وقفا يتجاذبان أطراف الحديث. اعتادا أن يتناقشا في قضايا
فرعية تخص الصلاة، وبالرغم أن الشيخ كثير الجدال فالشاب كان يساير عقليته، يحاول أن
يحترم سنه الذي تجاوز الستين. رفع الشيخ رأسه وأظهر الفهامة، وابتسم ابتسامة خفيفة
كمن استنبط حكما جديدا يعالج نازلة من نوازل العصر. قبل أن يتكلم نظر إليه الشاب
يتأمل ما سيقوله مكتفياً بالصمت، هو يدرك أن هذا الرجل الذي أمامه فريد من نوعه،
له أفكاره الخاصة وعالمه الذي يعيشه... وعنيد لدرجة القساوة الجفاء.
- اسمع، أتدري لماذا نحرك السبابة في جلسة التشهد؟
حدق الشاب في وجه الشيخ وفي باله يرقص ألف سؤال وتضيق
مساحة الجواب حتى كاد تفكيره يعلن الاستسلام، ثم إنه ليس هناك وقت كبير حتى يبحث
عن الجواب، فالعجوز ببسمته الاحتقارية التي تملأ شدقيه ينتظر ما سيقوله الشباب...
تحدث إلى نفسه باستغراب: حقا ربما يكون لتحريك السبابة
معنى أو ربما يكون لها حكمة عميقة، أو مقصدا شرعيا علمه من علمه وجهله من جهله، ربما!... ولمَ لا؟، فكم من
مسألة صغيرة لا نهتم بها نكتشف في بعدها أن لها حكمة ومقصدا... أظهر الشاب الجهل
بالأمر لكنه فضل أن يجيب بما يعلمه ذلك خير له من السكوت، فقال:
- إن
تحريك السبابة ليس شرطا في الصلاة... فقد أُختلفَ حتى في كيفية الإشارة بالسبابة... ثم هناك رأي فقهي أخر يقول بجواز عدم تحريكها...
قاطعه الشيخ بنظرته المعتادة، والبسمة الحقيرة مازلت لم
ترحل عن وجهه، ولكنه هذه المرة أضاف إليها حركة الرأس يمينا وشمالا.
علم الشاب علم اليقين أنه مهما بحث له عن جواب فلن
يقتنع، فقال في نفسه:
يا لهذا العجوز
الغريب الأطوار أعلم أنه لن يقبل إجابتي، فهو نوع خاص من البشر الذي يصاب بالغرور
بمعلومته، وأعلم أنه سيقول لي كما المرة السابقة: سمعت في المذياع أن شيوخ العلماء
قالوا..
- شيوخ العلماء! ومنهم هؤلاء؟ - آآآآه أتقصد هيئة كبار العلماء..؟
بدا على وجه العجوز التباهي كمن يملك معلومة خطيرة لا
يعلمها أهل الأرض جميعا، هو فقط من يملكها، وربما في تقديره أن حتى تلك الهيئة من كبار العلماء لا تعرفها، ربما!... فهو الرجل الذي
اصطفاه الله وأفهمه دون خلقه.
حرك العجوز شفتيه ليقول كلمته الأخيرة الفاصلة، فقال بكل ثقة
واطمئنان:
- ليس الأمر ما قلت..!
تعطش الشاب لسماع الجواب الذي سيعلمه شيئا كان يجهله،
قال:
- حسنا، وماهو يا سيدي إذا؟
- إننا عندما نحرك السبابة في الصلاة بتلك الحركة
الدورانية..
- نعم..!!
- نكون بهذا الفعل نخزق عين إبليس ونحركها..!.
(هذا حدث واقعي وليس من الخيال)