ماذا
عسانا نقول في ظل هذه الأوضاع التي تختلط فيها المشاعر ما بين الفرحة والافتخار
والخوف والأسف والحسرة، إنها فترة
تاريخية يعيشها جيل جديد من الشباب الذي افتقد إلى الكثير والكثير... والذي طفح به
الكيل وانفجرت منه ثورة الغضب. ماذا كان سيحدث لو أن الأمور سارت في الطريق الذي
ارتضاه الشعب لنفسه؟ أكان لابد من العناد حتى تتحول الأمور إلى عكسها، لماذا يصل
الغرور بالإنسان حتى لا يرى إلا ما يبدو له، ويرغم عليه أكثر الناس؟ أقف عند هذا
الموقف وأتذكر ما قاله فرعون لقومه، (لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد)
تختلف الأسماء ويختلف الزمان ولكن الظلم والطغيان والتعالي خصال وسمات لا تختلف
ولا تتغير، تلازم النفس البشرية التي إن شردت تميل إلى الطغيان وحب التملك
والسيطرة، إن لم نكبح جماحها بالتزكية والتهذيب.
والنفس
كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع
وإن تفطمه ينفطــــم
فاصــــــرف
هواها وحاذر أن توليـــــه إن الهوى
ما تولى يصم أو يصـــــم
وراعها
وهي في الأعمال سائمـة وإن
هي استحلت المرعى فلا تسم.
اجتاحني
شعور من الفرحة وتملكني لفترة لأني رأيت الشعب المصري قال كلمته أخيرا، فرحت له
لأن القهر والظلم وهضم الحقوق لا يؤيده أحد ذو عقل سليم كيفما كانت جنسيته أو
ديانته، أو اتجاهه الفكري...
افتخرت
بالشعب المصري لأني رأيته شعبا واعي بالوضع متحدا مع بعضه يتأقلم مع تلاعبات
النظام. افتخرت به لأن مصر بلد كبير ومواقفه السياسية تهم كل المسلمين والعرب بما
تملكه من موقع استراتيجي مهم.
استحوذ
علي هاجس الخوف من أن تفشل الثورة أو أن تبرد العزيمة، فكان خوفا من المآل الذي قد
لا يكون في صالح الشعب المصري، وخوفا من شيء قادم معلوم كان أو مجهول...
عشت
لحظة من التأسف من الواقع الذي تغيير بسرعة وصار إلى مسار مختلف جدا ربما توقعته
حين طال عناد النظام، تأسفت حين يستخدم رجل النظام الأول أساليبا أكل الدهر عليها
وشرب، حين اعتمد على أسلوب القرون الوسطى وضرب هذا بذاك حتى يخلو له الجو ويبقى له
المجال مفتوحا... تأسفت أن يجسد مقولة سأحكمها ولو كانت مقبرة، وتأسفت وتأسفت...
شعرت
بالحسرة وأنا أشاهد الأخ يضرب أخاه في ميدان التحرير، والشعب يتقاتل، والنظام
يتفرج... تحسرت رغم أن الأمر كان متوقعا فمادام الرجل لم يتنحى في الحال فتوقع أي
أسلوب خارج عن القانون.
كانت
كل هذه المشاعر هي ما عرفته نفسي في هذه الفترة رغم أنها متداخلة ومختلطة مع بعضها. وقد جعلتني بعدها أتساءل ما معنى أن أعيش
حاكما أو محكوما؟ من منا سيكتب له الخلود في هذه الدنيا؟ لما كل التشبث بالزائل ما دمنا في
النهاية سنصير ترابا؟
الأبيات من البردة للإمام شرف الدين البوصيري.