الإنهيار
4:03 م
رشيد أمديون
28 comments
مهدد أنا بالإنهيارْ
مهدد أنا بالإنكسارْ
أمام عيونكِ تأخذني سكرة الإنتحارْ
أيل للسقوط...
بنياني المرصوص،
كل نظرة منك قنبلة نارْ
كل ابتسامة من شفتيكِ،
تضرب عليّ أسوار الحصار.ْ
Posted in: خواطر شعرية
ولقد ذكرتك..
2:50 م
رشيد أمديون
32 comments
عندما نقلب النظر في التراث العربي- الأدبي منه- وخاصة في العصرين الجاهلي والعباسي، تستوقفنا أساليب لغوية قوية ومتينة، ومصطلحات ذابت مع مرور الزمان ولم يعد لها تداول في اللغة العصرية.
وقد نُرجع أمر تمكن العرب من لغتهم وتوظيفها بكثرة في الشعر العربي الذي كان بمثابة بوق إعلامي لكل قبيلة ، إلى أنهم اشربوا الفصحى من ثدي أمهاتهم، ولهذا فلا عجب أن نجد أنفسنا غرباء عـــن تلك اللغة التي نزل بها القرآن إعجازا وتحديا للعرب الذين لم يقدروا أن يأتوا ولو حتى بآية كالـتـي جاء بها القرآن رغم بلاغتهم ورغم تمكنهم اللغوي.
وحتى قال قائلهم حين سمع القرآن يتلى:
إن لـه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه، وما هو بقول بشر...
حقيقةً أني رغم عجميتي إلا أني مبهور كل الانبهار أمام هذه اللغة القوية التي هي محفوظة بحفظ الله للقرآن، وكيف أنها لينة الاستعمال قابلة لكل صياغة، فضفاضة المعاني ودقيقة المفردات والكلمات يعني أن لكل كلمة موضع يلائمها، فمثلا كلمة أكله ليست هي افترسه ، وقد جاء في القرآن: (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) يوسف: 17
الذي يبدو من اختيار إخوة يوسف لكلمة أكله أنهم أرادوا أن يقولوا أن يوسف لم يبقى منه شيء من لحمه ولا من عظمه فكلمة أكله ملاصقة للمعنى وموجزة للمشهد، مع أننا في العادة نقول افترسه الأسد أو الذئب...
والأمثلة كثيرة ولا حصر لها فالعربية بحر لا ساحل له وكلما تعمق الدارس أدرك جهله لأسرار هذه اللغة.
عندما كنت يافعا كنت مولعا بقراءة الشعر الجاهلي وخاصة منه المعلقات السبع- أو العشر على حسب الروايات- وكثيرا ما كان اختياري لمعلقة عنترة ابن شداد العبسي، لكونه شخصية أسطورية قبل أن يكون شاعرا فقد حيكت حول قوته وشجاعته ومغامراته قصص كثيرة أغلبها من الخيال.
هنا سوف نلقي نظرة موجزة على بيتين من معلقته التي مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم
وجدت هذه المعلقة خضما من المشاعر والمواقف النبيلة التي تدل على رقة هذا الشاعر رغم قوته وصلابة جسمه، ورغم سواد خلقته...ولكن المرء بقلبه لا بقالبه.وقد وصل الحب بشاعرنا إلى أن حن قلبه شوقا إلى عبلة وهو يقارع سيوف المنية التي تريد أن تأخذ حياته، فهو في ساحة المعركة يتذكرها رغم أن الرماح تصيبه والسيوف تقطر من دمه، وكلما شاهد لمعان السيوف تذكر ثغر عبلة الباسم وبريقه اللامع – تشبيها –
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السـيوف ، لأنهـا لمعت كبارق ثغرك المتبســم
فوددت تقبيل السـيوف ، لأنهـا لمعت كبارق ثغرك المتبســم
بيض الهند هي سيوف هندية كانوا يأتون بها من الهند ويسمى سيفها كذلك باسم المهند، وقد قال فيه عنترة في بيت أخر:
فطعنته بالرمـــــح ثم علـوته بمهند صافي الحديدة مخدم
واستعمال كلمة بيض يدل على بياض صفحة السيف التي تظهر بيضاء من لمعانها.طبعا موقف كهذا يُلغى فيه التفكير في أي شيء أخر غير الحرب والقتال، والكر والفر... ولكن شاعرنا الهمام أخذ منه الحب مأخذا بليغا، فنظم البيتين بهذا الوصف الجميل وهذا الغزل العذري الصافي بعد أن تذكر عبلة التي سلبت عقله وروحه وليثبت لها أنه رغم دنوه من موطن الموت، ورغم أن الرماح تنهال عليه من كل صوب فهي في باله وصورتها في خياله تظهر له حتى في لمعان السيوف التي كاد أن يقبلها من فرط تخيله أن بياضها كبريق ذلك الثغر الذي يجود له بالبسمات.
بقلم: أبو حسام الدين
Posted in: أدب وفكر