير يبين قناعة التوحيدي بأن ما قام به هو الحل، بحيث مادام البعض اتهمه بالزندقة فمن الأفضل أن لا يبقيَ لهم ما يسبوا به عرضه، ولا ما يشتموه به، ماداموا فهموا فكره أنه زندقة وكفر..
ذكاء التوحيدي قوي وعلمه واسع، وأسلوبه بليغ، ولهذا فقد قال عنه يقوت الحموي بعده بقرنين من الزمن في معجم الأدباء واصفا إياه أنه (شيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة ومحقق الكلام ومتكلم المحققين وإمام البلغاء). ودفع عنه صاحبُ طبقات الشَّافعيَّة تهمة الزندقة بقوله: (ولمْ يثْبُتْ عنْدي الآن منْ حال أبي حيّان ما يُوجبُ الوقيعة فيه، ووقعْتُ على كثيرٍ منْ كلامه، فلمْ أجدْ فيه إلاّ ما يدُلُّ على أنّهُ كان قويّ النّفْس، مُزْدرياً بأهْل عصْره، ولا يُوجب هذا القدْرُ أنْ يُنال منْهُ هذا النّيل).


محنة التوحيدي تشبه محنة كثير من المثقفين اليوم بين من لم ينالوا حظهم ومن لم يجدوا بعلمهم إكراما، والحقيقة أن أمراض المجتمع لها أثر كبير على نفسية المثقف خاصة إن كان حاد الذكاء والفكر، ونظرته للأفق واسعة؛ وكلما رأى تهافت الجهال على النفوذ والسلطة بالرشوة والمحسوبية تزيد معاناته وتنعكس نظرته وقد تصير ضدا، فكما أحرق التوحيدي كتبه ليقطع نسل أفكاره، حتى لا يعبث بها العابثون، وكما وصفه الكثيرون بأنه مريض نفسيا فكذلك قد يصير حال المثقف اليوم وفي كل زمان في ظل التسلط والقهر.

أبو حسام الدين


لحن على قارعة الفؤاد





تراك عرفت أن قلبي

قطعة سكر مذاب؟

تراك فهمت

أن شوقي ما به شيء يعاب؟

يوم أتيت

وفي صمتك قرأت الجواب

ومازال السؤال

يركض بيننا ركض الحيران

ويحتسي مرّ الشراب

يختفي إن أغمضتِ الجفون

ويبدو لي بعد النطق سراب

أتراك علمت

أنك بقدومك أضفت للعمر عمرا

ودنياي صارت خضراء بعد ما كانت يباب.

•   •   •   •   •   •   •

فلنمض حبيبتي

في حيّز بين الزمان... والمكان

لنغرق في الاَ محدود

أو نصير لحنا في عزف الريح بين شق الباب

لنَذُبْ معا في فنجاننا الصباحي حين نحتسيه

ذاكرتنا تستوعب طعم رائحته

تلفظ الكلام عن يوم ولد فيه الحب وطاب

أعيريني البسمة

أغسل بها أحزاني

ألملم بها شتات فكري

أتمسك بها  كحبل ينتشلني من ظلمة السرداب.

•   •   •   •   •   •   •

أيا ليتك تدركين أننا يوما

درجنا إلى الحلول

عرجنا إلى الفناء

ذابت روحي في روحك

وفي العُلى تجول

فإن عرفتِ الشمس في الأفق حال الغروب

لم تغب روحنا ولا أبدا عرفت معنى الأفول.

فيا من توحّدت روحي  مع روحها

متى انفصلت ؟

متى قلبك لقلبي أعلن الهجر

... والصدود؟


 بقلم: أبو حسان الدين

شعاع النور

● نور من السماء... ليت الأفهام تعي و ترى. 
● بلطائف الإحسان يرزقنا الديان. 
● مادام شعاع النور منسدلا من السماء، تأكد أن اللطف لم ينقطع..
   وانعدم النور دليل على انطماس نور القلب، وظلمةٍ في النفس.
   (أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) الزمر/ 22

● يقول ابن عطاء الله السكندري في حكمه:
   الكون كله ظلمة، و إنما أناره وجود الحق فيه، فمن رأى الكون و لم يشهده فيه، أو عنده، أو قبله أو بعده، فقد أعوزه  وجود الأنوار، وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار .


صور بعدسة     
أبو حسام الدين

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة