الوصف

آية قرآنية


  
  كان غارقا في سكينته، ينصت لقراء القرآن وصوتهم يزلزل زوايا المسجد، يتلون بصوت مرتفع، ومكبرات الصوت تكاد تخرم طبلة أذنه.. لطالما اتخذ موقفا معاديا لمثل هذه القراءة الجماعية التي تخلو من القواعد، و آداب القرآن.. لكنه لا ينكر على أحد مادام في الأمر خلاف.. ورغم أنه يفضل القراءة الفردية التي تكون أكثر تركيزا وأكثر إتقان؛ يكتفي بالإنصات والتأمل في الآيات البينات، ليس عنده الوقت ليدخل في جدال لا تنتهي، كما أنه لا يستحمل أن يتهمه أحدهم بمعاداة سياسة وزارة الأوقاف..

انتهت صلاة الجمعة وانتشر المصلون.. الكل يهرول للخروج، بينما هو يتجه نحو الباب يصافحه أحد أصدقائه، لم ينتبه له وسط الزحام وحيث كان باله مشغولا بآية سمعها فأخذت تفكيره... نظر إلى صديقه وابتسم وأشار إليه أن ينتظره خارج المسجد.
بعد خروجه التفت يمينا وشمالا باحثا عنه وجده ينتظره قريبا منه... لم يضع لكلامه مقدمات بحيث استقبله بسؤاله قائلا:
      -     أسمعت الآية القرآنية؟
-          أية آية؟ لقد تلوا حزبا بأكمله!
-         آه.. صحيح، أقصد الآية التي يقول الله تعالى فيها: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).
-         نعم، ما بها..؟
-         لا أخفيك يا صاح، رغم سماعي لها باستمرار لم أنتبه لها إلا اليوم، ظللت الوقت كله أفكر فيها.
-         وما الذي جعلك كذلك؟
-         أجبني أولا على سؤالي هذا: هل المؤمن الصالح  الذين عاش في الدنيا مع زوجه في طاعة الله، سيفترق عنها في الأخرة وعند دخول الجنة؟
-         لا أدري أنت تعلم أن معلوماتي في الدين قليلة..
-         يا أخي إن الجواب على هذا السؤال هو ما جعلني أتدبر هذه الآية وهي شغلي الشاغل طوال مكوثي في المسجد، ولا أخفيك أن حتى خطبة الإمام لم أنتبه لها..
-         كيف ؟
-         الآية تقول أن الذين آمنوا يلحق الله تعالى بهم ذرياتهم من أبنائهم وأزواجهم إلى النعيم جزاء ما كانوا عليه من التقوى والصلاح في الدنيا، وهذا عكس ما كنا نظن أن أصحاب الجنة سينعمون بالحور العين فقط، وأن زواج الدنيا مقتصر على الدنيا لا غير.
-         نعم هذا صحيح..! أجدني وكأني لم أقر هذه الآية من قبل..! وماذا يعني وما ألتناهم من عملهم من شيء؟
-         نعم.. ربما إن كانت الذرية والأزواج في مرتبة أقل فإن الله يلحقهم بآبائهم  في أعلى المراتب في الجنة.
-         ولكن كيف يتساوى من في أعلى المرتبة بمن دونه؟
-         يا أخي إن من كرم الله تعالى أن يكرم عباده الصالحين وذلك بأن يلحق بهم ذرياتهم الصالحة، ولا ينقص من عملهم شيئا، هذا فضل من الله يرزقه من يشاء.
-         ولكن ربما يتوكل الأبناء على صلاح الآباء، فلا يجتهدون في الطاعة، ألا تلاحظ أنه من الممكن؟
-         ربما، ولكن الله عادل وهذا واضح من خاتمة الآية : كل امرئ بما كسب رهين. يعني كل واحد يؤخذ بما كسب من عمل..
-         نعم آية جديرة بالتدبر والتمعن، ورغم قراءتي لها مرارا لم أنتبه لها أبدا..

أخذهما النقاش والحديث حتى اضطرا للانصراف لضيق الوقت. لكن صاحبنا مازال صوت الآية يتردد في أذنيه وكأن القراءة مازالت تتكرر على سمعه... والسؤال مازال يستفز فكره مما حثه على البحث عن أسباب نزول الآية؛ فأزمع على أن لا يتناول شيئا من الأكل حتى يبحث في التفسير عن ظروف نزولها..

أبو حسام الدين

36 تعليقك حافز مهم على الإستمرار:

أمال يقول...

سبحان الله
كثيرة هي اللحضات التي تنجدب لشيء لم يكن يثيرك سابق وهذا يحدث مع القرأن الكريم خاصة،وهذا ليس إلا دليلا على عضمته وثقل وزنه على المؤمن.
أما بالنسبة لسؤال الرجل فالجواب واضح من خلال الاية القرانية وهذا ما سمعته خلال خطب كثيرة لعلماء المسلمين، على أن الازواج الصالحون في الدنيا هم أيضا أزواج في الأخرة، وقد سمعت قصة حكاها أحد الشيوخ عن رجل كان يكره امرأته لكثر قبح أخلاقها وجحودها وكان الجميع ينصحه بتطليقها في حين هو كان يرفض ذلك، فصبر على مقتها الى أن توفاها الله فقام بدفنها وأعلن أمام قبرها تطليقه لها الطلاق الثلاث فاستغرب الجميع سلوكه وأخدوا يستفسرون عن ذلك، فأخبرهم أنه ابتلي بهاته المرأة وصبر عليها ابتغاء الاجر والثواب عند الله ولم يرد تطليقها كي لا يبتلى بها غيره ولكنه الان وبعد وفاتها تخلص منها كي لا تصبح زوجته في الاخرة:d:d
يبدوا أنها كانت امرأة شديدة فعلا
طرح طيب أخي
بارك الله فيك وجمعك بزوجك وابنك في الدنيا والأخرة.
تقديري واحترامي

مصطفى سيف الدين يقول...

التدبر في ايات الله نعمة وفضل لا يقتنصه الا الصالحون
اما عن هذه الآية فرايي ان الاخرة والحساب علمه عند ربي
وان على الانسان ان يعلم انه سيحاسب على عمله وعليه الاجتهاد في العبادة
1اما طريقة الحساب فعلمها عند الله والله اسمه العدل لذا كل امرىء سيحاسب وسيجزى بالعدل والحق
تحياتي واشكرك

ولاء يقول...

السلام عليكم

قصصك بها من الفائدة الكثير ...

فقد نبهتنا على هذه الآية الذي يتجلى فيها كرم الله سحانه وتعالى ..
من القصص الظريفة ان امرأة كبيرة في السن طلبت الطلاق بعدما عرفت عن هذه الآية ..

وفقك الله ونفع بك .

مازن الرنتيسي يقول...

بسم الله وبعد
بوركت أخي في الله أبا حسام الدين على طرحك الطيب وبورك جهدك
موضوع في غاية الأهمية

تحياتي وإحترامي وتقديري لك

مدونه ما كفايه بقى يقول...

عرفت هذه المعملومه لك أول مره أسمع الأيده التى تدلل عليها

سبحان الله ربنا يجعلنا منهم بإذن الله

تحياتى لك

وردة الجنة يقول...

لا اله الا الله

فعلا كثيرا ما نسمع القرآن وتشغلنا آية لم نكن من قبل منتبهين اليها وحدثت معى كثيرا لكن تفسير اميرة الأمل لهذه الآية اشكرها عليه لان نفس السؤال كان عندى عندما قرأت الموضوع كنت فعلا حابة اعرف التفسير

جزاك الله خيرا واثابك واثقل موازين حسناتك

تقبل مرورى..........

مدونة رحلة حياه يقول...

السلام عليكم
استاذى راق لى ما ذكرت فإن الله أمرنا فى كتابه بتدبر أياته والتمعن فى معانيها واستنباط الاحكام منها فالقرءان منهج حياه

شهر زاد يقول...

اخي رشيد
القرأن الكريم بلسم النفوس وملجأ الارواح اليه تسكن وتستكين
وبكلماته تهدأ وتلين
فبذكره تطمئن القلوب

حرّة من البلاد..! يقول...

أخي رشيد
جزاك الله خيرا على ما قدمت
نحن بحاجة لتمعن ايات الله والى فهمها
تحياتي

هيفاء عبده يقول...

معك حق ..
الاية تثير الفضول في معرفة الاسباب والتمعن في الآيه أكثر
ولا الوم اخينا في الله في حيرته فالأمر يستحق

بارك الله فيك

BookMark يقول...

سبحان الله!
تفسير رائع لم ننتبه له من قبل ..
كم هو رحيم ربنا

شكرًا على التذكرة أخي

بدر الحمري يقول...

اللهم أجمعنا مع الصالحين في الدنيا والأخرة ...
يا حي يا قيوم

يا رحمن

يا قوي

آمين

رشيد أمديون يقول...

@أميرة الأمل

أهلا بكِ أميرة

أختي المسألة لا تكمن في رفقة الزوج لزوجته في الأخرة ولكن في قضية الدرجة كما تعلمين أن الجنة درجات، والآية محور حديثها يرتكز حول الإلحاق في الأخرة يعين أن الله يلحق الذرية الصالحة التي هي في مرتبة أدنى إلى مرتبة الأب التي هي أعلى، دون أن ينقص الله من أجر الأب شيئا، مثل قضية إفطار الصائم فمن أفطر صائما له من الأجر مثل الصائم دون أن ينقص من أجر الصائم شيء. فضل من الله حقا، وإنه فضل كبير.
القصة التي ذكرتي سمعتها كذلك.، معبرة فعلا.
شكرا لكِ على هذا العليق المثمر.

زينة زيدان يقول...

صديقي رشيد

إن لآذاننا كثيرٌ ما تسمع
وإن قلوبنا قليلٌ ما تخشع

وإن التدبر في القرآن لعبادة
لها عظيم الاجر والثواب
بالنسبة لمعنى الاية الكريمة
أنا أعلم أن الزوجة الصاحة ترافق الزوج الصالح في الجنة
كما أن الله يتوجها سيدة على الحور العين

أشكر إشارتك للمعنى
ودعوتنا للتدبر

رشيد أمديون يقول...

@مصطفى سيف

أخي مصطفى كلامك عين الصواب، ولا مراء فيه. لكن هناك إشارات تأتي عبر آيات القرآن، توضح فضل الله تعالى، وكما أن الله هو العادل ويحكم بالعدل، ففضله يرزقه من يشاء من عباده.. ألم يقل الله عن المتقين: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا)"النساء69".
فرفقة الأنبياء وهم في أعلى المراتب هو فضل من الباري عز وجل.
وأنا أدرك أنك تؤكد على ضرورة العمل وعدم الإتكال وهذا صحيح، فقد صلى الله عليه وسلم: "اعملوا ولا تتوكلوا"

جزاك الله خيرا على تعليقك، وبارك الله فيك.

رشيد أمديون يقول...

@ولاء

وعليكم السلام

بارك الله فيك أختي على تعليقك.
أظن أن تلك المرأة هي الخاسرة إن كان زوجها صالحا..

حياكِ الله

رشيد أمديون يقول...

@المنشد أبو مجاهد الرنتيسي

جزاك الله خيرا أخي الكريم

وحياك الله

رشيد أمديون يقول...

@مدونه ما كفايه بقى

آمين آمين.
هناك الكثير من المعلومات ترسخ في اذهاننا ولكن القليل منها ما نعلم له دليل.

شكرا لكِ

رشيد أمديون يقول...

@وردة الجنة

أختي الكريمة التفسير كان ضمن القصة ولكنه بطريقة غير مباشرة، والذي جعلني أتناول المسألة بهذا الشكل هو تحفيز الأفهام على التفكير،والحيرة لكي يتولد عنصر التشويق للبحث في التفسير، وهذا هو القصد من النص.
كما أن الأخت أميرة جزاها الله خيرا عززت النص بكلامها وهذا شيء أخر كان مقصودا حتى يشارك الكل في النقاش.

فشكرا لكِ وجزاكِ الله خيرا.

رشيد أمديون يقول...

@مدونة رحلة حياه

وعليكم السلام

أكيد عزيزي القرآن هو كما ذكرت، ونحن مأمورون بفعلى التدبر.

شكرا لك.

رشيد أمديون يقول...

@شهر زاد

نعم هو كذلك شهرزاد
أشكرك كثيرا أختي

رشيد أمديون يقول...

@حرّة من البلاد..!

والله يا أختي إن التمعن في آياته والتدبر فيه يكسب العقل شساعة الفكر، ويكسب الروح حلاوة ما بعدها حلاوة.

أسعدني تعليقك أختي

رشيد أمديون يقول...

@هيفاء

فلتكن هذه دعوة للتأمل والتدبر، فالقرآن قد يقرأ لكن الفهم قد يغيب..

أشكرك أختي الكريمة

رشيد أمديون يقول...

@BookMark

لك الشكر أختي..
نعم فضل الله أكبر مما قد نتصوره.

بوركتِ

رشيد أمديون يقول...

@بدر الحمري

آمين آمين..

زيارتك تفرحني صديقي.

رشيد أمديون يقول...

@زينة زيدان

نعم أختي زينة
هو حقا ما قلتِ، لكن انظري إلى فضل الله تعالى كيف يرفع الذرية إلى مرتبة الأب التي تكون أعلى، "ألحقنا بهم ذرياتهم"..

حياكِ الله أختي وبارك الله فيك.

أمال الصالحي يقول...

حقا هي اية تدعو للتدبر، والتفكير في عظمة الخالق، ما يختزنه القران الكريم يثير الذوات للبحث في معانيه..
الاية الكريمة قرأتها قبلا ولكن هي المرة الأولى التي أبحث فيها معانيها مع نفسي بفضل تدوينتك القيمة هاته..
ما أعظم نعم الله علينا..

بوركت على الموضوع، ففيه من الإفادة الكثير

حياك الله

غير معرف يقول...

ربّ آيه صادفت لحظة يقظه فغيرت في الكيان كثير ,,

حدث معه ما يحدث لكثيرنا حين نكون في غمرة سكره

فنفيق وكأننا ما سمعنا ولا عرفنا


وقفه جميله ,,
جُزيت بحجمها خيراً

رشيد أمديون يقول...

@أمال الصالحي

بارك الله فيكِ أختي على هذا التعليق الطيب، وفعلا ما أعظم نعم الله علينا، وما أكثرها..

شكرا لكِ

رشيد أمديون يقول...

@paradise❤❤

نعم هو كذلك، وما أجملها من يقظة وانتباهة تكون احيانا خالصة ونابعة من العمق..

شكرا لكِ

نور يقول...

أسلوب مشوق للغاية وموضوع قيّم جدير بالطرح
أثرت الفضول للتدبّر والسؤال أكثر ... !

كل الشكر أخي الكريم
بوركت جهودك ودام قلمك الجميل

رشيد أمديون يقول...

@نور

أختي إن هدف الموضوع هو تحريك الفضول لكي نقوم بالتمعن والتدبر والبحث.. وهذا ما وصلت له طبعا.

شكرا لك أختي الكريمة.

المدفعجي يقول...

مدونه رائعه وكلام اروع

خاتون يقول...

السلام عليكم...

سبحان الله .. أكيد الله باغيله الخير
فجره على طريقه من خلال سؤال
ومن أراد الله به خيرا فقه في دينه

القران كل مرة نقرأه نلقى فيه شيء جديد
وتدبر الآيات والبحث عن معناها يزيد
فهمنا لها وإيمانا بالتالي
طرح طيب وفقت فيه
^_^

رشيد أمديون يقول...

@المدفعجي

شكرا لك، ومرحب بك.

رشيد أمديون يقول...

@خاتون

وعليكم السلام

أنعم الله عليكم أختي خاتون
غياب طويل أتمنى من الله أن تكوني بخير

شكرا لك على تعليقك الجميل

إرسال تعليق

كلماتكم هنا ماهي إلا إمتداد لما كتب، فلا يمكن الإستغناء عنها.
(التعليقات التي فيها دعاية لشركات أو منتوجات ما تحذف)

Join me on Facebook Follow me on Twitter Email me Email me Email me Email me

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة