القرآن كتاب الله الذي أنزله على رسوله، وهو في حد ذاته كتاب يحوي بين طياته أسرارا كثيرة، ومن علماء الفلك والطبيعة وغيرهم من يؤكد أنه يحتوي على نظريات علمية حقيقية، فظهر ما يسمى بالإعجاز العلمي.
كما أن إعجازه اللفظي كان نوعا من التحدي للعرب الذين عرفوا بالبلاغة والفصاحة ومتانة اللغة، فجاءهم التحدي في كثير من آيات القرآن، من بينها أذكر قول الله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء/88
(فَليأتُوا بِحديثٍ مثله إِن كَانُوا صَادِقين) الطور/34
ولكن رغم كل ما يتوفر في القرآن من حقائق علمية عميقة، منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن، ومنها ما أدركه الدارسون ومنها ما خفي عنهم، رغم كل هذا يبقى كتاب هداية وإرشاد وكتاب تشريع، يقول الله تعالى:
( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ). الإسراء /9
جاءت في القرآن صفات متعددة تصف القرآن تارة بالحكيم وتارة بالمجيد وأخرى بالكريم، وقد يتساءل أحد لماذا هذا التنوع وما الغرض منه؟
يؤكد علماء التفسير أن آيات القرآن سوابق ولواحق، فلا يمكن في كثير منها أن تُفصل عن سياقها، فإن فعلنا نكون قد تعسفنا على معناها، لهذا كان من الضرورة لفهم أي آيةٍ أن ننظر إلى السياق الذي جاءت فيه، القبلي وكذلك البعدي. إذا جئنا إلى بداية سورة "يس" نجد أن الله تعالى يقول: (يس والقرآن الحكيم). وفي بداية سورة "ق" نجد أن الله تعالى يقول: (ق والقرآن المجيد). وفي الأية 77 من سورة "الواقعة" نجد قول الله تعالى: (وإنه لقرآن كريم).
في المثل الأول والثاني جاءت الآيات بصيغة القسم، فهي قسم من الله تعالى بكتابه المنزل على رسوله محمد، ومعلوم أن الله حين يقسم بشيءٍ فهو يعظمه. فوصف الله تعالى كتابه بالحكيم في سورة "يس" لأن السياق البعدي يقتضي ذلك فالله يقسم على صدق رسالة محمد وحكمة رسالته وسداد أمرها فهو قرآن حكيم من رب حكيم.
في سورة "ق" يقسم بالقرآن المجيد لكون الكافرين عجبوا أن بعث لهم الله منذر منهم - يعني من عشيرتهم - وقد استعمل القرآن لفظ منذر ولم يستعمل لفظ بشير مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- بشير ونذير، ذلك لأن المقام مقام إنذار وليس مقام تبشير، لأنهم أنكروا البعث وجحدوا وكفروا.
فالقرآن مجيد يعلو على كل ما قالوا ويعلو على جحودهم، وهو مجيد من الله المجيد.
في سورة الواقعة وصفه الله بالكريم، لأن السياق القبلي يقتضي ذلك فقد جاء في الآيات السابقة لها، مجموعة من أسئلة تعجيزية لا تنتظر الإجابة: قال تعالى: (أفرأيتم ما تمنون) (أفرأيتم ما ما تحرثون) إلى غيرها من الأسئلة...
ومن خلال تلك الآيات التي سبقت السياق يتضح أن كرم الله تعالى كبير على الناس فهو الخالق وهو الذي أنزل الماء وهو المحيي وغير ذلك كله من النعم التي منّ الله بها على الخلق.. فجاء القسم وتبعه المقسوم عليه الذي هو القرآن الكريم. فهو كريم من رب كريم يرزق بغير حساب. فكان لصفة الكريم معنى لتوافقها مع سياق الآيات القبلية.
والله تعالى أعلم.