أشياء وأشياء اعتدت أن أمسك بها حين أسقي ذكرياتي بماء هذا الحاضر..
لا أجد الأن غير الضباب والوحشة..
كتمت شعوري سنوات وسنوات... لكني ما استطعت أن امضي هكذا!
فليس عيبا أن يجهر المرء بحنينه وحبه، بل العيب أن لا يجد ما يحبه، فيتحجر قلبه ويتصلب كالحديد أو ما شابه ذلك...
أشياء من الزمن الماضي يسعدني أن أطلعكم عليها، هي جزء من ثقافتي ومن حياة أمازيغي تكلم لغة الضاد وعشقها كما عشق لغته الأم التي كان في وقت من الزمن يخجل من التكلم بها بحكم التهكم الذي كان يلقاه من بعض أقرانه...
مضت السنين والأعوام وبقي في النفس أني لن أكون إلا أمازيغيا رضي من رضي وتهكم من أراد أن يتهكم، الأصل هو الأصل، ولا أحد ينسلخ من ولائه لجنسه.
الآن وقد شب عمرو عن الطوق، لم تعد عندي عقدة الخجل من أن أعلنها بكل قوة، وبأعلى صوتي، أن أصلي أمازيغي أبا عن جد، وكبرت بعيدا عن مسقط رأسي، لكن ولائي لا يزال لأرض أجدادي وآبائي...
يحلو للبعض أن يقول لي أنت لم تعد أمازيغيا... إنك عشت سنين عديدة بيننا وكبرت...
لكني لا أرضى بهذا القول، فالذي يربطني بأصلي وانتمائي ليست هي السنين والأيام وإنما هي الجذور التاريخية التي أُحس من حين إلى أخر أنها ممسكة بي.
آه.. كم اكره تلك العصبية العمياء التي تجعل الإنسان ينظر إلى الأخر على أنه لا شيء... أوكأنه دخيل يجب أن يتنكر لأصله حتى يكون شريفا...
لمست من كلام القليل من الناس أنهم يقولون لي كن عربيا حتى تكون.
أولئك أجيبهم بكل قوة:
أوا لم يكن الأمازيغ عبر التاريخ كله؟
أليسوا هم السكان الأصليون للمغرب؟
ألم يثبتوا وجودهم؟
أليسوا هم الذين احتضنوا الفاتحين الأوائل رغم الصد الذي قاموا به في البداية؟ أوا ليسوا هم الذين فتحوا الأندلس بقيادة طارق ابن زياد، أم أنكم نسيتم أن أصل طارق أمازيغي مغربي؟
والعجيب انه هناك من أراد أن يسلبه هذا الأصل وينسبه للأصل العربي.
أليسوا هم من بايعوا إدريس الأول بعد أن هرب من بطش العباسيين... بايعوه بعد أن زوّجوه ابنتهم وجعلوه حاكما عليهم... ليس لأنه عربي ولكن لأنه حفيد من بيت النبوة.
وقد كان يوسف ابن تاشفين من قبيلة صنهاجة الأمازيغية، ومن ملوك المرابطين وهو الذي لقب نفسه "بأمير المسلمين" وهو بطل معركة "الزلاقة" وقائدها في الأندلس، ومعلوم تاريخيا أن دوره كان كبيرا في بقاء الإسلام في الأندلس لقرن من الزمن، لأنه وحد بين ملوك الطوائف الذين قسموا البلاد بأطماعهم، وعداء بعضهم للبعض، فحارب ابن تاشفين الإسبان وضم الأندلس للمغرب.
ثم ألم يكن للأمازيغ فضل في نشر العلم الشرعي وفي خدمة اللغة العربية؟
فما معنى أن يؤلف أبو عبد الله بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بابن آجروم، مؤلفا في النحو اسماه الأجرومية؟
وقد قال العلامة المختار السوسي في بعض كتبه:
(لغة العرب أفصح اللغات وخير لغة أُخرجت للناس ... صرنا، نحن العجم، نذوق حلاوتها وندرك طلاوتها، حتى لنعد أنفسنا من أبناء يعرب وإن لم نكن إلا أبناء أمازيغ، فالإنسان بذوقه وبما يستحليه عند التعبير، لا بما رضعه من ثدي أمهاته ... فاللغة العربية هي لغتنا حقا، وتلك نعمة أنعم الله بها علينا بفضله وكرمه، حتى إننا لنرى أنفسنا من ورثة الأدب العربي، فنغار إن مسه ماس بفهاهة، ونذود عن حماه إن أحسَسْنا بمن يريد أن يمسه بإهانة، فنحن عرب أقحاح، من حرشة الضباب والمستطيبين للشيح والقيصوم...) "المعسول: 1/13"
(إنني أرى العالم العربي كله، من ضفاف الأطلسي إلى ضفاف الرافدين وطناً واحداً). كتاب "سوس العالمة"
ثم لا ننسى عبد الله ابن ياسين العالم الذي كان له دور في قيام دولة المرابطين في المغرب
وكذلك الذين دافعوا وشكلوا مقاومة للمستعمر كانوا من هذا الجنس، أوا ليس "عبد الكريم الخطابي" أسد الريف منهم، و"موحا أوحمو الزياني" والمقاومين من "ايت عبد الله" كلهم.
الشواهد التاريخية كثيرة، أنا هنا فقط أذكّر من نسي أو تناسى عن جهل أو عن علم...
وحتى ما كان يسمى بالظهير البربري الذي جاء به المستعمر الفرنسي ليخدم به ما سمي "بالقضية الأمازيغية" رفضه أبناء مازيغ أنفسهم لأنه تقسيم للوحدة المغربية وتميز بين العربي والأمازيغي اللذان عاشا قرونا من الزمن يجمعهم دين التوحيد.
عيب القليل أنه لا يقرأ التاريخ حتى يعرف قدر الرجال، والبعض الأخر يتكلم من فراغ لا لشيء إلا لحمية عرقية...
الأفضلية لا تكون بالانتماء للعروبة ولا حتى للنسب المحمدي الشريف، بل الأفضلية تكون لمن اتقى وقدم ما يصلح للناس. فماذا نقول عن الإمام أبي حنيفة والبخاري ومسلم والنسائي وغيرهم من أئمة الحديث والفقه الأعاجم الذين خدموا علوم الإسلام، هل كانوا عرب؟
طبعا ليسوا كذلك... ولكن الإسلام عربهم..
وماذا عن الأبطال كنور دين زنكي، والناصر صلاح الدين ألم يكونا من الأكراد وعرّبهما الإسلام، والملك المصري سيف الدين قطز الذي أوقف زحف المغول وهزمهم في معركة عين جالوت، وغيرهم كثير لم يكونوا من الأصل العربي ولكنهم قدموا ما يذكرون عليه وينسب للإسلام..
لندع العصبية جانبا فليس من الإسلام من دعا لها، ولست أدعوا لها وأكره من يدعو لأية عصبية كيفما كانت، وابغض وبشدة تلك القوميات... (لا قومية عربية ولا قومية أمازيغية) كلها شعارات لأغراض في النفس..
ولست من الفئة القليلة التي وضعت يدها في أيدي الصهاينة بدعوى "الصداقة الأمازيغية الإسرائيلية" وسمحت لنفسها أن تتكلم باسم الأمازيغ...
لا يشرفني أن أكون من أولئك، ولا أن أضع يدي في يد من يقتلون الأبرياء ويغتصبون بيت المقدس.
تقطع يدي ولا أفعل...
ولكن أبقى ما حييت مسلما...أمازيغيا...حرا.
تفيناغ: يعني حروفنا