لحظات نقضيها أحيانا تأملا في جوانب من حياتنا العجيبة. نرسل النظر تارة ونفعّل ملكة الفكر تارة أخرى. نحاول أن نتأكد من جدية سلوكنا الروحي وسفرنا الإيماني نحو جنة الإحسان ورياضه، والتأكد من تحقق تلك المفاهيم التي أرساها الخطاب القرآني في أكثر من موضع في كتاب الله (ففروا إلى الله (1)- سارعوا (2)- سابقوا(3) - في ذلك فليتنافس المتنافسون (4)- وأنيبوا(5).. خطاب بصيغة الأمر يحمل بين طياته الترغيب، وله دلالة مهمة تتجسد في مفهوم معين كالحركة والانتقال والسفر... لكنها حركة روحية تكون بالروح والمجاهدة وصدق القلب قبل أن تكون بالجسد الطيني، هي بالقلب لا بالقالب، هي بالذوق والإيمان لا باللمس والرؤية والمشاهدة ولا مجال للعقل البشري في تفسيرها. فهل أحسنا التصرف بأن أقمنا ميزان العدل بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسد؟ أم أن نسبنا الطيني طغى وغلب على نسبنا السماوي؟
بديهيا أن المخلوق البشري هو مادة –الجسم- وروح وهي شيء لا يحيط بعلمه إلا خالقه ، ومن هذين المكونين ومن تمازجهما صار هذا الإنسان وهو الكائن العاقل أو كما يسمى لدى الفلاسفة حيوان عاقل - وإن كنا سنتحفظ من كلمة حيوان فقد ورد اسمها في وصف دار الدنيا في القرآن الكريم-
لم يكن للإنسان قيمة تذكر من قبل أن ينفخ الخالق فيه الروح. مر عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا(6). وفي حوار الله مع الملائكة أخبرهم سبحانه أنه خلق بشرا من طين فلم يأمرهم بالسجود له إلا بعد أن نفخ في أدم الروح(7). فتكريم الله للإنسان لم يأت لكونه مادة أرضية ترابية ، بل التكريم موجه إلى تلك الروح التي حبانا الله بها، وهي الشيء المشترك بيننا وبين الملائكة ذات الخلق النوراني. لا اعتبار للمادة الترابية التي ينتسب لها جسد الإنسان، بل الاعتبار يكون للروح التي تسكن ذلك الجسد. لهذا كانت الروح ولا تزال تحن إلى العلو والسمو تحن إلى أصلها الطاهر، لكن عمى البصيرة وغواية الشيطان قد تجعل الإنسان يخلد إلى الأرض ويتّبع هواه. فالتكريم ليس للمادة والهيكل الذي يحوي الروح بل هو للجوهر والمحتوى، وهو نفحة روح الله التي ألقيت في أجسادنا وجعلتنا نتصف ببعض من صفات خالقنا كالقدرة والكلام والسمع والبصر والرحمة..
وأستحضر قول الشاعر الحكيم: (8)
التوازن بين النسبيين مطلب لابد له أن يتحقق في سير المؤمن وسلوكه الروحي حتى لا تطغى نزعات الطين والمادة الأرضية على النسب السماوي الإلهي فيصير الإنسان ممتلئا شرا، غارقا في ظلمات الظلم والضلالة والغفلة وحب الفانيات.
بديهيا أن المخلوق البشري هو مادة –الجسم- وروح وهي شيء لا يحيط بعلمه إلا خالقه ، ومن هذين المكونين ومن تمازجهما صار هذا الإنسان وهو الكائن العاقل أو كما يسمى لدى الفلاسفة حيوان عاقل - وإن كنا سنتحفظ من كلمة حيوان فقد ورد اسمها في وصف دار الدنيا في القرآن الكريم-
لم يكن للإنسان قيمة تذكر من قبل أن ينفخ الخالق فيه الروح. مر عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا(6). وفي حوار الله مع الملائكة أخبرهم سبحانه أنه خلق بشرا من طين فلم يأمرهم بالسجود له إلا بعد أن نفخ في أدم الروح(7). فتكريم الله للإنسان لم يأت لكونه مادة أرضية ترابية ، بل التكريم موجه إلى تلك الروح التي حبانا الله بها، وهي الشيء المشترك بيننا وبين الملائكة ذات الخلق النوراني. لا اعتبار للمادة الترابية التي ينتسب لها جسد الإنسان، بل الاعتبار يكون للروح التي تسكن ذلك الجسد. لهذا كانت الروح ولا تزال تحن إلى العلو والسمو تحن إلى أصلها الطاهر، لكن عمى البصيرة وغواية الشيطان قد تجعل الإنسان يخلد إلى الأرض ويتّبع هواه. فالتكريم ليس للمادة والهيكل الذي يحوي الروح بل هو للجوهر والمحتوى، وهو نفحة روح الله التي ألقيت في أجسادنا وجعلتنا نتصف ببعض من صفات خالقنا كالقدرة والكلام والسمع والبصر والرحمة..
وأستحضر قول الشاعر الحكيم: (8)
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمتــــــه *** أتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها *** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
التوازن بين النسبيين مطلب لابد له أن يتحقق في سير المؤمن وسلوكه الروحي حتى لا تطغى نزعات الطين والمادة الأرضية على النسب السماوي الإلهي فيصير الإنسان ممتلئا شرا، غارقا في ظلمات الظلم والضلالة والغفلة وحب الفانيات.
الهامش: بقلم: أبو حسام الدين
1- الذاريات (50) . 2- آل عمران (133) . 3- الحديد (21) . 4- المطففين (26) . 5- الزمر (54) . 6- الإنسان (1) .
7- الحجر(29) . ص (72) . 8- من قصيدة طويلة لأبي الفتح علي بن محمد بن الحسين البستي.
32 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:
صحيح، يكمن التميز الذي يحضى به الانسان عن باقي الكائنات في العقل وبه يتعالى عن الصفات الحيوانية والغريزية، بذاك العقل يستطيع الانسان تهديب روحه وخلق ذاك التوزان بين الجسد والروح.
جزاك الله خيرا على التذكرة ابو حسام
أسعد الله أوقاتك بكل خير
نسب طيني ونسب سماوي ... فلسفة جميلة عميقة و نظرة ثاقبة
عسى أن يزقنا الله تعالى القدرة على إحداث توارن
بورك قلمك ودام العطاء
حديث روحاني خالص لله تعالى
الانسان كرمه الله في السماء والأرض بالروح والعقل والفكر والعقيدة
لكن للاسف كثير من بني آدم يهمشون ذلك ويعون نحو الرذيلة ..
بالفعل بالروح لا بالجسد
والاعتبار هو للروح وما الجسد إلا كملبس خارجي نرتديه بولادتنا ويبلى وينتهى بموتنا لكن الروح باقية خالدة..
تذكير وأفكار راقية هادفة
بارك الله فيك
وتقبل منك خير الأعمال
جزاك الله عنا خيرا وربنا سبحانه وتعالي يتقبل منا ومنكم
كل عام وانتم بخير
أحسنت
فالإنسان إن لم تكن روحه مطمئنة فلن يريحه ولو ملىء الأرض ذهبا
الله يرضى عليك ويوفقك
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
** الاعتبار يكون للروح التي تسكن ذلك الجسد. لهذا كانت الروح ولا تزال تحن إلى العلو والسمو تحن إلى أصلها الطاهر..
ما شــاء الله ..بحاجة نحن لقراءة هذه الأسطر..في مثل هذه الأيام المباركة..وفقكم الله و أحسن إليكم
لينا.
الأنسان هو الروح ..وغير ذلك لا يتميز عن باقى المخلوقات بشيء ..عندما تسمو أرواحنا الى حد النقاء سوف نرى كل شيء جميلاً
شكراً أخى رشيد لمقالك النافع
تحياتى لك
@أمال
العقل بمعنى تلك الألة التي تحكم في جسد، فلا يمكنها أن تهديب الروح أبدا، لكن بمفهوم القلب فهذا هو المراد، وقد تقولي كيف يكون القلب عقلا أجيب ببساطة أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: (أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
حياكِ الله أختي الكريمة
@نور
عمت مساءً أخت نور.
نرجو أن نكون كذلك بمشيئة الله.
@زينة زيدان
إن تلك الفطرة التي خلقها الله فينا لا تنحرف عن طريق الحق إلا بعد الغواية، مما يفقد الانسان التوازن.
تحية طيبة أخت زينة.
@sendbad
آمين.
بارك الله فيك أخي سندباد.
رمضان كريم
@..... آرثـر رامبـو .....
بارك الله فيك أخي
تحية طيبة
@lina
وعليكم السلام...
جزاكِ الله خيرا أخت لينا.
تقبل الله صالح الأعمال
@قوس قزح
أخي قوس لابد من مجاهدة وعمل وتقرب حتى نحمي فطرتنا من الدنس، ساعتها تسمو الأرواح.
العفو صديقي.
الانسان روح وجسد وقد وهب ما عليه ان يستخدمه ليعطي كل ذي حق حقه فيعمل كانه على الارض باق مدى الدهر وعلى انه عنها زائل قبل طلوع الفجر
موازنة صعبة لا يثقنها الا عارف بخباياها
بوركت استاذي
وللعلم فقد وضعت ردا بالامس لكنه لم يظهر ربما لظروف النت
موضوع مميز كما عودتنا استاذي
ما بين الروح و الجسد علاقة لم يدركها بعد كثير من البشر رغم أن الله عز و جل أوضح في كثير من المواقف أن سمو الروح هو الهدف و هو الأساس، و أن الجسد منتهاه تحت التراب كأول عهده ..
شكرا على هاته اللمحة الراقية أخي رشيد
بوست جميل تسلم
ول عام وانت بخير
@حلم
فعلا هي موازنة يتقنها العارفون بالله، أطباء القلوب.
أشكرك كثيرا أختي الكريمة على نعليقك.
بوركت
@عبد الحميد
نعم أخي العزيز هو كذلك ما ذكرت.
صدقا إنك تغيب عنا فنشتاق لك.
تحتي لك
مساء الغاردينيا ابوحسام
ماأجمل من نص راقي معطعم بلمساتك الادبية
حقاً كرمنا رب الخلق بالعقل والروح "
؛؛
؛
لروحك عبق الغاردينيا
reemaas
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
كلام في قمة الجمال والتألق النوراني
لم أكتفي منه وأنا أقرأه ..نعم فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
الكلام الطيب يطيب النفس ..شكرا
أنار الله روحك وحشرك مع من أكرموا أنفسهم
موفق...
@ريــــمــــاس
أسعد أوقاتك أختي ريماس.
بوركت ولك مني أعطر التحيات.
@خاتون
وعليكم السلام
أشكرك أختي الكريمة.
طيب الله روحكِ.
حياكِ الله
@sun of free dom
أولا أهلا بك ومرحبا.
وأشكرك على كلامك الطيب.
رمضان كريم
بسم الله وبعد
بوركت أخانا في الله على الطرح الطيب
تقبل الله منا ومنكم الطاعات
إخوانك في الله
أبو مجاهد الرنتيسي
أحلام الرنتيسي
رائع
السلام عليكم
صغت فابدعت في دمج الفكرة في كل جزء هنا
ساسميها فلسفة لم اقرأ لها مثيل . فشتان بين الجسد والروح
وفي نفس الوقت ذكرت اننا يجب أن نوفق بين الاثنين .
بين مطلب الجسد ..وغاية الروح .
دمت بخير
@أبو مجاهد الرنتيسي ● أحلام الرنتيسي
جزاك الله خيرا أخي الكريم
عيد سعيد
@أحمد محمد شمسان
بارك الله فيك أستاذ أحمد
@المورقة عبير !!
وعليكم السلام
شكرا لكِ عبير.
كل عام وأنت بخير
فى رحلة الحياة .. كثيراً ما نحتاج إلى أن نتوقف .. لكى نبدأ.
صدقت أخي الكريم.
بارك الله فيك
إرسال تعليق
كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)