الوصف

حمل متراكم


جلس على سريره مقرفصا.. شرع فكره يستحضر صورة طفل في عمر البرعم، بريء الملامح.. مرحا كان يلهو تحت سماء تخيلها بفكر طفولي –فضولي- غطاء أزرق يغطي قريته الصغيرة المحفوفة بالجبال من كل جانب... مخيلته تجاوزت حدود رؤيته، فتصور أن وراء هذه الشوامخ الحجرية عالما أخر بشكل النهاية..

أرخى العنان.. وتابع حكاية طفله المحبوب... تذكر اختباءاته الخجولة بأعطاف أمه التي نادرا ما يفارقها.. وكيف كان رعديدا، سكنه الخوف من يوم انطلق بمرحٍ يلهو في الحقول فالتفّت به زوبعة ريح اتخذته مركزها، فاستبد به الفزع حينا من الدهر، إلى أن تحرر من بطشه.

عُرف الطفل عند أهل القرية بالفقيه* رغم سنه.. حرّكته فطرته السليمة ليعلو سطح البيت مطلقا صوته الرقيق للأذان في غير وقت الصلاة... يسمعه أهل القرية فتعجبهم تغريدته البريئة. تقابله النساء في الطريق برفقة أمه تلقي عليه التحية باحترام وود:
- أهلا بالفقيه الصغير..
يدق الافتخار أبواب شعوره، يعتز بتميزه عن أقرانه.

قريته كانت بسيطة، اتخذ الصغار فيها أنشطة اللهو التي تناسبهم... وتسليهم حكايات من وحي الخيال، تنسجها جدات مع حلول الظلام.. تلتقط مسامع الطفل أوهام المحيط من وقائع خرافية مفزعة تمخضت عن اعتقادات بعوالم غير مرئية.. بالأرواح السفلى وملوك الجان.. أولئك الذين يسكنون الجدران المهجورة، والأبدان كذلك...

سافر حين دنا سن التحاقه بموكب العلم تاركا عالمه المحفوف بالجبال. شق طريقا نحو عالم أوسع يُعلمه معاني المحال.. تتفتح فيه الواقعية، ويدحض عن العقل وهم الصغر المتراكم في زوايا لم تنس رغم كل شيء.
حمل مع حقيبة سفره ماضيه وما اكتسبه منه:
فضول معرفي، فطرة دينية، هواجس خوف متقلب، عالم بخيال مرعب..
امتزج هذا بذاك واستقر بباطنه..
استلقى على سريره، ثم استسلم لإغراء النوم. 



* الفقيه: في العرف المغربي تطلق على كل حافظ للقرآن.                                              بقلم: أبو حسام الدين


36 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:

محطات ثقافية يقول...

عندما نحاول أن نكتب بعفوية عادة لا نكتب إلا أنفسنا بتفاصيل مختلفة ومختلقة لكن الفكرة الأساسية تظل نحن ورؤيتنا للأمور كأنما الحروف لا تخرج عن سياق سيرة ذاتية ببهارات نبتدعها للتخفي ليس الا
هكذا هي قراءة للنص أستاذي فهنيئا لنا بكل فقيه صغير تدعوه الفطرة ليكون كذلك
بوركت أستاذي ودمت مبدعا كما عودتنا دوما

مغربية يقول...

هكذا هي أحلام الصغار
براءة
و

أمال يقول...

صدقا إن الطفل أب الرجل
حين نحرص على تكوين طفل بشخصية طفولية متوازنة فنحن بالموازاة نصنع رجلا
وصف جميل لحياة طفولية متميزة
دمت مبدعا
تحياتي

هيفاء عبده يقول...

هي بداية كل مبدع ..
حلم طفولة ورؤية مستقبلية واعدة ..
وارى هنا خلف الحروف ذكريات تحمل جمال الماضي واحلام الطفولة
قصة رائعة ..
دمت استاذي

admin يقول...

منذ مدة لم استمتع بقصة لك.. فأرجو أن لا تتأخر علينا بأخرى..

كنت هنا.. وسأبقى بإذن الله..

rainbow يقول...

خاطرة رقيقة .. ولها معنى ذكريات طفل لا زالت محفورة فى ذهنه
ولا زال يستمد ذكرياته منها ..

قلم مبدع

تحياتى لك

Carol يقول...

قصتك أعجبتني
شعرت انها بداية قصة مشوقة
يمكن أستكمالها فهي بها العديد من التفاصيل
أسلوبك في السرد يشبه الكاتب العالمي أمين معلوف

غير معرف يقول...

صباح الغاردينيا ابو حسام
قصة رائعة رسمت طفل يخطو بخطواته نبوغه
الى ضفة الرجولة "
؛؛
؛
دائماً لك قلم مختلف ومميز
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
reemaas

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

صباحك ذكريات رقيقة استاذى الغالى :)

اشعر ان هذا (الرجل الطفل) كثيرا ما يحاسب نفسه و تنازعه الاحلام
وان فى قلبه لازالت احلام كثيرة لم يحققها بعد
اشعر ايضا انه بقدر امنياته باشراقة مستقبل الا انه دائم النظر لماضيه بذكرياته السعيدة ... فهو يحمل الماضى دائما بقلبه ووجدانه ... ولكن الماضى بالنسبة له ليس وهما بقدر ما هو حقيقة غالية بقلبه اكثر من واقعه

تصورى لخاطرتك انها حساب بسيط للنفس اكثر من كونها استعراض للحياة

رائعة كالعادة
دمت بكل خير استاذى العزيز
تحياتى لك

رشيد أمديون يقول...

@ليلى
أهلا أختي ليلى.
حقيقة ما قلت، فغالبا ما تقودنا العفوية إلى أن تنفلت الحروف كما يريد باطننا وما استقر به من تراكمات السنين..
مهما حاولنا أن نكتب بعيدا عن ذاتنا فلن نستطيع التحرر مما نحمل من ركام الماضي.
شكرا لك وبارك الله فيكِ.

رشيد أمديون يقول...

@مغربية
أهلا أختي سناء
براءة وخيال...

رشيد أمديون يقول...

@أمال

نعم ما قلت، الطفل أب الرجل.
اضافة جميلة، أحييك عليها أخت أمال.
شكرا لكِ

رشيد أمديون يقول...

@هيفاء
أهلا بك أختي هيفاء
إنها بداية..
والذكر تبقى دوما جميلة.
شكرا لك سيدتي

رشيد أمديون يقول...

@خالد أبجيك
حاضر أخي خالد، سأفعل..
ولا تغب عن المكان فقد اشتاق لك :)

رشيد أمديون يقول...

@قوس قزح

أهلا بك أخي قوس قزح
والذكر لا تُمحى مهما طال الزمن..
أشكرك وبارك الله فيك

رشيد أمديون يقول...

@Carol

أهلا بك ومرحبا.
نعم قد تكون بداية قصة مشوقة، لأنها بداية حياة وانطلاقتها..
أشكرك على رأيك في أسلوبي البسيط، الذي أتعلم كي أحسنه.
شكرا مجددا

رشيد أمديون يقول...

@ريــــمــــاس
أهلا بعطر "الغاردينيا"
إنها خطوات نحو المستقبل، حمل بركام الماضي.

شكرا لك وبوركتِ

رشيد أمديون يقول...

@أم هريرة.. lolocat

أهلا بك أم هريرة.
تحليل قد يكون فيه نوع من الصواب يا طيبة.
لكن استعراض الماضي هو نوع من التفاعل مع الحاضر حتى لا ينسلخ عن الأصل ولو كان بسيطا..

شكرا لك وبارك الله فيكِ

زينة زيدان يقول...

بكلمات قليلة العدد تسطر حياة بأكملها بماضيها المتمثل في طفل
ترسم مستقبله أمام القاريء من خلال كلمة تطلقها عليه " الفقيه" ومن خلال مناداة إحدى النسوة عليه "الفقيه الصغير"... لقد كان هذا اللفظ بمثابة رمز في القصة يطلق العنان لتوقعات القاريء بشخصية مستقبلية غير عادية ..
أخي رشيد
قليل هم مَنْ يستطيعون أن يجعلوا من اللغة مغزلا بأيديهم يحيكون به أعذب اللفظ والأدب والجمال الشعوري الذي ينتاب المار هنا فيخرجه من العالم الواقعي المادي والدموي إلى عالم الجمال والأدب والخير..
تحيتي لحروفك دوما

Unknown يقول...

بارك الله فيك أخى الرائع : أبو حسام الدين
رائع ماسطرته أناملك الراقية
تقبل خالص تقديرى واحترامى
بارك الله فيك وأعزك

lfalsse malika يقول...

قصة جميلة.
وهي حقا حمل متراكم في أعماقك أخ أبو حسام الدين.
أهداه بوحك لمتابعيك من المعجبين بأسلوبك الشيق.
صغت جزءا منه في أسطورة "حماد أنمير" الجزىء الثاني عندما حلقت بخيالك الخصب عبر أرجاء السماءتحمل بين أضلعك ذلك الطفل الحافظ لكتاب الله الذي ألفت عيناك تتبع حركاته وسكناته في الدنيا.
وأتممت الذكرى بوصفك لواقع الطفل الملازم لكتاب الله والذي إكراما له رغم حداثة سنه لقب بالفقيه.
جميل جدا أن نعبر عن ذكرياتنافي كتاباتنا .لكن الأبدع منه هو أننصوغ ذلك في قالب إبداعي من هذا النوع الذي طرحت.
دمت أخي متميزا .

رشيد أمديون يقول...

@زينة زيدان

أهلا أخت زينة
إن تلك الفطرة الدينية البريئة هي جزء مهم من تكوني الطفل وشيء من حاضره الذي مازال يحمله.
أشكرك على هذا التتبع، وعلى حسن القراءة والبحث خلف السطور..
بارك الله فيكِ يا مَقدِسية :)

رشيد أمديون يقول...

@محمد الجرايحى
أهلا بك أستاذ محمد.
جزاك الله خيرا على مرورك المتألق دائما.
وشكرا لك سيدي

رشيد أمديون يقول...

@ورود

أهلا بكِ سيدتي الكريمة.
مازلت تتذكرين أسطورة حماد أونامير؟
وهي فعلا شيء محمول من الماضي..
قراءتك جميلة أختي ورود، أشكرك عليها.
وبارك الله فيك وأعزكِ.

عبد الحميد يقول...

ما أروع هذا الوصف أخي رشيد
أحلام طفل صغير حمل متراكم
هي - ربما - أكثر من مجرد قصة
إحساس دافق
بوح و مناجاة

سبق و قلتها
اسلوبك "روائي" بامتياز
أرى هذا المقطع جزءا من رواية

فكر في الأمر مليا صديقي

غير معرف يقول...

بسم الله وبعد
بوركت أخانا في الله أبا حسام الدين على هذه القصة الرائعة لهذا الطفل الرجل
نحييك على أسلوبك المتميز

تحياتنا واحترامنا وتقديرنا لك

موقع المنشد أبو مجاهد الرنتيسي
صفحة أحلام الرنتيسي – هذه سبيلي

رشيد أمديون يقول...

@عبد الحميد

أهلا بالعزيز عبد الحميد.
فعلا أفكر في الأمر كثيرا، ولكن يلزمني الوقت الكافي.
شكرا لك على ملاحظاتك المتواصلة، أعتز بها صديقي.

رشيد أمديون يقول...

@مازن الرنتيسي ● أحلام الرنتيسي

مرحبا بكما.
وبارك الله فيكما على تواصلكما المستمر.

غير معرف يقول...

نوما هنيئا للفقيه الصغير

نيللي علي يقول...

يارب تكون بخير أخى رشيد
والبوست رائع والكلام رائع ريشه فنان رسم صوره للطفوله فى غايه الجمال

أتمنى ان تكون بخير

نور يقول...

جميلة ..
تعبث بالذاكرة

دمت مبدعاً

شات صوتي يقول...

مشكوور والله يعطيك العافيه

رشيد أمديون يقول...

@غير معرف

اهلا بك. تحيتي

رشيد أمديون يقول...

@نيللى

اهلا بك أخت نيللي
أشكرك على رأيك الطيب

رشيد أمديون يقول...

@نور

شكرا لك أخت نور
لك التحية

رشيد أمديون يقول...

@شات صوتي

العفو. بارك الله فيك

إرسال تعليق

كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة